الاحتياطي الفيدرالي والخزانة الأميركية يعملان مع الكونغرس على خطة إنقاذ ضخمة

تمكن الحكومة من شراء الديون المتداعية لإنهاء الأزمة المالية

خطة الإنقاذ الجديدة تعد الأكبر في تاريخ الحكومة الأميركية (إب أ)
TT

بدأ وزير الخزانة ورئيس هيئة الاحتياط الفيدرالي مناقشات مع قيادات الكونغرس حول ما أصبح أكبر مبلغ مالي للإنقاذ في تاريخ الولايات المتحدة. ورغم أنه لم يتم بعد الاتفاق حول التفاصيل، من المحتمل أن تمنح الخطة المقترحة الحكومة سلطة شراء الرهانات العقارية المتداعية بتخفيضات كبرى من المصارف والمؤسسات الأخرى. ومن الممكن أن يثمر المقترح عن أكبر توجيه مباشر لأموال دافعي الضرائب حتى الآن نحو التصدي لأزمة مالية يقول مسؤولو هيئة الاحتياط الفيدرالي ووزارة الخزانة إنها أسوأ ما شاهدوه من أزمات. من ناحيتهم، أشار كبار المسؤولين والمشرعين بأن الهدف حالياً هو إنجاز التشريع المعني بهذا الشأن بحلول نهاية الأسبوع المقبل، عندما ينعقد الكونغرس. ومن شأن التشريع الجديد منح سلطة جديدة للإدارة والمطالبة بتوفير ما يؤكد العديد من المسؤولين أنه سيكون مبلغا ضخما سيتم تخصيصه من الأموال الفيدرالية. بيد أنه لم يتم خلال الاجتماع الكشف عن أرقام محددة. من جانبهم، يرى الديمقراطيون، الذين تراودهم الرغبة لتوفير جولة ثانية من المساعدات الاقتصادية من أجل الأميركيين الذين يجابهون ظروفا اقتصادية عسيرة، طلب الإدارة باعتباره سبيل للفوز بموافقة البيت الأبيض على توجيه إنفاقات جديدة لمساعدة تحفيز الاقتصاد مقابل تأييد طلب وزارة الخزانة. ويقول الديمقراطيون أيضاً أنهم سيضغطون من أجل توفير إعانات لملاك المنازل الذين يواجهون احتمال رفع أيديهم عن المنازل المرهونة مقابل مساندة توفير أي إعانة مالية واسعة للمؤسسات المالية التي تعاني من أزمة شديدة. من ناحيته، أوضح هنري بولسون وزير الخزانة الاميركي إن ما نعمل عليه هو صياغة توجه إزاء كيفية التعامل مع المخاطر والضغوط المنظمة داخل أسواق رأس المال الخاصة بنا. وتحدثنا عن إقرار توجه شامل يتطلب إقرار تشريع للتعامل مع الأصول غير السائلة في ميزانيات المؤسسات المالية. إحدى الصور الممكنة لتنفيذ المقترح إنشاء رزلوشن ترست كوربوريشن، على غرار تلك التي تم إنشاؤها وقامت في نهاية الأمر ببيع عقارات بقيمة مليارات الدولارات خلال عقد التسعينيات من شركات المدخرات والقروض المنهارة. إلا أنه في تلك الحالة من المتوقع أن تسيطر الحكومة فقط على الأصول المتداعية، وليس مؤسسات بأكملها. ومن غير الواضح ما إذا كان سيتم إنشاء وكالة جديدة للإدارة والتخلص من الأصول، أو ما إذا كانت هيئة الاحتياط الفيدرالي أو وزارة الخزانة ستقوم بذلك. جاءت المناقشات حول الإعانة المالية في يوم وجهت هيئة الاحتياط الفيدرالي ما يقرب من 300 مليار دولار في أسواق الاعتمادات العالمية. وأملاً في تعزيز الثقة، طرحت هيئة الاحتياطي الفيدرالي على المستثمرين مفاجأة كبيرة على المستثمرين قبل بزوغ فجر الخميس بإعلانها خطة لضخ 180 مليار