السوق العقاري البريطاني في تدهور مستمر.. والأزمة تبعد مشتري العقارات عن السوق الصينية

خبير عقاري: الأموال الخليجيةباتجاه السوق الفيتنامي باعتباره أسهل من الصيني وأقل تعقيدا من الهندي

حسب ارقام البنك المركزي البريطاني فإن القروض العقارية قد انخفضت بنسبة 95 في المائة في اغسطس (آب) الماضي (أ.ف.ب)
TT

قالت تقارير بريطانية ان هبوط أسعار البيوت في بريطانيا في حالة تدهور مستمر وان المبيعات انخفضت في سبتمبر (ايلول) الماضي الى معدلات لم تشاهدها بريطانيا منذ 30 عاما. وذكر تقرير لمعهد المساحين الملكي البريطانية يوم أمس، ان معدل التراجع في مبيعات السوق البريطاني قدر بـ50 في المائة مقارنة مع مبيعات العام الماضي. وقال جفري ليف باسم المعهد في تصريح لوكالة رويترز «في الوقت الحالي هناك فقط مجموعة صغيرة من الناس قادرة على دخول السوق، وهؤلاء يتمتعون بقدرات شرائية استثنائية»، مضيفا «اذا لم تتحسن السيولة فإن السوق سيبقى راكدا على حاله». الحالة البريطانية ليست بالشيء الغريب في السوق العقاري العالمي. اذ ذكرت تقارير اخبارية صينية إن 11 شركة من أصل 28 شركة عقارية مدرجة في بورصات الصين حذرت من تحقيق نتائج سيئة نظرا لتراجع الأرباح وذلك بعدما أعلنت نتائجها المالية عن الربع الثالث من العام الأسبوع الماضي. وقالت التقارير إن شركة «فانك» وهي أكبر شركة عقارية مدرجة في البورصة بالصين، وشركتين كبيرتين منافستين لها خفضت أسعار الشقق بنسبة 15 في المائة على الأقل خلال الشهرين الماضيين.

وتراجعت مبيعات المنازل وأسعارها في الصين في خضم تزايد حالة عدم اليقين التي أحدثها الاضطراب المالي العالمي، أحجم الملايين من المواطنين الذين كانوا يعتزمون شراء منازل للمرة الأولى عن الشراء الأمر الذي خلق حالة من الجمود في السوق العقارية الصينية.

وقال تشو فان رئيس مجلس إدارة شركة «تشويو ريل ستيت كونسالتنسي» للاستشارات العقارية في مدينة جوانج تشو بجنوب البلاد إن «شركات البناء تتوقع أن (تتدخل) الحكومة لحماية السوق وتخفيف الضوابط على القروض العقارية». وأضاف تشو في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) أن «المستهلكين يتوقعون ألا تتخذ الحكومة إجراءات ويعتقدون أن الأسعار لا تزال مرتفعة جدا».

الاعتقاد السائد ان حالة السوق البريطانية ستستمر في التدهور، خصوصا ان العديد من التقارير الرسمية والدولية تشير الى ان الاقتصاد البريطاني سيتراجع وسيدخل في حالة ركود مع نهاية العام الحالي. وقال ليف ان هناك ازمة ثقة في السوق العقاري بسبب ما تواجهه الأسواق المالية والبنوك بشكل عام. وحسب ارقام البنك المركزي البريطاني فإن القروض العقارية قد انخفضت بنسبة 95 في المائة في اغسطس (آب) الماضي، وقدرت قيمتها بـ143 مليون جنيه استرليني، وهذه الأرقام تعتبر الادني في تاريخ السوق العقاري منذ ان بدأ التسجيل الرسمي لها. وذكر موقع لحكومة مدينة بكين على شبكة الإنترنت أن حجم مبيعات العقارات السكنية تحت الإنشاء في بكين تراجع الشهر الماضي إلى 2788 وحدة وهو أدنى مستوي له منذ ثلاث سنوات وبتراجع نسبته 76 في المائة عن مستواه في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي.

كما شهدت مدينة شنغهاي ومدن رئيسية أخرى تطورات مماثلة. وذكرت شركة «جونز لانغ لاسال» الدولية للعقارات الأسبوع الماضي أن سوق الوحدات السكنية الفاخرة في شنغهاي خلال الأشهر الثلاثة الماضية «كشفت عن حدوث تغير طفيف حيث أن المشترين والبائعين لا يزالون في حالة من السكون».

