كتاب يمنح فضلا لملهمات الفنانين

«الاختباء تحت ظل السيد: الزوجات الملهمات لسيزان ومونيه ورودان»

روث بتلر («الشرق الأوسط»)
TT

منذ عدة أعوام كانت روث بتلر تسير في متحف رودان في باريس عندما لمحت لوحة زيتية صغيرة لسيدة ذات شعر بني قصير، وعينين حادتين، وشفتين ممتلئتين. كان مكتوب بجوارها أنها صورة لوالدة رودان.

تذكر بتلر التي كانت عضوا في مجلس إدارة المتحف وهي الآن أستاذ متفرغ في جامعة ماساتشوستس في بوسطن ومؤلفة قصة حياة رودان: «قلت حينها إن هذا سخيف». فقد لاحظت أن الصورة لروز بوريه، الموديل الذي كانت تجلس أمام رودان والتي أصبحت فيما بعد زوجته.

قالت بتلر وهي جالسة تحتسي الكابتشينو في ساحة بتري في متحف ميتروبوليتان للفنون محدقة في الساحة المركزية: «فكرت في أنه إذا لم يهتم متحف رودان بأمر روز، فيجب على أن أكتب عن هذا».

اسم الكتاب هو «الاختباء تحت ظل السيد: الزوجات الملهمات لسيزان ومونيه ورودان»، وقد نشر حديثا بواسطة دار نشر جامعة يال. تحاول بتلر في هذا الكتاب أن تزيل الغموض عن السيدات اللاتي تقول إنهن شاركن في إنجازات هؤلاء الفنانين.

تقول بتلر: «وجد هؤلاء الفنانون أشخاصا لهم أجساد ووجوه تمثل وحيا لهم لا يمكنهم العمل بدونه»، مؤكدة أن هؤلاء الملهمات لم يحصلن على ما يستحقونه. وأضافت أنهن «قدمن إسهاما» للفنانين، ويستحقون أن يراهم الناس، ليس فقط بصريا، ولكن من خلال سيرتهن الذاتية. عندما تحول الفنانون في النصف الثاني من القرن التاسع عشر من رسم موضوعات تاريخية وأسطورية ودينية إلى الحياة اليومية، بحثوا عن نموذج جديد من نوعه. تقول بتلر إنه لأول مرة استخدم الفنانون نفس النموذج، غالبا الزوجة أو الحبيبة، مرارا وتكرارا في رسم اللوحات المختلفة وفي مشاهد مختلفة.

تعلق التحول إلى نحو ما بنهاية الرعاية الرسمية، التي اعتمد عليها الفنانون لعدة قرون. ونتج عن انهيار هذا النظام من الرعاية وبداية سوق الفن الجديد مجموعة من التغييرات للفنانين، لم يكن أقلها الفقر.

وجد الفنانون الثلاثة الذين اختارتهم بتلر، أوغست رودان وكلود مونيه وبول سيزان، ملهماتهم في شوارع باريس حيث انجذبوا إلى شيء مميز في الوجه أو السلوك. وجميعهم تزوجوهن وأنجبوا منهن. ولكن كانت الزوجات يتعرضن لمعاملة سيئة.

كتب ناقد في مجلة «ذا سبكتاتور» البريطانية أن بتلر تعطي «سببا جيدا للنظر مجددا إلى عمل هؤلاء الفنانين»، لأن «كل نظرة تعيد روحا مفقودة إلى الحياة».

يعرف القليل جدا عن هورتنس فيكيه، ملهمة سيزان وزوجته، والتي جلست أمامه ليرسم لها 27 لوحة زيتية والعديد من الرسومات. تقول بتلر إنها حاولت أن تعثر على معلومات من سلالتهما ولكنهم إما رفضوا بشدة أو ضللوها. وتصل بتلر إلى أن الشعور الذي يسري في العائلة هو أن هورتنس «كانت ذات مكانة وضيعة، وأنها أنفقت كل ثروته». وأضافت: «إنهم لم يحبونها».

غادرت بتلر ساحة بتري وسارت إلى قاعة الدور الثاني حيث توجد صورتان كبيرتان لهورتنس فيكيه. في الجهة اليمنى صورة «السيدة سيزان (هورتنس فيكيه 1850-1922) في معهد الموسيقى» من عام 1891. تقول بتلر: «إنها جميلة جدا. جسدها ممتلئ ومستدير وقوي. «ترتدي هورتنس في الصورة رداء أزرق وتجلس في وسط غرفة مشمسة ذات ألوان صفراء وذهبية. يظهر حاجباها في شكل خطين متناسقين، وأنفها مرسوم بدقة، ويجتمع شعرها البني في غطاء للرأس».

وعلى بعد عدة أقدام توجد لوحة «السيدة سيزان في رداء أحمر». يرجع تاريخها إلى 1888-1890، ولكن تقول بتلر إنها ترجع إلى تاريخ متأخر عن ذلك، مشيرة إلى التغيير الجذري في الأسلوب. تظهر هورتنس في نفس المكان في باريس، ولكن الخلفية ملونة بألوان زرقاء هادئة. يميل الرسم إلى اليمين، وكأنها ستقع من الإطار. رسمت عينها اليمنى على شكل مثلث وفوقها حاجب قنطري الشكل، بينما رسمت العين اليسرى ضيقة ومحددة. تلاحظ بتلر: «إن جسدها منبسط، وليس في حالة جيدة. إنه أكثر تجريدية ونسبة إلى الزوايا».

