العراق وأميركا يبحثان خيارين تحسبا للفشل لعدم إبرام الاتفاقية الأمنية بنهاية العام

أحدهما اللجوء إلى مجلس الأمن والثاني ترك الأمور كما هي حتى تولي خلف بوش الرئاسة

جنود أميركيون قرب «ساحة الاحتفالات الكبرى» في بغداد أمس (رويترز)
TT

طبقًا لما أورده المسؤولون العراقيون والأميركيون، فإنه بعد نفاد الوقت المحدد للتوصل إلى اتفاق بشأن أوضاع القوات الأميركية في العراق، بات من الواضح أن العديد من المتفاوضين المتوترين قد بدأوا في البحث عن بدائل أخرى تسمح للقوات الأميركية بالبقاء إلى ما بعد 31 ديسمبر (كانون الأول)؛ وهو الموعد الأخير المسموح به للقوات الأميركية بالبقاء في البلاد. ولا يجد أي من الطرفين في الخيارات المتاحة ما يجذبه. وأحد الخيارات هو أن يتم مد فترة تفويض الأمم المتحدة المفترض انتهاؤه بنهاية هذا العام. وسيلزم هذا الأمر تصويتًا من جانب مجلس الأمن، وهو ما تعتقد الحكومتان العراقية والأميركية أن روسيا أو أيا من الدول الأخرى التي ناهضت الحرب التي قادتها الولايات المتحدة على العراق سيتجهون إلى تعقيد الأمور. الخيار الآخر ربما لن يتجاوز مصافحة بين نوري المالكي – رئيس الوزراء العراقي ـ والرئيس الأميركي جورج بوش، واتفاق على ترك الأمور كما هي أن تتولى الإدارة الأميركية الجديدة زمام الأمور. ومنذ شهور والمفاوضون متوقفون حول قضية السلطة القضائية القانونية للدولة على القوات الأميركية والحصانة المفروضة عليهم بشأن بعض الجرائم. ولكن حتى إذا ما توصل المفاوضون إلى اتفاق خلال الأيام أو الأسابيع القليلة المقبلة، فإنه ليس من الواضح أو المؤكد أنه من الممكن المصادقة على اتفاقية وضع القوات بحلول نهاية العام الحالي. من جانبه، تعهد المالكي بتسليم القرار إلى البرلمان العراقي المنقسم قبل التوقيع عليه ـ وهو التعهد الذي شدد عليه قبل الأسبوع الماضي لدى زيارته إلى آية الله علي السيستاني؛ المرجع الشيعي الأكبر نفوذا داخل العراق. بينما أشار السيستاني الى أنه لن يقر أي اتفاقية أو وثيقة من دون دعم الشعب العراقي والفصائل السياسية. ولكن إذا ما رفض البرلمان الاتفاقية، فلن يكون أمام المالكي «أي خيار» سوى مطالبة الأمم المتحدة بمد فترة التفويض، «وذلك نظرا إلى أن القوات الأميركية ستفقد وضعها القانوني في 31 ديسمبر (كانون الأول)»، وذلك حسبما صرح المالكي إلى صحيفة «تايمز» البريطانية في مقابلة أُجريت معه نهاية الأسبوع، حيث تابع موضحا: «إذا ما حدث هذا (يقصد رفض البرلمان للاتفاقية)، فبموجب القانون الدولي، والعراقي، والأميركي ستظل القوات الأميركية حبيسة قواعدها، ثم ستضطر إلى الانسحاب من العراق». ولاح في الأفق أن المسؤولين الأميركيين لا يختلفون حول حقيقة أن عدم التوصل إلى اتفاق من المحتمل أن يؤدي إلى نهاية فورية للعمليات القتالية، وبقاء الجنود داخل قواعدهم بداية من غرة يناير (كانون الثاني)، بل إن الخلاف الدائر بينهم وبين المسؤولين العراقيين هو حول رفضهم مناقشة القضية الحساسة المتعلقة بمحاسبة الجنود أثناء سير المفاوضات. وفي ظل إحباطهم مما اعتبروه تصلبا وعنادا عراقيا، أشار المسؤولون الأميركيون إلى أن النفوذ الإيراني مازال مستمرا في