وينتظر الكثير من المشترين حدوث تراجع متوقع في أسعار العقارات الأمر الذي يحرم شركات البناء من الحصول على سيولة نقدية مبكرة هي في أمس الحاجة إليها قبل الشروع في إقامة بعض المشروعات العقارية الأكبر. وقال تشو إن «أي شخص لن يقوم بشراء منزل من المتوقع أن تتراجع قيمته غدا». وكان البنك المركزي الصيني قد سعى الأسبوع الماضي لتحفيز الاستهلاك ومساعدة السوق العقارية من خلال خفض أسعار الفائدة الرئيسية ومعدل الاحتياطي الخاصة بالبنوك التجارية فيما تتوقع غالبية المحللين اتخاذ إجراءات أخرى خلال العام الجاري.

وقال بيتر تيبوت، وهو مدير بارز لشؤون المؤسسات المالية بشركة «فيتش ريتنجس« للتصنيف الائتماني في هونج كونج إن من المؤكد أن الصينيين مقبلون على عامين صعبين وسيكون انخفاض أسعار العقارات هو إحدى المشاكل التي ستجعل ذلك صعبا عليهم». وأضاف تيبوت أن «السوق العقارية ستتعرض لضربة كما ستتضرر الأسواق الرئيسية والفرعية للصادرات أيضا».

يذكر أن الكثير من المشاكل التي تعرضت لها شركات البناء كان في مدينة شينشين الصناعية بجنوب البلاد ومدن أخرى حيث قرر بعض المشترين الجدد عدم سداد قروضهم العقارية احتجاجا على تراجع قيمة عقاراتهم.

كما أحجم بعض المشترين المحتملين عن دخول سوق العقارات بفعل مشاكل الفساد والأكاذيب المستمرة منذ مدة طويلة والتواطؤ بين شركات البناء والمسؤلين الحكوميين.

ففي واحدة من أحدث القضايا، حكم على مدير عمالي في مدينة نانشانغ بجنوب البلاد الأسبوع الماضي بالإعدام مع إيقاف التنفيذ بعد أن أدين بالحصول على رشاوى في مقابل تقديم حقوق استغلال الأراضي واستخدام 69 مليون يوان (10 ملايين دولار) من أموال الحكومة في مشروعات إنشائية.

وغالبا ما تقوم الحكومات المحلية ببيع حقوق استغلال الأراضي بسعر رخيص لشركات البناء مقابل تعهدات بإنشاء بنية أساسية عمومية الأمر الذي يسمح لها ببناء أبراج سكنية ومجمعات تجارية ضخمة.

وقال تشو إن «الأراضي أصبحت أحد مصادر الدخل الرئيسية للكثير من الحكومات المحلية كما أصبحت الضريبة مهمة جدا». وأضاف: «لا ينبغي تجاهل مشكلة الفساد لكن في ظل تحقيق تنمية اقتصادية ورقابة سياسية أقوى فإن هذه الظاهرة ستتراجع».

وتعززت وجهة نظر تشو بعد أن قامت شركة «جونز لانغ لاسال» في أحدث تقرير لها بزيادة تصنيفها للشفافية لسوق العقارات الصينية من درجة «شفافية متدنية» إلى «شبه شفافة».

وعلى الجانب الآخر فإن الهجرة المستمرة لعشرات الملايين من سكان الريف الصيني إلى المدن الجديدة أو التي تشهد توسعات عمرانية من المرجح أن تضمن عدم حدوث تراجع كبير لأسعار إسكان ذوي الدخل المتدني.

وذكرت ينغ أولريش، المديرة العامة بمؤسسة «جيه.بي مورغان» المالية في هونغ كونغ، أنها تتوقع أن تنجو الصين نسبيا من الأزمة المالية العالمية وتعتقد أن خفض أسعار الفائدة سيعزز القطاع العقاري.

وقالت أولريش في تقرير بعنوان «الاضطراب المالي العالمي: التداعيات على الصين» إن «تعرض الصين لأزمة الائتمان الحالية لا يزال محدودا»، مشيرة إلى طبيعة انغلاق الأسواق المالية في البلاد. وأضافت أن «القطاع العقاري سيستفيد من خفض أسعار الإقراض»، مضيفة أن «خفض أسعار قروض الرهن العقاري سيقدم دعما متوسطا للطلب على العقارات».

