السلطتان الأميركية والبريطانية تحظران مؤقتا بيع الأسهم على المكشوف

مع شعور أوروبا أنها كسبت الجدل السياسي بضرورة مراقبة الأسواق

البيع المكشوف يتضمن استدانة سهم سعره سينخفض ثم يعاد بيعه (رويترز)
TT

أصدرت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية أمرا استثنائيا أمس حظرت بموجبه عمليات البيع على المكشوف لعدد 799 سهما بالقطاع المالي وذلك في محاولة لحماية المستثمرين والأسواق.

وأعلن منظم البورصة الاميركي، «سيكيوريتيز أند إكستشينج كوميشون»، (لجنة الأوراق المالية)، والشركة الشقيقة «فايننشال سرفيسز أوثوريتي» (هيئة الخدمات المالية)، حظرا مؤقتا مع مفعول فوري لمبيعات الأسهم المالية بشكل مكشوف.

والبيع المكشوف الذي تطبقه صناديق المضاربات يتضمن استدانة سهم يعتقد أن سعره سينخفض، ثم إعادة بيعه على أمل قبض فارق كبير في اللحظة التي ينبغي فيها شراؤه لإعادته. وهذه التقنية تسرع بتدهور الأسعار في غالب الأحيان.

وسينتهي مفعول هذا الأمر قبل منتصف ليل الثاني من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل وربما يتم تجديده لفترة عشرة أيام أخرى اذا اقتضت الضرورة. ولا يجوز لقرار اللجنة أن يستمر أكثر من 30 يوما.

ويقضي الأمر بأن يفصح مديرو استثمارات المؤسسات عن مبيعاتهم من الأسهم على المكشوف لبعض الأوراق المالية المتداولة. ويتعين على المستثمرين في الوقت الحالي الكشف عن مراكزهم الدائنة الكبيرة.

كما خففت اللجنة بصفة مؤقتة القيود لتمنح الشركات مزيدا من المرونة لإعادة شراء السهم.

وجاء قرار اللجنة في أعقاب خطوة مماثلة اتخذتها السلطات البريطانية يوم الخميس بفرض حظر لمدة أربعة أشهر على بيع الأسهم المالية على المكشوف.

من جهتها فرضت هيئة الخدمات المالية البريطانية حظرا لمدة أربعة أشهر على بيع أسهم المؤسسات المالية على المكشوف. وجاء الحظر على البيع على المكشوف في بريطانيا بعد أن طبقت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية قواعد يتعين بمقتضاها أن يسلم البائعون على المكشوف والمتعاملون السماسرة الأسهم بنهاية ساعات العمل يوم تسوية الصفقات، أي بعد البيع بثلاثة أيام. وقال جون ماك، رئيس «مورغان ستانلي»، لموظفيه في اجتماع انه يعتقد أن السلطات الأميركية بدأت تفهم المخاطر التي يمثلها البائعون على المكشوف.

وفي بادرة على تزايد لعبة إلقاء الاتهامات، دعا المرشح الجمهوري في انتخابات الرئاسة، جون ماكين، الى استقالة رئيس لجنة الأوراق المالية والبورصات، كريستوفر كوكس.

وفي أول تعليقات له على الأزمة منذ تدخلت الحكومة بخطة إنقاذ قيمتها 85 مليار دولار لشركة التأمين «ايه.اي.جي» هذا الأسبوع أبدى الرئيس جورج بوش قلقه من الاضطرابات التي تجتاح الأسواق المالية، وقال إن إدارته مستعدة لاتخاذ خطوات أخرى لتعزيز الأسواق وتحقيق استقرارها.

وفي وقت سابق أعلن مجلس الاحتياطي الاتحادي عن خطوات منسقة مع خمسة من البنوك المركزية الكبرى في العالم لضخ 180 مليار دولار من السيولة في أسواق النقد العالمية، الأمر الذي بث بعض الطمأنينة في نفوس المستثمرين وخفض أسعار الفائدة في سوق النقد الى اثنين في المائة من 8.5 في المائة.

وفي مؤشر على حجم الطلب على السيولة قال بنك انجلترا المركزي انه تلقى طلبات في عملياته في السوق المفتوحة للحصول على 202 مليار جنيه استرليني (365 مليار دولار) رغم أن المبلغ المعروض كان 66 مليار جنيه استرليني فقط.

وانتهز بنك «لويدز تي.اس.بي» البريطاني فرصة اضطراب الأسواق لتحقيق طموحه القديم بالاستحواذ على بنك «اتش.بي.أو.اس»، أكبر البنوك البريطانية للرهون العقارية، في صفقة بالأسهم قيمتها 22 مليار دولار.

