أميركا ترسم تفاصيل «خطة عملاقة» قد تصل تكلفتها إلى تريليون دولار

لاحتواء الأزمة المالية المتفاقمة.. والأسواق العالمية تتفاعل بقوة ايجابيا

TT

أعلن الرئيس الأميركي جورج بوش أمس أن خطة التدخل الحكومي لمواجهة الأزمة المالية ستكلف «مبالغ طائلة» وتنطوي على مخاطر بالنسبة الى اموال المكلفين، داعيا الأميركيين الى الثقة باقتصادهم.

وقال بوش في خطاب في البيت الأبيض ان الوقت الراهن «حاسم» لمواجهة الازمة المالية، مشيرا الى «غياب الثقة» والمخاطر المحدقة بالاستهلاك والنشاط الاقتصادي.

وقال «بالنتيجة، علينا ان نتحرك الآن للحفاظ على صحة اقتصاد بلدنا من مخاطر كبيرة».

وتحدث بوش عن الاجراءات الحكومية لمواجهة الازمة، مشيرا الى ان «هذه الإجراءات ستتطلب منا دفع مبالغ طائلة من أموال دافعي الضرائب»، ومؤكدا ان «هذا العمل ينطوي على مخاطر».

ودعا الرئيس الأميركي مواطنيه الى الثقة باقتصادهم، قائلا انه «على المدى الطويل لدى الأميركيين سبب وجيه للثقة بقوة اقتصادنا.. هذا البلد هو المكان الأفضل في العالم للاستثمار».

من جهته أعلن وزير الخزانة الأميركي، هنري بولسون، أمس ان إنقاذ القطاع المالي سيكلف «مئات مليارات» الدولارات.

وقال بولسون خلال مؤتمر صحافي ردا على سؤال عن الكلفة التقديرية للإجراءات التي نوقشت مع الكونغرس للسماح للمصارف الأميركية بالتخلص من أصولها التي يصعب بيعها «نحن نتحدث عن مئات المليارات».

وأضاف «يجب ان يكون هذا ضخما بما يكفي من اجل ان يخلق فرقا حقيقيا ويحل أساس المشكلة». وكان ريتشارد شيلبي، السناتور الأميركي النافذ، قد أعلن قبيل هذا التصريح ان كلفة هذه الخطة قد تبلغ ألف مليار دولار.

وجاء الاعلان عن «الخطة عملاقة» للسلطات الأميركية لتهدئة المصارف حيال أصولها المعرضة للخطر أمس ليعطي من جديد دفعة ايجابية للأسواق المالية ويزيل المخاوف من حصول انهيار شامل.

ورحب المستثمرون أيضا بقرار مراقبي الأسواق المالية الأميركية والبريطانية بحظر المبيعات المكشوفة لأصول الشركات المالية.

وسجلت ابرز المؤشرات في البورصات الأوروبية زيادة قوية، في حين استفادت آسيا في وقت سابق من موجة الزيادات التي قاربت 10 في المائة في شانغهاي وهونغ كونغ.

إلا ان تفاصيل الخطة الاميركية لم تكشف بعد، لكن الأسواق تتوقع بالاستناد الى المعلومات الصحافية، إنشاء صندوق خاص يستعيد الديون الأكثر تشكيكا بهدف تصفيتها من أي عيوب بطريقة منظمة.

ويعتزم وزير الخزانة الأميركي بولسون، ورئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي)، بن برنانكي، العمل خلال العطلة الأسبوعية مع الكونغرس لوضع خطة لحل مشكلة الأصول المصرفية المتعثرة التي تخنق النظام المالي.

واجتمع الاثنان مع زعماء الكونغرس مساء الخميس، لكنهما لم يتحدثا مباشرة عن تأسيس صندوق لهذا الغرض بعد الاجتماع. وكان اثنان من المساعدين في الكونغرس قالا انه يبحث فكرة إنشاء مثل هذا الصندوق. وقال بولسون للصحافيين «تحدثنا عن أسلوب شامل يتطلب تشريعا للتعامل مع الأصول غير السائلة في القوائم المالية للمؤسسات المالية».

وأوضحت المتحدثة باسم وزارة الخزانة، بروكلي ماك لوفلن، ان الحكومة والكونغرس سيبحثان «كل الخيارات» في هذا المجال سواء ذات طابع «تشريعي او إداري».

وقال برنانكي «نحن مستعجلون للعمل بتعاون وثيق مع الكونغرس لحل هذه الازمة المالية والنهوض باقتصادنا». وكان برنانكي يتحدث والى جانبه خصوصا بولسون ومسؤولين في الكونغرس من بينهم زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ هاري ريد ورئيسة مجلس النواب الديموقراطية نانسي بيلوسي.

ويجب ان يكون هناك عمل تشريعي لتطبيق هذه الخطة. وأضافت ماك لوفلن ان بولسون وبرنانكي « ينويان العمل خلال عطلة نهاية الأسبوع مع المسؤولين في الكونغرس لوضع حل يتيح التقدم» في هذا المجال.