ولا يزال تشو متفائلا أيضا بأن السوق العقارية سوف تتعافى بعد فترة من التعديلات منوها إلى الطلب المتنامي بين أولئك الذين ينتظرون الوقت الملائم للشراء، لكنه حذر من أن طول فترة التباطؤ قد تتسبب في كوارث بالنسبة لبعض الشركات.

اما بالنسبة للعقارات في جنوب شرق آسيا فان الاعتقاد السائد ان سوقها محصن بسبب الأزمة المالية التي ضربت دول المنطقة عام 1997. فهذه السوق ما زالت حتى الآن بعيدة نسبيا عن تداعيات الأزمة المالية العالمية. ولكن أحدا لا يتصور أن تظل السوق الآسيوية محصنة ضد تداعيات الأزمة المالية العالمية التي تلقي بظلالها على كل جنبات الكوكب.

ويقول ديفيد سيميستر، رئيس مجلس إدارة شركة «سي.بي ريتتشارد ايليس للعقارات» في تايلاند: «لن يستطيع أحد أن يتهرب من تحمل أعباء ما يحدث لآن السيولة النقدية في السوق العالمية انخفضت وبالتالي تلاشى عامل الشعور بالتفاؤل».

وأضاف: «من المؤكد أنها (الأزمة) ستؤدي إلى تباطؤ وأن الأوضاع في السوق خلال الـ18 شهرا المقبلة ستكون سيئة لمن يريد بيع أي شيء. لكنني لا أتوقع حدوث تراجع حاد في الأسعار».

وقال بيتر تيبوت، كبير مديري إدارة المؤسسات المالية في مؤسسة «فيتش ريتنجس» للتصنيف الائتماني: «أعتقد أن بنوك جنوب شرق آسيا أقل تعرضا لمخاطر القطاع العقاري من بنوك شمال شرق آسيا».

ويقول دان سيمونز، مدير المبيعات والتسويق في مجمع «لاغونا فوكيت» الفندقي والسكني الفاخر في جزيرة فوكيت بتايلاند: «لقد قمنا بطرح مشروع جديد خلال الشهر الحالي وكانت واحدة من أنجح عمليات الطرح في تاريخنا».

ففي أعقاب وصول الأزمة المالية الأميركية إلى ذروتها في وقت سابق من الشهر الحالي، طرحت شركة لاغونا فوكيت 25 منزلا فاخرا للبيع بسعر متوسط يبلغ 412 ألف دولار وتم بيع 15 منزلا على الفور مع سداد ثمنها كاملا.

ويقول ديفيد بلاكهول، مدير إدارة العقارات في شركة «فينا كابيتال» إنه «حتى لو عثرت على مشتر يمكنه الحصول على قرض، فإن معدل الفائدة على القرض لن يقل عن80 في المائة، وهو ما يعني أننا نبحث عن مشترين قادرين على السداد الفوري لقيمة العقارات».

ورغم مشاعر التشاؤم التي تحيط بسوق العقارات السكنية، فإن بلاكهول يؤكد أن الأمر ينطوي على ما يدعو للتفاؤل بالنسبة لسوق الوحدات الإدارية، وقال »إن هناك الكثير من الأموال الخليجية التي تريد الوصول إلى الأسواق الناشئة الجديدة، وفيتنام تمثل نموذجا جذابا لهذه الأسواق باعتبارها أيسر في الوصول إليها من السوق الصينية وأقل تعقيدا من السوق الهندية».

وبينما تعتبر تايلاند سوقا جاذبة للمشترين الأجانب الذين يبحثون عن شراء منزل ثان خارج بلادهم أو على الأقل منزل يعيشون فيه بعد التقاعد فإن هناك مخاوف من تراجع أعداد هؤلاء العملاء نتيجة الأزمة المالية التي تجتاح الدول الأوروبية والولايات المتحدة.

ويختلف الموقف قليلا في إندونيسيا حيث تتعاون شركات التطوير العقاري مع البنوك لتوفير قروض بفوائد ميسرة لمشتري العقارات، خاصة أن الحكومة تدعم القطاع العقاري.

وقال تيجوه ساتريا، رئيس الاتحاد العقاري الإندونيسي، إنه في ظل دعم أسعار الفائدة للمستهلكين فمن المتوقع تحسن القدرة الشرائية لهم واستمرار نمو القطاع العقاري.

ورغم هذا التفاوت في أوضاع السوق العقارية بين دول جنوب شرق آسيا يظل «الخوف من المستقبل» هو القاسم المشترك بين الجميع لآن استمرار الأزمة المالية العالمية فترة أطول يعني اقتراب الخطر من الجميع.