المندوب الأميركي بوكالة الطاقة الذرية: مجلس المحافظين سيبعث برسالة حازمة إلى إيران

السفير شولتي لـ«الشرق الأوسط»: نحترم البرادعي حتى في المواقف التي لم نتفق فيها معه

TT

تشهد أروقة الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالعاصمة النمساوية فيينا، هذه الايام، حركة دبلوماسية مكثفة ومشاورات واتصالات بالعواصم، استعدادا لانعقاد مجلس امناء الوكالة، الذي سيبدأ اجتماعا دوريا في مطلع الاسبوع، تليه دورة للمؤتمر العام الـ52 للوكالة، الذي تحضره وفود ممثلة لكل الدول الاعضاء .

وفيما تشتمل اجندة الاجتماعين الهامين على اكثر من قضية وملف، الا ان الجميع يتوقع ان تكون الهيمنة الكبرى للملف النووي الايراني، والرغبة السورية في الانضمام لعضوية مجلس الامناء بالاضافة لمسألة الترشيح لمنصب مدير عام جديد للوكالة خلفا لمديرها الحالي الدكتور محمد البرادعي الذي تولى ادارتها منذ 1997، واعلن انه لن يعيد ترشيحه لدورة رابعة.

ولالقاء الضوء على كثير مما يدور وراء الكواليس حاليا وسينعكس على الاجتماعات في الايام القادمة، طرحت «الشرق الأوسط» عددا من الاسئلة على المندوب الأميركي لدى الوكالة، السفير جريجوري شولتي، الذي اجاب على كل الاسئلة عدا المتعلقة بشأن المحاولات السورية للانضمام لعضوية مجلس الامناء المكون من 35 دولة تمثل 8 أقاليم جغرافية بالاضافة لـ13 دولة تمتاز بعضوية دائمة هي مجموع الدول الاكثر تقدما من الناحية النووية، اذ تسعى سورية لتمثيل مجموعة «ميسا» وهي دول الشرق الاوسط وجنوب شرق اسيا، الا أن السفير شولتي من جانبه فضل عدم استباق الاحداث منتظرا حتى تتقدم ميسا بمندوبها باعتبار ان لكل حدث حديثا. أما فيما يخص الملف النووي الايراني، فقد توقع السفير شولتي ان يبعث مجلس الامناء برسالة واضحة وحازمة لايران تؤكد ان «ملفها لم يغلق بعد، وانه ما يزال مفتوحا لحين ان يتم الفصل في قضايا فصلها شولتي في ارسال رد ايراني على كل الاسئلة التي تطرحها الوكالة الدولية، ولحين ان تجيب ايران على كل المسائل التي ما تزال عالقة بينها والوكالة، ولحين ان تحترم ايران القرارات الدولية، وحتى تلتزم بما تمليه عليها من قرارات بما في ذلك تجميد كامل لما تقوم به من عمليات لتخصيب اليورانيوم التي هي انشطة لا يتطلبها نشاط سلمي كما تدعي ايران بل هي مرحلة لانشطة عسكرية ولبناء قنابل نووية».

وتتهم ايران الولايات المتحدة بانها هي التي قدمت للوكالة الدولية للطاقة الذرية معلومات مضللة غير موثقة أخذت من اجهزة كومبيوتر مسروقة «لاب توب» وانها معلومات لم يعثر عليها مختومة بختم سري او مشمعة، ورغم ذلك فرحت بها الولايات المتحدة وقدمتها للوكالة دليلا ان ايران تسعى لتطوير رؤوس حربية لصواريخ شهاب 3 ، وان ايران تقوم بالعديد من الدراسات والتجارب لمواد شديدة التفجير، بما اصبح معروفا باسم «الدراسات المزعومة».

ردا على ذلك اكد السفير شولتي لـ«الشرق الأوسط» ان الوكالة جمعت معلوماتها عبر سنين عدة، باكثر من وسيلة، ومن اكثر من مصدر، وانها لم تعتمد في هذه القضية على مصدر واحد او وثيقة واحدة بل تنوعت مصادرها، ودلائلها ووثائقها وبياناتها، بما في ذلك ما جمعه المفتشون الدوليون انفسهم اثناء عمليات التفتيش والتحري والدراسات التي يقومون بها، مذكرا ان الوكالة واجهت ايران بكل ذلك وطلبت منها الرد على اسئلة محددة. كما طالبها البرادعي مرارا بالتزام الشفافية والوضوح، الا ان ايران لم تقدم حتى اللحظة ما يزيل عنها الغموض ويبعد عنها الشكوك ويبرئ ساحتها دوليا.

ويمضي المندوب الاميركي مشيرا لنقطة بارزة تضمنها التقرير الاخير الذي رفعه مدير عام الوكالة عن اخر تطورات الملف النووي الايراني واخر مراحل التعاون بين ايران والوكالة، اثارت قلق الوكالة الجاد بشأن انشغال ايران وتورطها في انشطة تدور حول ايجاد نماذج وعمليات تصنيع لأسلحة نووية، وتوفير رؤوس نووية لصواريخها المسماة شهاب 3 .