دولار في الأسواق المالية من خلال برامج إقراض يديرها المصرف المركزي الأوروبي والمصارف المركزية بكل من كندا واليابان وبريطانيا وسويسرا. إلا أنه في أعقاب الشعور المبدئي بالارتياح الذي اجتاح الأسواق الآسيوية والأوروبية، سارعت سحب الخوف بالتجمع مجدداً، حيث ظلت مشاعر القلق البالغ قائمة حيال اضطرار هيئة الاحتياطي الفيدرالي ضخ 100 مليار دولار إضافية، على مجموعتين تضم كل منها 50 مليار دولار، من أجل الإبقاء على معدل الأموال الفيدرالية الأساسية عند الهدف الذي حددته هيئة الاحتياط الفيدرالي والبالغ 2 في المائة. ومع ذلك، لم تفلح أي من تلك الإجراءات في بث شعور كبير بالارتياح، حيث ظلت المصارف بمختلف أنحاء العالم تشعر بخوف بالغ إزاء إقراض بعضها البعض، ناهيك عن عملائها. وأجبر ذلك بولسون وبين إس. بيرنانك، رئيس هيئة الاحتياط الفيدرالي، على التفكير في أمر بدا قبلاً ضرباً من المستحيل ألا وهو الاستعانة بأموال دافعي الضرائب في شراء أصول متداعية بقيمة مئات المليارات من الدولارات من المؤسسات التي تجابه ظروفاً عسيرة. واكتسحت الشائعات حول موقف إدارة بوش الجديد أسواق الأسهم خلال فترة ما بعد الظهيرة من يوم الخميس. بحلول نهاية التداول، قفز مؤشر داو جونز الصناعي بمقدار 617 نقطة من أدنى مستوى له في منتصف الظهيرة، وهو أكبر ارتفاع للمؤشر خلال ست سنوات. وانتهت تداولات اليوم بمكسب 410 نقاط أو 3.9%. واستمر النشاط في أول التداولات داخل الأسواق الآسيوية، حيث شهدت السوق الأسترالية ارتفاعاً بمقدار 3.5 في المائة بحلول منتصف اليوم هناك، بينما ارتفع مؤشر نيكاي 225 في طوكيو بنسبة 2.9 في المائة.

من جهته، قال لورانس إتش. مير، نائب رئيس شركة ماكروإكونومكس أدفيزرز، إن ما جرى يشير إلى أن «الأسواق أدلت بصوتها، وأن المقترح حظي برضاها». يذكر أن الارتفاع البالغ في أسواق الأسهم بدأ بعدما أعلن السيناتور «تشارلز إي. شومر»، عضو الحزب الديمقراطي في نيويورك، عن مقترحه لخطة إنقاذ حكومية داخل مجلس الشيوخ وإعلانه أن كل من وزارة الخزانة وهيئة الاحتياط الفيدرالي منفتحين أمام كل الأفكار المطروحة. وقال شومر «هيئة الاحتياطي الفيدرالي ووزارة الخزانة يدركان أننا بحاجة إلى حل شامل. وكنت أتحدث إليهما بهذا الشأن». ورغم ذلك، جاءت المناقشات التي أجريت مساءً بمثابة مفاجأة، خاصة بالنظر إلى أن الكونغرس كان يحاول إنهاء أعماله وتحويل اهتمامه للحملات المعنية بإعادة الانتخاب. والمؤكد أن حجم ومستوى تعقيد المشروع سيثيران اختلافات فلسفية بين الأحزاب، الأمر الذي قد يزيد على الأقل من صعوبة المفاوضات. ومع ذلك، أكد المشرعون أنهم يرمون إلى العمل خلال عطلة نهاية الأسبوع المقبل ولإجراء تصويت داخل مجلسي النواب والشيوخ حول الإجراء المقترح بحلول نهاية الأسبوع المقبل. وأثناء خروجهم من الجلسة، قال المشرعون إنهم في انتظار المقترحات التي سترد من وزارة الخزانة. وصرح زعيم الأغلبية داخل مجلس الشيوخ، هاري ريد، بأنه يتوقع رؤية المقترح في غضون ساعات، وليس أيام.