هذه هي آخر صورة رسمها سيزان لهورتنس. تقول بتلر إنهما عاشا منفصلين، فعاشت هي في باريس، وهو في آيكس. «استنتج أنها قالت: «حسنا، سأتقاعد الآن»». في غرفة أخرى توجد لوحة سميت في الماضي «كاميل مونيه على مقعد الحديقة»، ولكنها الآن تحمل اسم «المقعد» (1873)، تقول بتلر إن هذا مثال على كيفية محو هؤلاء النسوة من التاريخ.

انتهي العمل في هذه اللوحة عندما كانت أسرة مونيه تعيش في أرنجنتيول خارج باريس، وكان الزوجان ينعمان بأمان مالي. تجلس كاميل في رداء أسود ورمادي أنيق وعيون واسعة محدقة على مقعد، وخلف كتفها ينحني رجل يبدو شريرا.

تقول يتلر: «كان مونيه وكاميل زوجين رائعين في العمل. كانت تحب أن تقف أمامه ليرسمها».

تذكر بتلر لوحة تعود إلى عام 1876: «لا جابونيز»، كانت كاميل ترتدي فيها شعرا مستعارا أصفر، وترتدي كيمونو أحمر اللون. وتعلن بتلر أن المؤرخين الذين ادعوا أن مونيه كان يسخر من زوجته في هذا العمل «بعيدون كل البعد عما كان يحدث. فقد كانا يستمتعان بوقتيهما. وكانت هي مشاركة في الأمر».

بالقرب من هذه اللوحة توجد صورة لأسرة مونيه، كلود وكاميل وابنهما جان، في الساحة الخلفية في صيف عام 1874 بريشة صديقهم إدوارد مانيه، الذي وقفت زوجته سوزان لينهوف أمامه مرارا ليرسمها قبل أن يتزوجا. توجد لوحة أخرى لمنظر آخر في نفس الساحة الخلفية بريشة رينوار في المعرض الوطني للفنون في واشنطن. (يقال إن مانيه همس إلى مونيه بشأن رينوار: «هذا الفتى لا يتمتع بالموهبة. وحيث أنك صديقه، قل له يتوقف عن الرسم».) تقول بتلر: «شعوري بأن كاميل موجودة سببه أنها جديرة بالإعجاب. فهي امرأة جميلة وسط مجموعة كلاسيكية».

«كانت هذه أفضل فترة في حياتها. وفي العام التالي أصيبت بالمرض، ونفدت أموالهم. وتوفيت بعد ذلك بأربعة أعوام».

تشير بتلر إلى أن مجموعة أعمال رودان الموجودة في متحف متروبوليتان، والتي ساعد الفنان نفسه في اختيارها عندما افتتح المتحف قاعة مخصصة لأعماله عام 1912، هي الأفضل في أميركا. في وسط مدخل الدور الثاني يوجد عمل «العصر البرونزي»، وهو تمثال عاري كبير لرجل يمسك رأسه بيده اليمنى. كان هذا أول عمل لرودان يحصل عليه المتحف، وتضيف بتلر، أنه كان يجب إعادته إلى رودان في البداية لتقشر الغشاء الخارجي له.

وفي مواجهة التمثال، داخل صندوق زجاجي، يوجد قناع صغير لوجه روز بوريه يعود إلى عام 1880، وهو الوحيد الذي يشير إليها في المجموعة. عمرها 36 عام، وعيناها تنظران إلى الأسفل، وأحد حاجبيها مائل بينما الآخر منحن، ويظهر أعلى أنفها ملطخا.

تقول بتلر إنه على الرغم من أن هورتنس كانت منبهرة بعمل سيزان، إلا أن روز وكاميل كانتا شريكتين لزوجيهما.

«لقد عمل رودان وروز معا لمدة 15 عاما». فأدارت المرسم قبل أن يتم تكليفه بعمل «أبواب الجحيم» عام 1880، بعد ذلك أبعدها كثيرا.

تقول بتلر إنه في النهاية، لقد عانت جميعهن كثيرا بسبب علاقاتهن. كانت هورتنس تسمى «القصيرة المكتنزة»، بينما لم يتزوج رودان روز بوريه حتى أصبح الزوجان في السبعينات من العمر، وكانت على وشك الموت.

ولكن تتساءل بتلر: «هل كانت روز لتفضل الحياة مع عامل للسكة حديد يأتي كل ليلة لتناول العشاء؟ هل كانت كاميل لتفضل الزواج من مالك أحد المحلات كان ليعطيها كل الثياب التي تريدها؟».

ولكنها تجيب: «على الأرجح لا. فهن يعرفن أنهن لعبن دورا، وهن فخورات بأعمالهن».

* خدمة نيويورك تايمز