هل اقتربت نهاية نشاطات وول ستريت الكبرى بمجال السمسرة؟

مع معاناة مورغان ستانلي وغولدمان ساكس العملاقين الباقيين في القطاع

TT

يوم الأربعاء، تجددت الأخطار التي تتهدد النمط التقليدي من الاستثمار المصرفي، مع معاناة كل من شركتي مورغان ستانلي وغولدمان ساكس، الكيانين العملاقين الباقيين من صناعة وول ستريت، التي تحاصرها الأزمات حالياً، من خسائر هائلة بعد يوم واحد من إعلانهما أرباحا ربع سنوية فاقت توقعات المحللين.

وقد تراجعت قيمة أسهم مورغان ستانلي بنسبة 24%. وبالمثل، تضاءلت قيمة سنداتها، بينما أبدت المشتقات لتحديد مدى احتمالية توقف السند من جانب الشركة فجأة مؤشرات الى قرب انهيارها. أما أداء غولدمان ساكس فجاء أفضل قليلاً، مع تراجع أسهمها المالية بنسبة 14%.

وتأتي حالة الفوضى التي تعاني منها المؤسستان العملاقتان، اللتان منذ عام واحد مضى كان برفقتهما ثلاثة مصارف استثمارية كبرى أخرى، في أعقاب أسبوع غير مسبوق على صعيد النشاط المالي الأميركي أسفر عن إحداث هزة كبرى بصفوف المستثمرين، وإعادة صياغة المشهد العام للأنشطة التجارية بمجال الاستثمار المصرفي وإثارة التساؤلات حول مدى قدرة كيانات السمسرة العاملة بمفردها على البقاء. يذكر أنه خلال السنوات السابقة، كان بمقدور شركات السمسرة الاعتماد على تدفق مستمر من التمويلات قصيرة الأمد للحفاظ على توازن سجلاتها المالية. ولكن الآن في ضوء الأزمة الائتمانية الطاحنة، بات من المكلف بصورة باهظة، إن لم يكن من المستحيل، حل المراكز في ما يخص الأوراق المالية غير المرغوبة. وعليه، بات المقرضون أكثر تردداً إزاء توفير التمويل. كانت تلك تحديداً هي الديناميكيات التي ألقت بليهمان برذرز هولدنجز في هوة الإفلاس، وبميريل لنتش في أحضان بنك أميركا يوم الاثنين. والآن، تراود المستثمرين التساؤلات حول ما إذا كانت مؤسسات السمسرة المتبقية المستقلة باستطاعتها الاحتفاظ بقدر كاف من ثقة جهات الإقراض للحفاظ على عمل أوراقها المالية. وتفاقمت المصاعب التي تواجه مختلف جنبات وول ستريت جراء اعتماد صناعة السمسرة على مبدأ الاستفادة، وهو استراتيجية تسمح لها بتقديم حصة ضئيلة من رؤوس أموالها ووضع مراهنات كبرى على الاستثمارات معظمها بأموال مقترضة. وبينما لم يكن لأي من غولدمان ساكس أو مورغان ستانلي مشاركة قوية مثل ليهمان برذرز هولدنجز داخل أسواق الرهن العقاري، فإنهما، مثلما كان الحال مع ليهمان، قاما ببناء أوراقهما المالية التجارية باستخدام مفرط لمبدأ الاستفادة. يذكر أن مورغان ستانلي، التي حاولت الخروج من دائرة قلق المستثمرين من خلال الإعلان عن أرباحها يوم الثلاثاء قبل الموعد المقرر بيوم، عانت بشدة يوم الأربعاء تحت وطأة حالة الاضطراب التي تعاني منها الأسواق.