وقال السيناتور ميتش مكونيل من الحزب الجمهوري بكنتاكي إن: «ما اتفقنا عليه هو الجلوس سوياً وان نعمل معاً على حل المشكلة». وأضاف بأن مسؤولي الإدارة لم يبدوا تأييدهم لتوجه بعينه. جدير بالذكر أن الرئيس بوش وكبار مستشاريه أبدوا رفضهم الشديد لفكرة تقديم إعانات مالية للإنقاذ، إلا أن أزمة الرهن العقاري أجبرت وزارة الخزانة وهيئة الاحتياط الفيدرالي بالفعل على تقديم إعانات مالية لإنقاذ أربع من ابرز المؤسسات المالية على مستوى البلاد، وهي بير سترنز في مارس (آذار)، وفاني ماي وفريدي ماك في وقت سابق من الشهر ذاته، وأميريكان انترناشونال جروب شركة التأمين العملاقة، خلال هذا الأسبوع. جدير بالذكر أن رزلوشن ترست كوربوريشن، التي أنشئت عام 1989، تخلصت من الأصول السيئة التي كانت تحتفظ بها المؤسسات الادخارية المتداعية. وقامت الوكالة بإغلاق أو إعادة تنظيم 747 مؤسسة تملك أصول بقيمة 400 مليار دولار تقريباً. وقامت الوكالة بذلك من خلال السيطرة على أصول مؤسسات المدخرات والقروض التي تعاني من مشكلات، ثم إعادة بيعها للمستثمرين. بحلول عام 1995، تراجعت أزمة شركة إس آند إل، وعليه تم دمج الوكالة في شركة تأمين الودائع الفيدرالية لتنظيم المصارف وحماية حسابات العملاء عندما تمنى بالفشل. والمؤكد أن بولسون وبيرنانك كانا يسعيان بدأب شديد لوقف هذه الأزمة نهائياً بحلول مساء الخميس. وعلى امتداد الأيام العشر السابقة، سمحا لشركة واحدة في وول ستريت، وهي ليهمان برزرز، بالانهيار، ولشركة أخرى أكبر حجماً، وهي ميريل لنش، بأن يتم بيعها لبنك أوف أميركا. ويوم الثلاثاء الماضي، سيطرت هيئة الاحتياط الفيدرالي على أكبر شركة تأمين على مستوى البلاد، أميريكان انترناشونال جروب، وبدأ في تقديم مساعدات مالية لها في صورة قرض بقيمة 85 مليار دولار. وجاء الاجتماع الذي انعقد داخل مقر الكونغرس، وبدأ أعماله في السابعة مساءً، بعد أن بدت قيادات الكونغرس في بداية الأمر غير واضحة إزاء طبيعة الدور الذي ستضطلع به في القرارات السريعة التي يجري اتخاذها. واشتكت قيادات كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي من عدم تلقيهم معلومات مؤكدة من الإدارة حول التعامل مع الأزمة. بل وألغى الأعضاء الجمهوريون داخل مجلس النواب جلسة مغلقة لأعضاء الحزب كان من المقرر إجراؤها صباح الخميس بعد رفض الإدارة إيفاد مسؤول لتسليط الضوء على السياسات الجديدة التي ستتبعها الإدارة. لكن بمرور الوقت يوم الخميس، سعت قيادات الكونغرس نحو إعادة التأكيد على دورها في التعامل مع الأزمة، حيث حددت مواعيد لعقد جلسات استماع رقابية ودعت لإصدار استجابة تشريعية للفوضى التي تعصف بالأسواق المالية واقترحت إرجاء فض أعمال الكونغرس المقرر له نهاية الأسبوع المقبل حال عدم توصل الإدارة والكونغرس لأرضية مشتركة بشأن كيفية حل الأزمة. وفي خطاب بعثت به مساء الخميس إلى الرئيس بوش، أكدت نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب، على هذه الفكرة، حيث قالت: «نحن نقف على استعداد للعمل فيما وراء موعد فض أعمال الكونغرس المقرر في 26 سبتمبر (أيلول) للسماح للكونغرس بدراسة المقترحات التشريعية وإجراء التحقيقات