وقال رئيس لجنة الخدمات المالية في مجلس النواب بارني فرانك ان حكومة الرئيس جورج بوش تعتزم إرسال اقتراح للكونغرس الأميركي للتعامل مع الأصول المتعثرة التي تعاني منها أسواق المال العالمية المضطربة.

وبعد لقاء كبار مسؤولي الحكومة قال النائب فرانك «سيكون تفويضا ـ وقد لا يكون كيانا ـ بل تفويضا لشراء الاصول المتعثرة».

وقال النائب الديمقراطي عن ماساتشوسيتس للصحافيين إن هناك خوفا إن إنشاء كيان رسمي «قد يستغرق وقتا طويلا». وقال أيضا انه يوجد «إجماع تقريبا» على أنه سيصدر تشريع لإيجاد مثل هذا التفويض.

وكان فرانك بين كبار أعضاء الكونغرس الذين التقوا بوزير الخزانة بولسون وبن برنانكي ورئيس لجنة الأوراق المالية والبورصات، كريستوفر كوكس، في اجتماع مسائي غير معتاد في مكتب رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي في الكونغرس الأميركي.

وإذا تأسس الصندوق فسيماثل صندوقا أنشئ لتصفية الديون المعدومة من جراء أزمة المدخرات والقروض في أواخر الثمانينات مما كلف الدولة 400 مليار دولار من المال العام.

وقال هاغ شيرمان، الشريك المؤسس والعضو المنتدب لشركة ساليانت بارتنرز في هيوستون «أعتقد أنه سيبدأ في توفير أرضية لقيم الأصول ويسمح للمؤسسات بالعمل من خلاله بطريقة منظمة. فلن تضطر المؤسسات للارتماء في أحضان طالبي الشراء لتجنب الانهيار».

وقالت صحيفة «وول ستريت جورنال» ان الحكومة الاميركية قد تهيئ تأمينا لصناديق الاستثمار في أسواق النقد يماثل التأمين الذي يحكم الآن الودائع المصرفية.

وقد أنفقت السلطات الأميركية حتى الآن أو تعهدت بإنفاق 900 مليار دولار على دعم النظام المالي وسوق الإسكان. وربما تحصل السلطات على جانب كبير من هذا المبلغ إذا لم تنخفض أسعار الأصول عن المستويات التي هبطت إليها. وزادت التوقعات في أن تقدم الحكومة الأميركية على تبني خطة عملاقة لاحتواء أزمة أسواق المال الراهنة بتكلفة تصل إلى تريليون دولار. فقد أعلن السناتور الجمهوري النافذ، ريتشارد شلبي، أمس ان خطة الإدارة الأميركية لمساعدة المصارف لحل مشكلة الأصول المصرفية المتعثرة قد تكلف تريليون دولار.

وقال زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، هاري ريد، الديمقراطي عن نيفادا انه يتوقع ان يرى اقتراحا في هذا الشأن «في غضون ساعات لا أيام».

من جهته قال رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي) الأميركي «نحن نتطلع الى العمل بشكل وثيق مع الكونغرس لحل هذه الأزمة المالية وإقالة اقتصادنا من عثرته».

أعلنت متحدثة باسم وزارة الخزانة الأميركية ان محادثات بدأت الخميس بين الوزارة والبنك المركزي حول «خطة واسعة» تهدف الى مساعدة المصارف على التخلص من موجوداتها التي يصعب عليها بيعها، وهو الأمر الذي تسبب بالأزمة المالية الحالية.

وكان وزير الخزانة بولسون ورئيس مجلس الاحتياط الاتحادي (البنك المركزي) الأميركي عرضا الإجراءات الرامية إلى احتواء الأزمة على مجموعة من قادة الكونغرس الأميركي خلال اجتماع مساء أمس الخميس.

وتعتمد الخطة الجديدة على تدخل واسع النطاق في الأزمة والتخلي عن الطريقة المتبعة منذ بدايتها صيف 2007 والتي كانت تكتفي بالتدخل الخاطف لإنقاذ مؤسسة ما من الانهيار.

وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» الاميركية أنه في الوقت الذي لم تكتمل فيه تفاصيل الخطة فإن المؤشرات تقول إنها تعتمد على قيام الحكومة الأميركية الاتحادية بشراء الديون العقارية التي يعجز أصحابها عن الوفاء بها حاليا من البنوك والمؤسسات المالية الأخرى لإنقاذ البنوك من الإفلاس وهو ما يعتبر أكبر «استخدام مباشر لأموال دافعي الضرائب في الأزمة المالية الراهنة».

وقال عضو الكونغرس عن الحزب الديمقراطي، شارلز شومر، الذي ترأس اللجنة الاقتصادية المشتركة في الكونغرس إنه تحدث مع المسئولين في الحكومة الأميركية بشأن إنشاء هيئة حكومية جديدة تقوم بالدور الحالي لمجلس الاحتياط الاتحادي في ضخ السيولة النقدية في النظام المصرفي.

ووفقا للخطة المقترحة ستشتري الهيئة الجديدة ديونا مشكوكا في تحصيلها بمليارات الدولارات من المؤسسات المصرفية التي تلقت ضربة قوية من تراجع أسعار العقارات وتزايد عجز أصحاب المنازل عن سداد قروضهم العقارية.