من جهته، قال سكوت كولبرت، مدير شؤون استثمارات الدخل الثابت داخل كوميرس بنك في سانت لويس: «لا أعتقد أنه من الملائم القول بأنه لا ينبغي القلق حيال مورغان ستانلي. لكننا تجاوزنا فكرة الترشيد إلى حالة من الذعر الواضح داخل السوق، ومن الصعب القول تحديداً ما الذي سيكسر هذه الدائرة». على الجانب الآخر، ألقى جون جيه. ماك، الرئيس التنفيذي لمورغان ستانلي، باللوم فيما يتعلق بالانخفاض الشديد في أسهم الشركة على القائمين بعمليات البيع على المكشوف الذين يستفيدون من تراجع قيمة الأسهم المالية. وفي إطار مذكرة موجهة إلى الموظفين، قال ماك إنه وزملاءه من المسؤولين التنفيذيين أجروا اتصالات مع كبار حملة الأسهم والعملاء والأطراف المعنية، علاوة على وزير الخزانة هنري إم. بولسون ورئيس لجنة شؤون الأوراق المالية والبورصة. وتساءل ماك في المذكرة حول: ما الذي يدور هنا؟ من الواضح جداً لي، اننا في خضم سوق تسيطر عليها المخاوف والشائعات، ويدفع القائمون بعمليات البيع على المكشوف بدفع أسهمنا لأسفل. وقد حصلت شركتا مورغان ستانلي وغولدمان ساكس بدعم من قبل المسؤولين عن نظام التقاعد الخاص بمدرسي ولاية كاليفورنيا الذين قرروا يوم الأربعاء التوقف عن إقراض أسهم النظام بكلا الشركتين إلى القائمين بعمليات البيع على المكشوف، الذين يقترضون الأسهم على أمل السداد بعد انخفاض السعر. من ناحيته، أعرب كريس إيلمان المسؤول الأول عن شؤون الاستثمار داخل صندوق الاستثمارات العملاق هذا، والمعروف باسم كالستارز (CalSTARS) عن رغبته في أن تحذو صناديق المعاشات الأخرى حذو الصندوق الذي يترأسه. وقال: لن ينهي ذلك عمليات البيع على المكشوف لكن سيزيد من صعوبة إجرائها. إلا أن مورغان ستانلي ربما عليها الشعور بالقلق لما هو أبعد من القائمين بعمليات البيع على المكشوف، ذلك أن الشركة التي تبلغ من العمر 73 عاماً، والتي أعلنت يوم الثلاثاء عن أرباح أفضل من المتوقع للربع الثالث من العام، ما تزال لديها أصول غير مرغوب فيها بدفاتر حساباتها، بما في ذلك أوراق مالية تتعلق بالرهن العقاري وبعض القروض. في هذا الصدد، أشار توماس كولي عميد كلية سترن للتجارة بجامعة نيويورك إلى أنه من المحتمل وجود أفراد يجنون الكثير من المال بمراقبة سوق الأوراق المالية تنهار، لكن لا بد أن هناك سبباً وراء عدم اتخاذ الأفراد الموقف الآخر، ويشترون الأسهم وهي في طريقها نحو الانخفاض. وأضاف: ان هناك قدرا واضحا من المخاوف. إننا لا نعلم ما الذي تحويه محافظ أوراقهم المالية. يذكر أن المصارف الاستثمارية والتجارية أخذت بالفعل مليارات الدولارات كتخفيضات على الأصول التي باتت سيئة، جراء أزمة الرهن العقاري. إلا أن المستثمرين ما زالوا يشعرون بالقلق حيال ما إذا كانت الشركات تضع تسعيراً دقيقاً للأصول ومدى السرعة التي يمكنها من خلالها إزالتها من سجلاتها. وقد أدت تلك المخاوف، سواء كانت حقيقية أم لا، إلى أزمة ليهمان برذرز وتصعيد الضغوط على عاتق كل من مورغان ستانلي وغولدمان ساكس للتفكير في الاندماج مع أحد مصارف التجزئة، مثلما أعلنت شركة ميريل لنتش يوم الاثنين. من جانبهم، تباهى مسؤولو غولدمان ساكس ومورغان ستانلي خلال هذا الأسبوع بشأن معدلات الائتمان القوية التي يتمتعون بها. من جهته، أشار دافيد هندلر، المحلل المعني بشؤون الصناعة المالية بشركة كريديتسايتس البحثية المستقلة في إطار مذكرة بعث بها إلى العملاء، إلى أن التحولات في المخاطر والعوائد قد تدفع حتى الشركات الأفضل للارتباط بأحد مصارف الإيداع.

من ناحية أخرى، اقترح بعض المحللين هذا الأسبوع أن تندمج الشركات مع مصارف التجزئة، بحيث تتمكن من الوصول إلى قاعدة ثابتة من الودائع. ورغم أن ودائع المصارف لن يكون ممكناً الاعتماد عليها لتمويل معظم النشاطات المرتبطة بالاستثمار المصرفي في مورغان ستانلي وغولدمان ساكس، فإن بمقدورها منح المستثمرين، ووكالات التقييم التي غالباً ما تحدد مستوى العلاقة بين الشركات وجهات الإقراض والشركاء التجاريين، شعوراً بالطمأنينة.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»