طلاب وطالبات مستجدون يعيدون آباءهم وأمهاتهم «قسرا» إلى مقاعد الدراسة

عودة الأبناء لمدارسهم في السعودية عذر مقبول لدى أرباب العمل وقناة تسويق مفتوحة

عدد من أولياء الأمور برفقة أبنائهم الصغار في أول أيامهم المدرسية (تصوير: غازي مهدي)
TT

بدأت تقريباً كل بيوت السعوديين بداية هذا الأسبوع عاماً دراسياً جديداً يتوجه من خلاله أكثر من خمسة ملايين طالب وطالبة لا زالوا على مقاعد الدراسة في مراحل التعليم الأولي العام يومياً إلى مدارسهم لاستكمال مشوار تحصيلهم العلمي.

العودة إلى المدارس في السعودية كما في كل بلدان العالم وخاصة للطلاب المستجدين في الصفوف الاولى طقس جذري وهام في حياة ملايين الطلاب والطالبات من المراهقين والأطفال، تسبقه عادة بأيام قليلة استعدادات مكثفة يشارك فيها الطلبة وعائلاتهم شركات بيع المستلزمات المدرسية والإعلام الذي يسلط أضواءه على هذه العودة كل عام، مستعرضاً استعدادات المدارس ووزارة التعليم التي تحاول جعلها عودة ميمونة. إلا أن خبراء علم الاجتماع والنفس يؤكدون أن من أهم الاستعدادات والتحضيرات لضمان جعل هذه العودة ميمونة، هو البدء بتهيئة وإعداد الآباء والأمهات أولا كخطوة أساسية وضرورية في مهرجان التحضير للعودة إلى المدارس، وهي خطوة يتم إهمالها في أحيان كثيرة.

العودة إلى المدارس بالنسبة إلى الأهالي كانت دائماً تعني مواجهة تذمر الابناء من النوم المبكر ورغبتهم في السهر لساعات طويلة، خاصة وأن العام الدراسي هذه المرة يأتي بعد عطلة طويلة امتدت من شهور الصيف وحتى موسم الأعياد. ويتميز الأسبوع السابق لبداية المدارس بالرحلات الطويلة الى محلات القرطاسية لشراء المستلزمات الدراسية؛ وهو ما يعتبره الخبراء نوعاً من التأهيل النفسي الضروري الواجب توافره للأهالي قبل أبنائهم.

لكن اللافت والمثير هو تحول او عودة آباء وأمهات الى مقاعد الدراسة من جديد رغما عنهم لمرافقتهم ابناءهم الطلاب في الصف الاول ولمساعدتهم على تجاوز محنة الاسبوع الاول الدراسي الذي عادة ما تتحول فيه الفصول الى مكان للبكاء والنواح لهؤلاء الصغار.

ويقول الأخصائي الاجتماعي، فواز الجهني إن تهيئة الآباء والأمهات الذين يعودون إلى المدارس كل عام عودة إجبارية مع أطفالهم هي أمر ضروري وحيوي، خاصة وأن هذه العودة ترتبط بالكثير من الأعباء والمهام والواجبات التي قد ترهق كاهل الأهل ونفسياتهم إذا أهملوا التخطيط والاستعداد المسبق لها، وتسبب لهم بإجهاد وإحباط وبالتالي تنعكس سلباً على قدرتهم على الوفاء بواجباتهم تجاه ابنائهم، وهذه المسؤولية وفقاً للجهني تزداد كلما كان عمر الطفل أصغر.