ويعتبر الأوروبيون ان الأزمة المالية الحالية عززت موقفهم الداعي الى تعزيز مراقبة الأسواق سريعا في مواجهة الولايات المتحدة التي يتهمونها بأنها رفضت لفترة طويلة التدخل باسم الليبرالية. وحذر رئيس الوزراء الفرنسي، فرنسوا فيون، الذي تترأس بلاده الاتحاد الأوروبي حاليا، مساء الخميس قائلا «لا يمكننا ان نقبل بتحمل الأضرار الناجمة عن نقص في الإشراف والتنظيمات».

وأضاف «في الولايات المتحدة، الأطراف المالية تتحمل مسؤولية كبيرة في ما ينبغي ان نسميه انحرافا للرأسمالية»، مشددا على ان « اوروبا تتوقع من السلطات الأميركية ان تتحمل مسؤوليتها».

والتعبئة الكثيفة لأموال المكلفين في الولايات المتحدة في مواجهة هذه الأزمة الكبيرة والتأميم شبه الكامل لشركة التأمين «ايه آي جي» في بلد تعتبر فيه الرأسمالية الآمر والناهي ووعود واشنطن بتنظيم افضل مستقبلا للاسواق، تعيد الى الواجهة دور الدولة وضرورة عدم ترك السوق لوحدها بالكامل.

وقال جان كلود يونكر (لوكسمبورغ) رئيس اجتماع وزراء المالية في منطقة اليورو، ساخرا هذا الأسبوع في بروكسل «أنا فعلا مندهش من رؤية العالم الأنغلو ـ سكسوني يتعامل مع الأمور بالطريقة نفسها التي كنا سنختارها لمواجهة هذه الظاهرة». وأضاف «يدركون مجددا أننا بحاجة دوما الى حكومات».

وقبل اندلاع الأزمة المالية كانت دول الاتحاد الأوروبي القارية تدعو في المنتديات الدولية مثل مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى من اجل اتخاذ إجراءات ملزمة لضبط المضاربات المالية ولا سيما في اطار صناديق التحوط، لكن لم تكن تلقى آذانا صاغية.

وبقيت دعوات المانيا العديدة في هذا المجال منذ مطلع العام 2007 من دون اي جدوى بسبب معارضة الولايات المتحدة وبريطانيا. وقد تغيرت المعطيات مع الأزمة ولا سيما مع شبه افلاس مصرف «نورذرن روك» الذي اقنع البريطانيين بضرورة المضي قدما في اوروبا.

ويدرس الاتحاد الأوروبي حاليا مشروعين رئيسيين، احدهما يهدف الى تنظيم صارم لنشاطات وكالات التصنيف التي يفترض بها ان تتحقق من قدرة المقرضين والمتهمة حاليا بأنها لم تقم بعملها على أفضل وجه.

وعرضت المفوضية الأوروبية كذلك نصا لحصول تنسيق افضل على مستوى الاتحاد الأوروبي في مجال الاشراف على قطاع التأمين.

وينتظر صدور مشروع مماثل بالنسبة للمصارف في غضون شهر بغية وضع هيكلية اوروبية شاملة تأخذ في الاعتبار عمليات الدمج العابرة للحدود المختلفة في السنوات الاخيرة.

ومع ان الاتحاد الأوروبي يطرح نفسه مثالا يحتذى في اطار التنظيم، الا ان الدول الاعضاء فيه تواجه مشاكل في الاتفاق في ما بينها حول تفاصيل هذا المشروع الأخير الذي يعتبر اساسيا.

وقال خواكين المونيا، المفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية، الخميس «ينبغي علينا تسريع وتيرة التنسيق على المستوى الأوروبي. علينا ان نمضي قدما بسرعة اكبر. لا يمكننا ان ننتظر ان تواجه مؤسسة مالية لها نشاط في سبع او عشر دول من الاتحاد مشاكل كما شهدنا مع ليمان براذرز أو بير ستيرنز».

ولخص مصدر مطلع من الرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي الوضع بقوله «في البداية كان الجميع متفقا على القيام بشيء ما، لكن عندما وصلنا الى الأمور الملموسة أصبح النقاش أكثر صعوبة لان الفكرة هي منح المزيد من الصلاحيات الى هيئة الإشراف في البلد الذي يوجد فيه مقر المجموعة» مقارنة مع الدول التي تستقبل فروعا للمجموعة.

وهذا الأمر يؤدي الى قضم بعض الصلاحيات الوطنية. لكن تصاعد الأزمة قد يؤدي الى زوال آخر التحفظات. وأوضح المصدر «الكل مدرك ضرورة التحرك».