كما تتولى هذه الهيئة إدارة الشركات التي استحوذت عليها الحكومة الأميركية مؤخرا، وهو ما سيتيح الفرصة لمجلس الاحتياط الاتحادي لكي يركز على وظيفته الأساسية وهي صياغة السياسات النقدية للبلاد.

وتحتاج هذه الخطة إلى موافقة الكونغرس قبل تنفيذها. ويتطلع أعضاء الكونغرس إلى إقرار القانون الخاص بخطة الإنقاذ المالي بنهاية الأسبوع المقبل عندما يستأنف الكونغرس اجتماعاته.

وتتضمن الخطة أيضا تقديم ضمانات حكومية للمستثمرين في سوق الأوراق المالية وكذلك اقتراحا بحظر عمليات «البيع السريع» للأوراق المالية في البورصات الأميركية. وهذا النوع من العمليات يزيد من عمليات المضاربة على أسعار الأوراق المالية ويعزز مشاعر القلق والاضطراب في البورصة.

وتفاعلت الأسواق العالمية بشكل ايجابي مع خطط الإنقاذ المطروحة، فقد قفز سعر الخام الأميركي الخفيف أكثر من خمسة دولارات أمس بفعل التوقعات بأن خطة الإنقاذ الأميركية الشاملة ستسهم في تحقيق الاستقرار في أسواق المال.

وبلغ سعر الخام لعقود التسليم في أكتوبر (تشرين الأول) 102.79 دولار للبرميل بارتفاع 4.91 دولار، أي 5.02 في المائة عن سعر الإغلاق السابق في تعاملات سوق نايمكس. وبلغ أعلى سعر للخام الأميركي خلال التعاملات 103.08 دولار وأدنى سعر 97.73 دولار.

وفي أسواق المال والبورصات العالمية سجلت الأسهم الأوروبية ارتفاعا كبيرا بعد ظهر أمس، وصعد مؤشر يوروفرست الرئيسي بنسبة ثمانية في المائة في اتجاه قادته أسهم البنوك وشركات التعدين وسط توقعات بأن خطة الإنقاذ الأميركية الشاملة ستسهم في تحقيق الاستقرار في أسواق المال المضطربة. وارتفع مؤشر يوروفرست 300 لأسهم الشركات الكبرى في أوروبا بنسبة ثمانية في المائة الى 1148.73 نقطة.

كما ارتفعت أسعار الأسهم الأميركية عند بدء التعاملات أمس مواصلة مكاسبها قبل الفتح مع ترحيب المستثمرين بخطوات اتخذتها الحكومات على مستوى العالم لاحتواء أزمة الائتمان.

وقادت أسهم المؤسسات المالية الارتفاعات معززة مكاسبها التي حققتها أمس الخميس وهو أفضل يوم تشهده وول ستريت في ستة أعوام. فارتفع مؤشر ناسداك بأكثر من خمسة في المائة، في حين زاد ستاندرد اند بورز بأكثر من ثلاثة في المائة في أول دقيقتين.

وارتفعت معنويات المستثمرين بعد ان أعلنت السلطات الاميركية بقيادة وزير الخزانة بولسون انها تعمل على تطهير القوائم المالية للبنوك من ديون معدومة بمئات المليارات من الدولارات.

وارتفع مؤشر داو جونز الصناعي لأسهم الشركات الأميركية الكبرى 251.27 نقطة أي بنسبة 2.26 في المائة الى 11268.35 نقطة.

وزاد مؤشر ستاندرد اند بورز 500 الأوسع نطاقا 36.76 نقطة أي 3.05 في المائة، مسجلا 1243.27 نقطة. وصعد مؤشر ناسداك المجمع الذي تغلب عليه أسهم شركات التكنولوجيا 112.31 نقطة، أي 5.11 في المائة الى 2311.41 نقطة.

وفي اليابان أنهت الأسهم اليابانية تعاملات أمس في بورصة طوكيو للأوراق المالية بارتفاع كبير على خلفية مكاسب الأسهم الاميركية في تعاملات مساء أمس ببورصة وول ستريت في نيويورك.

ارتفع المؤشر الرئيسي للأسهم اليابانية نيكي 225 بنسبة 3.8 في المائة في ختام التعاملات في بورصة طوكيو للأوراق المالية أمس الجمعة، مقتفيا أثر الاسهم في وول ستريت التي سجلت مكاسب حادة ولاقت دعما من أنباء عن أن الحكومة الاميركية تدرس إيجاد حل شامل للأزمة المالية.

وبنهاية جلسة التعامل قفز مؤشر نيكاي القياسي لأسهم الشركات اليابانية الكبرى 431.56 نقطة، أي بنسبة 3.8 في المائة الى 11920.86 نقطة. وكان المؤشر انخفض يوم الخميس الى أدنى مستوى منذ يونيو (حزيران) عام 2005. وارتفع مؤشر توبكس الأوسع نطاقا بنسبة 4.7 في المائة الى 1149.12 نقطة.