ويتابع الجهني، «متابعة الأبناء ومساعدتهم في العودة إلى روتينهم اليومي أثناء العام الدراسي، ومساعدتهم في تحصيلهم العلمي هي مهمة مجهدة ومضنية خاصة إذا كان والأب الأم كلاهما يعملان ومضطرين إلى العودة إلى أعمالهما، وإذا ما كان لديهما أكثر من طفل»، ومن الملاحظ أن حالة من التوتر تشبه تلك التي قد يتعرض لها الطلبة قد تطول أولياء الأمور، خاصة إذا كان لديهم طفل يلتحق للمرة الأولى بالمدرسة. ويضرب الجهني مثلا لبعض المخاوف التي يمكن أن تسيطر على أولياء الأمور مع بداية العام الدراسي خاصة المستجدين في مراحل دراسية جديدة، مثل هل سيتمكن من الاندماج مع محيطه الجديد، وهل سيكون معلمه أو معلمته مؤهلا علميا وتربويا بالقدر الكافي، إضافة إلى القلق الطبيعي على سلامة الطفل والذي قد يتحول في بعض الحالات إلى قلق مبالغ فيه وغير مبرر.

ويصف الجهني بعض الإجراءات التي يمكن أن يلجأ إليها أولياء الأمور والتي قد تساهم كثيراً في تصحيح الأوضاع والتسريع بالعودة إلى أجواء الدراسة بنجاح وفعالية، ومنها بث الثقة في نفوس الطلاب وبشكل خاص صغار السن عن طريق استباق موعد بدء الدراسة بأسبوع على الأقل وتعويد الأطفال على النوم المبكر والاستيقاظ في موعد المدرسة، وتحفيزهم لبدء العام الدراسي بنشاط واجتهاد عن طريق نقاشات وأحاديث مشجعة عما يمكن أن يتعلمه التلميذ خلال عامه واستذكار بعض المعلومات من العام الدراسي السابق، وما سيكون قادراً على فعله وفهمه مع نهاية العام، وتعزيز استقلاليتهم ومهاراتهم في التعامل مع المواقف المختلفة.

إلا أن الجهني يلفت إلى أن المدرسة حتى ولو كانت مدرسة جيدة وكان معلموها على قدر كبير من التأهيل التربوي والعلمي، إلا أن دور الأهل يبقى أكثر أهمية وأكثر أولوية في نجاح الطفل دراسياً وتطور شخصيته ونموها بشكل سليم، ولذلك عليهم ألا يهملوا أبداً أولوية ملاحظة ومتابعة أبنائهم، لأن المعلم في النهاية إنسان وقد يخطأ وقد تفوته ملاحظة بعض الأمور. وينصح الجهني بألا تتعدى معونة الآباء إلى أبنائهم في تحصيلهم العلمي، المتابعة والإشراف والرقابة ومحاولة اكتشاف نقاط القوة والضعف لدى الابن، ومتابعة أدائه ومعرفة نقاط القوة والضعف لديها لتدعيمها أو تقويتها بالشكل السليم، مشيراً إلى أن قلق بعض الأهالي على أبنائهم قد يدفعهم إلى المبالغة في حمايتهم ومساعدتهم بشكل قد يسيء إليهم ويعوق نموهم الفكري والنفسي.

يبقى أن موسم العودة إلى المدارس في السعودية هو موسم تجاري بامتياز، حيث تنتعش قطاعات تجارية كبرى، ويفتح قناة حوار مباشرة بين الطلاب وشركات القرطاسية والمستلزمات المدرسية، حيث تحاول هذه الشركات جذب الطلبة بكل الطرق التسويقية الممكنة، إلا أنها تفتح أيضاً قناة أخرى تتحلى بالإقناع أكثر مع الأهل، حيث تبدأ الشركات باقتناص الفرصة للترويج الدعائي والتسويق، حتى بالنسبة لمنتجات أخرى قد لا تهم الطلبة كثيراً كالسيارات العائلية مثلا، وهي تنجح في إثارة اهتمام العديد من أولياء الأمور واجتذابهم، كما أنها تصبح عذراً مقبولا في أسماع أرباب العمل خاصة في الأسبوع الأول، لاضطرار أولياء الأمور إلى البقاء أحياناً برفقة أبنائهم الذين يلتحقون بالمدارس للمرة الأولى، ويبدو في النهاية أن دورة العودة للمدارس تعيد جميع أفراد المجتمع إلى مقاعد الدراسة بشكل أو آخر ولا يقتصر الأمر على الطلبة فقط.