وردا على الاراء التي ترى ان ايران كغيرها من الدول تحاول ان تطور نفسها وان تحمي مصالحها وتدافع عن امنها القومي، يقول السفير شولتي: «من الصعب علينا ان نحكم على المقاصد والنيات الايرانية، لكن من السهل جدا ان نحكم على الافعال الايرانية، كما وثق التقرير الاخير للوكالة الدولية فان ايران تسد على الوكالة كل المنافذ لتحقق من طبيعة انشطتها سواء بعدم التزام ايران بالبروتوكول الاضافي او لعدم تقديمها اجوبة كاملة وردود واضحة. اضف الى ذلك عرقلتها لكل سبل التحقق والتحري مع المسؤولين، والحيلولة دون اجراء عمليات التفتيش اللازمة لجمع المعلومات والاطلاع على الوثائق».

أما بشأن ما تردد اخيرا من حديث ان ايران لم تحصل فقط على عون دول وحكومات بل تتوفر لها الاستعانة بخبرات اجنبية من افراد، ذكر المندوب الأميركي ان ايران حظيت بمساعدة كبيرة من السوق النووية السوداء برئاسة العالم الباكستاني الدكتور عبد القدير خان، مشيرا إلى ان اجهزة الطرد المركزي التي تعمل داخل المواقع النووية الايرانية حاليا هي نتاج تقنية تم تهريبها من باكستان.  ولفت النظر الى ما ورد للمرة الاولى في تقرير الوكالة الاخير من ان التجارب شديدة التفجير التي تجريها ايران بغرض تطوير وانتاج وحدات ومواد نووية تؤكد استفادة ايران من خبرات اجنبية بما يدعو لاثارة المزيد من القلق والاهتمام كما يتطلب العودة لمزيد من الضغط على ايران لتوضيح الامر بجلاء .

وفي سؤال لـ«الشرق الأوسط» عما اذا كانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية هي الجهة المناسبة لبحث قضايا مثل التفجيرات النووية والاسلحة العسكرية الثقيلة، يوضح السفير شولتي انه ليس من الدارج عادة ان تتولى الوكالة الدولية للطاقة الذرية النظر في قضايا الاسلحة شديدة التفجير، الا ان الملف النووي الايراني ملف غير عادي، مضيفا الى ذلك حقيقة اخرى هي ان مجلس الامن الدولي منح الوكالة صلاحيات وخول لها سلطات ومسؤولية التحقق من انشطة ايرانية قد تكون ذات ابعاد عسكرية، ملزما ايران ومطالبا اياها بالتعاون الكامل والشفافية مع الوكالة للقيام بتلك المهام والمسؤوليات على أكمل وجه.

ورد على الاتهام ان الولايات المتحدة اصبحت تقبض على ذمام الامور وتتحرك كمن اختطف اجتماعات مجلس امناء الوكالة الدولية وهيمن عليها لبحث قضايا وفقا للاهتمام الأميركي، اكد شولتي ان كل عضو من اعضاء المجلس الـ 35 هو عضو مستقل له ذاتيته وفقا لموقفه القومي، وانه كسفير لحكومة الولايات المتحدة يسعى كعضو داخل ذلك المجلس ان يتشاور مع الجميع وصولا لرؤية جماعية، سعيا وراء حلحلة لكل القضايا والتحديات التي تواجههم جميعا، مضيفا: «أما فيما يخص قضية الملف النووي الايراني، فهناك اجماع على ضرورة ان تتعاون ايران مع الوكالة، وليس خافيا ما يسببه موقفها من احباط للجميع».

وفي سؤال اخير نفى شولتي ان تكون بلاده اكثر سعادة لاعلان البرادعي عدم رغبته في الترشيح لدورة جديدة لمنصب مدير عام الوكالة ومغادرتها، بدءا من العام القادم وابتعاده بمواقفه المعارضة مرارا للولايات المتحدة، مؤكدا انهم يحترمون البرادعي، وظلوا يحترمونه حتى في المواقف التي لم يتفقوا فيها.

من جهة أخرى، قال شولتي في لندن لصحافيين أمس ان المديرين السياسيين للدول الاعضاء في مجلس الامن الذين اجتمعوا في واشنطن امس، من المقرر ان يبحثوا فرض عقوبات جديدة على ايران، موضحاً: «سنواصل الضغط على ايران الى حين تلتزم بتعهداتها الدولية». وتوقع ان تشمل العقوبات الجديدة توسيع دائرة الافراد والمؤسسات الايرانية المفروضة عقوبات عليهم. وحول التكهنات بنشوب مشاكل بين واشنطن وموسكو في فرض عقوبات جديدة على ايران بسبب توتر العلاقات بعد احداث جورجيا، قال شولتي ان البلدين «متفقان على هذه المسألة واتفقنا على ارسال رسائل مماثلة للايرانيين وهي ان تعاونها مع الوكالة الدولية غير كاف ولا يمكن لايران ان تستخدم النزاع حول جورجيا في شق صف المجتمع الدولي»، وتابع شولتي: «القادة الايرانيون يضعون عقبات على هذا الطريق وعليهم ازالتها».