الصومال: اختطاف المزيد من السفن.. ومخاوف تهدد التجارة العالمية بعواقب وخيمة

باريس تتهيأ لطرح مقترحات في الأمم المتحدة لتشكيل «شرطة بحار».. و1200 صومالي و6 عصابات تعمل بالقرصنة

إحدى السفن من أميركا الجنوبية تم اختطافها خلال الشهر الحالي على السواحل الصومالية (أ.ب)
TT

حول قراصنة صوماليون السواحل في بلادهم الى ساحة معارك، وقاموا أمس بخطف المزيد من السفن، في وقت تزايدت فيه الدعوات الدولية، لارسال سفن حربية لحماية الملاحة وسط مخاوف تهدد التجارة الدولية. وهددت بعض الاتحادات العالمية للنقل والشحن البحري امس بأنها قد تقوم بتوجيه سفنهم للمرور عبر رأس الرجاء الصالح بما يعنيه ذلك من عواقب خطيرة على التجارة الدولية، بما في ذلك زيادة اسعار نقل السلع والبضائع، اذا تم تجاهل استمرار عدم عمل شيء في مواجهة هذا العنف.

وخطف قراصنة صوماليون أمس سفينة يونانية قبالة السواحل الصومالية. واعلنت وزارة البحرية التجارية اليونانية ان السفينة التي تملكها شركات يونانية وعلى متنها 25 بحارا فلبينيا تعرضت لهجوم عندما كانت في طريقها الى كينيا. واوضحت الوزارة ان سفينة «سانتوري» التي ترفع علم مالطا كانت قبل الظهر تحت سيطرة خمسة قراصنة مسلحين. كذلك خطف قراصنة اول من امس سفينة ثانية ترفع علم هونغ كونغ قبالة السواحل الصومالية. ويرتفع بذلك عدد السفن الموجودة في قبضة القراصنة الى 13 خلال شهرين، فيما يزيد العدد الإجمالي للسفن والناقلات التي استولى عليها القراصنة عن 33 منذ بداية هذا العام.

واقتاد القراصنة السفينتين المختطفتين الى منطقة آيل (800 كلم شمال شرق مقديشو) حيث معاقل القراصنة ذات الخلجان الضيقة، الذين يحتجزون مجموعة من السفن الأجنبية. وقد أصبح نفوذ القراصنة متزايدا في منطقة بونت بشمال شرق الصومال، حيث تعجز السلطات المحلية عن ملاحقتها، لأن القراصنة يملكون شبكة من الميليشيات المسلحة المنتشرة في عدد كبير من المدن والقرى الواقعة في الشريط الساحلي بشمال شرق البلاد. وعلى الرغم من انتشار مجموعة من السفن الحربية الغربية في المنطقة في إطار برنامج مكافحة الإرهاب الذي تقوده الولايات المتحدة، الا أن القراصنة كانوا يمارسون انشطتهم من دون خوف ومن دون تدخل من أفراد البحرية الموجودة على متن هذه السفن الحربية.

ودعت بعض الاتحادات العالمية للنقل والشحن البحري امس القوى البحرية الدولية الى تكليف المزيد من السفن الحربية بالقيام بدوريات في خليج عدن المهم استراتيجيا لعمليات التجارة لمواجهة التزايد المستمر في اعمال القرصنة امام سواحل الصومال. وقالت الاتحادات ومنها اتحادات كبرى للشحن البحري واتحادات عمال النقل ان «نداء صناعة الشحن رد على وضع تصفه بانه يواجه خطر الخروج بشكل تام عن السيطرة».

ويربط الممر البحري الحيوي في بحر العرب، الذي يقع بين اليمن والصومال الخليج العربي واسيا بأوروبا عبر قناة السويس وهو ممر حيوي جدا بالنسبة لشحنات نفط الخليج. وقالت في بيان مشترك انه تم توجيه نداءات عاجلة الى الامم المتحدة في نيويورك والى منظمة الملاحة التابعة للامم المتحدة في لندن من اجل نشر قوات بحرية فعالة.

وطالبت بتعهد مزيد من الدول بنشر سفن حربية في المنطقة والسماح لها بالاشتباك بالقوة من اجل ضمان سلامة احد الممرات البحرية الاكثر اهمية استراتيجية في العالم. واشارت الاتحادات ومنها الغرفة الدولية للملاحة وانتركارجو وبيمكو ومجموعة ناقلات النفط انترتانكو الى ان بعض شركات الملاحة ترفض بالفعل المرور في خليج عدن. وقالت ان «استمرار عدم عمل شيء في مواجهة هذا العنف قد يدفع اصحاب السفن الى اعادة توجيه سفنهم للمرور عبر رأس الرجاء الصالح بما يعنيه ذلك من عواقب خطيرة على التجارة الدولية، بما في ذلك زيادة اسعار نقل السلع والبضائع».

وقالت ان القراصنة يهاجمون سفن الشحن بما في ذلك ناقلات النفط والغاز كل يوم تقريبا واحيانا باستخدام القذائف الصاروخية. واضافت ان حوالي 40 عملية خطف تمت في خليج عدن وحده هذا العام شملت خطف 131 من افراد الطاقم واحتجاز عشر سفن. ويقدر مكتب الملاحة البحرية الدولية في لندن ان 1200 من الصوماليين وست عصابات رئيسية على الاقل ضالعين في هذه الهجمات.

وفي باريس قالت مصادر فرنسية رسمية أمس إن تكاثر أعمال القرصنة قبالة الشواطئ الصومالية وفي خليج عدن يستدعي ردا دوليا سريعا، إذ «لم يعد من الجائز أن يستمر القراصنة الصوماليون في تهديد الملاحة الدولية في هذه المنطقة، وفي فرض قانونهم الخاص بهم على حساب القانون الدولي». وتدعو باريس الى الحزم واستخدام القوة في محاربة القراصنة الذين يعمدون الى طلب فدية مالية مرتفعة مقابل الإفراج عن الرهائن.

وللمرة الثانية منذ أبريل (نيسان) الماضي، تدخلت قوة كوماندوس فرنسية ليل الاثنين/ الثلاثاء للإفراج عن رهينتين فرنسيين احتجزا في الثاني من سبتمبر (ايلول) الجاري على متن مركبهما السياحي. ونجحت القوة الفرنسية في قتل أحد القراصنة والقبض على الخمسة الآخرين في عملية بحرية ـ جوية ساهمت فيها ألمانيا عبر إحدى طائرات الاستطلاع العائدة لها.

وإزاء هذه الظاهرة المتفاقمة، تعمل باريس على مستويين أوروبي ودولي. وتريد فرنسا، على المستوى الأول، تشكيل قوة أوروبية بحرية وجوية تكون جاهزة للتدخل ابتداء من ديسمبر (كانون الأول) القادم قبالة الشواطئ الصومالية، وفي خليج عدن والمنطقة التي ينشط فيها القراصنة. وتشير المصادر الفرنسية الى أن القراصنة وسعوا مجال نشاطهم إذ أخذوا يعملون على مسافة تتجاوز أحيانا الـ800 كلم من الشواطئ الصومالية منطلقين من مركب أو أكثر في أعالي المحيط تنطلق منه زوارقهم السريعة المسلحة التي تنجح في إيقاف المراكب التجارية تحت تهديد السلاح والصعود الى متنها واحتجاز طاقمها رهائن. وقال وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير إن باريس تريد «توفير خيار استراتيجي عسكري» يتمثل في قوة أوروبية تتشكل من ثلاث مراكب عسكرية وسفينة مساندة وثلاث طائرات استطلاع. وتبدو الحاجة ماسة لهذه الطائرات بسبب اتساع رقعة عمليات القراصنة. أما على المستوى الدولي، فإن باريس تريد الدفع باتجاه جهد دولي مشترك. وكان الرئيس ساركوزي قد قال الثلاثاء الماضي إنه يريد «تعبئة دولية» لمحاربة القرصنة البحرية التي تزايدت في الأشهر الأخيرة. وتريد باريس من مجلس الأمن أن يشكل ما سماه رئيس الجمهورية الفرنسية «بوليس البحار». وتتهيأ باريس لطرح الموضوع للمناقشة في الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع المقبل، التي سيحضرها الرئيس ساركوزي. ويرافقه اليها وزير الخارجية برنار كوشنير وعدد كبير من الوزراء. وقالت مصادر فرنسية إن باريس بصدد تحضير مشروع قرار سيقدم في وقت لاحق الى مجلس الأمن الدولي. غير أنه سيطرح في مرحلة أولى في إطار اجتماع مجموعة الثلاثة المشكلة من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية على أن يوزع بعدها على كل أعضاء مجلس الأمن. غير أنه لم يحدد بعد تاريخ لاجتماع مجلس الأمن والتئامه مرهون بنقاشات مجموعة الثلاثة. وتريد باريس أن تعلن الحرب على القرصنة وتريد أن يشارك الجميع فيها باعتبار أن الجميع معنيون بضمان حرية الملاحة في العالم.