اللازمة». وشددت في خطابها على أن: «الأزمة المتفاقمة في أسواقنا المالية تتطلب حلولاً قوية وقيادة حاسمة». بيد أنه لم يتضح بعد ما إذا كان من الممكن التوصل إلى إجماع تشريعي بهذا الشأن. يذكر أن أعضاء الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه بوش كانوا من بين أكثر الأصوات المنتقدة لتنامي التدخل الفيدرالي في الأسواق الخاصة. خلال الاجتماع الذي انعقد مساء الخميس، والذي وصفه المسؤولون بأنه كان متوتراً، أعرب السيناتور ريتشارد شيلبي، العضو الجمهوري عن ولاية ألاباما وعضو لجنة الشؤون المصرفية، عن شكوك بالغة. وقال جوناثان جرافيو، المتحدث الرسمي باسم السيناتور، في وقت لاحق إن: «السيناتور شلبي يعتقد أن من مسؤوليته أن يشعر بالتشكك نيابة عن دافعي الضرائب. ويعتقد أن هدفنا يجب أن يكون الحد بأقصى درجة ممكنة من تعريض دافعي الضرائب للأزمة، وفي الوقت ذاته تضخيم الفائدة العائدة على الاقتصاد بأكبر صورة ممكنة». في وقت سابق من ذات اليوم، أعرب زعيم الجمهوريين داخل مجلس النواب، جون إيه. بوهنر، عن قلق مماثل إزاء المخاطر التي سيتم تعريض أموال دافعي الضرائب لها. أما جيب هنسارلنج، عضو مجلس النواب عن الحزب الجمهوري بولاية تكساس، فقام بتوزيع خطاب يطالب الإدارة بعدم المشاركة في أي محاولات إنقاذ مالي أخرى. حتى قبل انعقاد جلسة مساء الخميس مع بولسون ـ وهي الثانية من نوعها مع إحدى القيادات البارزة في الكونغرس خلال هذا الأسبوع ـ حدد مجلس النواب موعد إجراء جلسات استماع رقابية جديدة. وقررت لجنة الخدمات المالية عقد جلسة الأسبوع المقبل، مع حضور بيرنانك وبولسون كشهود. كما حددت لجنة شؤون الرقابة والإصلاح الحكومي مطلع أكتوبر (تشرين الأول) لعقد جلسات استماع لتفحص التطورات التي أسفرت عن انهيار شركة ليهمان برزرز وتقديم إعانات مالية لإنقاذ أميريكان انترناشونال جروب، رغم أن الكونغرس سيكون في عطلة في ذلك الوقت. من ناحيتها، أكدت بيلوسي على ضرورة أن يدرس المشرعين أولاً أسباب المشكلات التي طفت على السطح والحلول المحتملة لها خلال جلسات الاستماع. وقالت: «دعونا نستمع لوجهات نظر بيرنانك وبولسون والآخرين، ودعونا نستمع إلى القطاع الخاص حول كيف يمكن لهؤلاء القادة في العالم المالي الحصول على رواتب تصل لملايين الدولارات، ومع ذلك تمنى شركاتهم بالفشل، ويتعين علينا بعد ذلك التدخل لانقاذها». يذكر أن بولسون وبيرنانك عكفا على دراسة مجموعة من التوجهات الجديدة، والراديكالية أحياناً، لمواجهة ما وصفه المسؤولون الفيدراليون الحاليون والسابقون بأنه أسوأ أزمة مالية شهدوها على الإطلاق. وقد عرضت هيئة الاحتياطي الفيدرالي نفسها لضغوط شديدة بالفعل بإقرارها برامج إقراض جديدة للطوارئ لمساعدة المصارف وشركات وول ستريت، وشركة تأمين عملاقة. ونظراً للنقص الذي تواجهه هيئة الاحتياط الفيدرالي في الاحتياطيات الخالصة من الديون لديها، شرعت وزارة الخزانة في جمع أموال جديدة للمصرف المركزي من خلال بيع كمبيالات جديدة تابعة للوزارة بسرعة غير مسبوقة ـ بقيمة بلغت 200 مليار دولار خلال هذا الأسبوع فقط ـ وتوجيهها إلى هيئة الاحتياطي الفيدرالي لاستخدامها في أي غرض تشاءه.

*خدمة «نيويورك تايمز»