شارك الآخرين

د. عائض القرني

TT

نهى الإسلام عن الأنانية في حياة المسلم، ودعاه إلى العمل المثمر، والنفع المتعدي الذي يصل الآخرين بالبسمة وطلاقة الوجه والسلام والبر والصدقة والعيادة والزيارة والمواساة والهدية والتواضع والرفق والكلمة الطيبة.. كلها أوسمة على صدور الأنقياء الأوفياء الأولياء. والبخل والقسوة والعبوس والكراهية وحب الذات ومنع الخير والاستئثار.. كلها شهادات زور للجفاة السفهاء. من أعطى غيره فإنما أعطى نفسه، فأهل المكارم والتضحيات والمواقف المشرفة لهم ثناء حسن في الدنيا وثواب عظيم في الآخرة. هم أفضل الناس وخير البرية وأنبل الإنسانية، تحبهم القلوب، وتطرب لذكرهم المسامع، وتعشقهم الأرواح، تألفهم النفوس، يحبهم الناس، يحترمهم الجميع، يقدرهم المجتمع. هيا يا إخوتي لنخلص عملنا لله، ونعنى بعملنا وعلمنا نفع الناس، وتعليمهم الخير، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «إنما الأعمال بالنيات». وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت في البحر ليصلون على معلم الناس الخير». فضل كبير عظيم لمن انتفع به الناس. فخير الناس أنفعهم للناس.

قيل لأحدهم: (أي الأعمال أحب إليك؟ قال: إدخال السرور على المؤمن. وقيل: أي الدنيا أحب إليك؟ قال: الإفضال على الإخوان).

وقال الشافعي رحمه الله:

* وأفضلُ الناسِ ما بينَ الورى رجلٌ ... تُقضى على يدهِ للناسِ حاجاتُ.

وقد عُدّ من أفضل السخاءِ سخاءُ الإنسانِ براحته، ووقته، ونصحه في سبيل نفع الناس. هيا لنشارك الآخرين فنعفو ونصفح عمن نالنا بسوء.. مر الشعبيُّ رحمه الله بقوم يذكرونه بسوء، فتمثَّل بقول كُثَيِّر عزةَ :

* هنيئًا مريئًا غيرَ داءٍ مخامرٍ ... لِعَزَّةَ من أعراضنا ما استحلتِ

* أسيئي بنا أو أحسني لا ملومةً ... لدينا ولا مقليةً إن تقلَّتِ.

وفي هذا العفو من سلامة الصدر، وراحة القلب، والتخلُّص من معاداة الخلق ما فيه.

ومما يدخل في مشاركة الناس ونفعهم البعد عن مجالس الخنا والزور، ومجالس الجدال بالباطل، ومجالس الوقيعة في عباد الله خصوصاً أهل العلم والفضل خصوصاً في أوقات الفتن التي يكثر فيها القيل والقال؛ فالبعد عن الفتن سبيل للنجاة منها إلا من كان لديه علم يزمُّه، وإيمان يردعه، وكان يأنس من نفسه نفع الناس، وتبصيرهم، وكشف الشبه، وبيانَ الحق؛ فأولى لمثل هذا ألا ينزوي في قعر بيته، ويدع الناس يتخبطون في دياجير الظُّلم.

إخوتي: هيا إلى نفع الآخرين بجرعة ماء، بكسرة خبز، بقطعة قماش، بريال واحد، ولا تحقروا من المعروف شيئاً، «فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ».