المنتجات الاستهلاكية تغزو أسواق دمشق بماركة «باب الحارة»

بعد نجاح المسلسل في كسب إعجاب الجمهور لتصويره البيئة الشامية التراثية

aحقيبة مدرسية من بين الحقائب الأخرى عليها صور واسم مسلسل «باب الحارة» («الشرق الاوسط»)
TT

«أبو نورس» بائع لمستلزمات الأسرة من المنسوجات يمتلك محلاً في أحد أسواق دمشق الشعبية، جاءه أخيراً رجل ريفي وطلب منه أن يبيعه شرشفا (غطاء سرير)، فعرض عليه نماذج من الأنواع الموجودة في متجره، لكنها لم تعجب القروي الذي فاجأه قال له: «أريد ماركة محددة هي شرشف باب الحارة؟!». اعتذر «أبو نورس» من القروي وقال له: لم تصلني هذه الماركة بعد. وبينما أكد لنا «أبو نورس» أنه يأتيه يومياً العديد من الزبائن يطلبون شراء وسادة أو لحاف أو «تي شيرت» أو قبّعة من ماركة «باب الحارة»، قال لنا القروي وهو يغادر المتجر ليبحث في المتاجر المجاورة عن طلبه أنّ زوجته أوصته أن لا يأتي إلا بهذا النوع من الشراشف الذي يحمل رسماً لأحد أبطال المسلسل الناجح. من جهة ثانية، هناك شادي، وهو تلميذ مدرسة في الصف الرابع الابتدائي بإحدى مدارس دمشق، الذي جاء مع بداية العام الدراسي مع والده لشراء مستلزمات المدرسة، وكان أول طلب له من «سوق الخجا» المتخصصة محلاته ببيع الجلديات حقيبة (شنطة) مدرسة، وأصرّ شادي على والده أن تكون من ماركة «باب الحارة».. وعليها تحديداً صورة «العكيد أبو شهاب» و«الحكيم أبو عصام». والجدير بالذكر أن شادي لم يرض بعد ولم يقتنع بغياب «أبو عصام» عن الجزء الثالث من مسلسل «باب الحارة». والواقع أن هذا التلميذ ليس الوحيد الذي لم يقنعه غياب «أبو عصام» بل أن كثيرين يتخذون الموقف نفسه، بدليل أن أول لوحة من السلسلة الكوميدية الناقدة «بقعة ضوء» التي تعرضها العديد من الفضائيات كانت عن مطالبة المخرج والكاتب والمنتج بأسلوب كوميدي من قبل مجموعة «قبضايات» يقلّدون شخصيات «باب الحارة» أن يعود «أبو عصام» لأنهم لم يقتنعوا بقصة وفاته في بداية الجزء الثالث من المسلسل.

هذا، وعلى الرغم من أن الجمهور الدمشقي يتابع عدداً من الأعمال التلفزيونية المستوحاة من البيئة الدمشقية وتراثها مثل «بيت جدي» و«أهل الراية»، ومسلسل من البيئة الحلبية التراثية هو «باب المقام» ـ فإن «باب الحارة» مازال يستحوذ على اهتمام الشريحة الأكبر من الدمشقيين الذين يهمهم الاطلاع من خلاله على تراث الآباء والأجداد ويترحّمون على تلك الأيام الخوالي حين كانت تقاليد الحارة هي الأساس في علاقات الناس بعضهم ببعض، وبخاصة لجهة العلاقات الحميمية بين الجيران والأقارب، ومزايا الحمية والإيثار والكرم التي غادرت مجتمع الحارة الدمشقية كضريبة دفعها المجتمع للعصرنة والعولمة.

وتمشياً مع المثل القائل «التجارة شطارة» تسابق التجار والمصنّعين الدمشقيين على استثمار اهتمام الناس بمسلسل «باب الحارة» فصنعوا العديد من المواد الاستهلاكية والغذائية باسم المسلسل، ووضعوا عليها صور أبطاله وأسماءهم وبالأخص أولئك الذين حازوا على إعجاب المشاهدين. وكما فعل في العام الماضي أصحاب المحلات والمطاعم عندما أطلقوا على مؤسساتهم اسم المسلسل وأبطاله، استثمر التجار والمصنّعون هذه الظاهرة مستفيدين من مصممي الإعلانات التلفزيونية، الذين خدموهم من خلال الإعلان عن هذه المنتجات بأسلوب تمثيلي مقلدين مشاهد المسلسل. وهكذا صار في الأسواق السورية مناديل ورقية وعصائر وحقائب وألبسة شبابية وغيرها من ماركة «باب الحارة» أو «العكيد أبوشهاب» أو «فريال» وغيرها؟!...

البعض يشير إلى أن استثمار المسلسلات الشعبية ليس ظاهرة جديدة، إذ سبق استثمار التجار شهرة شخصيات فنية مهمة وأعمال تلفزيونية قديمة ومعاصرة فأطلقوا أسماءها على منتجاتهم ومنها شخصيات «غوّار الطوشة» و«أبو عنتر» و«ياسينو» و«صح النوم» و«حمام الهنا» و«وادي المسك». ولقد تناول صاحب شخصية «غوّار الطوشة» الممثل السوري الكبير دريد لحام أسباب ظاهرة انتشار مسلسلات البيئة الشامية العريقة واهتمام الناس بها، فقال لـ» الشرق الأوسط»: «أنا من الناس الذين يحبّون الأعمال التلفزيونية ذات النفس التراثي أوتلك التي تنتمي إلى عصر قريب، أما الهجمة على تصوير أعمال من البيئة الشامية فتذكّرني ببائعي الشاورما الذين ما أن يفتح أحدهم محل شاورما في حارة ما وينجح حتى تكثر محلات الشاورما في الجوار. واليوم نتيجة نجاح تقديم البيئة الشامية كثرت الأعمال حولها رغم أن معظم المسلسلات لا تخلو من هذه البيئة، والمعروف منذ سنوات طويلة أن أعمالاً كثيرة صوّرت في بيوت شامية مع أنها قد لا ترتبط بحقبة معينة، أما الآن فإننا نرى أن هذه المسلسلات تتناول حقبة زمنية بالذات وخرجت من البيت إلى الحارة أي خارج «البيت الشامي».

وتابع لحام «لا شك هناك جانب اقتصادي من تصويرها بهذه الغزارة. فسابقاً لم يكن هناك مسلسل من 30 حلقة، وإذا كان موضوع المسلسل لا يتحمل أكثر من سبع أو خمس حلقات فقط فيصوّر هكذا، وأحياناً كانت المسلسلات من 13 حلقة على أساس أن تغيير البرامج فصلي، وهكذا اعتمدت تقسيم السنة لأربعة فصول وبالتالي وجب أن يكون المسلسل من 13 حلقة ليسير حسب الفصول بحيث يعرض أسبوعياً حلقة واحدة. أما الآن فصار لا بد من أن تعرض المسلسلات في رمضان، وبثلاثين حلقة، بتنا نشاهد «الشّدّ» و«المطّ» حتى يصير 30 حلقة ومن ثم يبدأ التنافس على عرضه في رمضان، وبما أن نسبة الإعلان اكبر .. صار هناك 30 او 40 إعلاناً أثناء عرض المسلسل.