جعل قادة الشيعة غير موافقين على النقاط الجوهرية في الاتفاقية الأميركية. فلطالما اتهم الإعلام الإيراني الذي ترعاه الحكومة واشنطن بأنها تحاول إجبار المالكي على بيع السيادة العراقية. من ناحية أخرى، دعا الزعيم الشيعي مقتدى الصدر – والذي يحظى بكتلة من المؤيدين داخل البرلمان العراقي بالإضافة إلى ميليشيا قوية واسعة النفوذ تكمن حاليا في حالة وقف لإطلاق النار ـ إلى انسحاب فوري للقوات الأميركية من العراق. وفي نفس السياق، بدا أن جماعات سياسية شيعية منقسمة هي الأخرى حول الاتفاق، كما أن هناك آخرين – منهم حزب الدعوة التابع للمالكي مختلفين في الرأي داخليا. وفي ظل هذا، لا يعرف المسؤولون الأميركيون فعليا إلى أي جانب يقف المالكي فعليا، إلا أنهم يحدثون أنفسهم، مشيرين إلى أنه لا يطيق تحمل توقف أو انتهاء العمليات الأميركية على أراضيه. ولطالما وصف الجيش الأميركي المكاسب الأمنية التي تحققت بالعراق على أنها «هشة»، و«يمكن أن تنقلب». ويشير أحد المسؤولين الأميركيين البارزين ـ موضحا ـ إلى أن المخاوف الأساسية تتعلق بقوات أبناء الصحوة – وهي جماعات سنية في غالبها تتلقى أجورها في الوقت الحالي من حكومة المالكي- فقد تعود تلك القوات إلى التمرد من جديد، ووقتها سيعود أفراد الميليشيات الشيعية العراقية المتخصصة في شن هجماتهم المميتة على بقية التجمعات السكانية الأخرى في بغداد. وحسبما أفاد المسؤولون العراقيون والأميركيون، فقد طمأن المالكي الرئيس بوش خلال شهر أغسطس (آب) مرتين – إحداهما من خلال اتصال عبر الفيديو كونفرانس والأخرى عبر وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس خلال زيارتها إلى بغداد ـ بأنه قد تم التوصل إلى الاتفاق. وفي منتصف الصيف، أدلى هوشيار زيباري وزير الخارجية العراقي بالعديد من البيانات التي أكد فيها أنه يتم حاليا صياغة مسودة الاتفاق. يُذكر أن المفاوضات بدأت بداية سيئة، حيث اعترض المفاوضون العراقيون على المسودة الأميركية المبدئية، حيث قال المالكي إن الاعتراض كان بشأن إصرار الولايات المتحدة على الاحتفاظ بالقيادة التامة على عملياتها العسكرية، واعتقال المواطنين العراقيين، بالإضافة إلى فرض السيطرة على الحدود والمجال الجوي. وأوضح أن تلك الممارسات أوصلت المفاوضات إلى «طريق مسدود». وعندما استمرت تلك الأزمة حتى شهر مايو(أيار)، أمر بوش المفاوضين الأميركيين بإتاحة نوع من المرونة، حينها تم التوصل سريعا إلى اتفاقات تقضي بمنح العراقيين على الأقل كما يقول البعض قيادة العمليات العسكرية والاعتقالات بينما تتم الآن مباشرة القيام بعمليات قيادة مشتركة للمجال الجوي، وذلك على أساس الاعتراف بأن العراق لا يمكنه منفردا السيطرة عليه، وأن الأميركيين بحاجة إلى أن يكونوا متولين لزمام أمور الطيران العسكري الأميركي. بعد ذلك، بدت بواعث الاختلاف من جديد حول الجدول الزمني المحدد لانسحاب القوات الأميركية، وفي هذا الصدد قال المالكي إن نهاية عام 2010 يعد موعدا منطقيا ومناسبا، وهو البيان العام الذي يعتبر أكثر قربا من موقف مرشح الرئاسة الديمقراطي باراك أوباما ـ والذي دعا إلى انسحاب أميركي مبكر من العراق ـ مقارنة بغريمه الجمهوري جون ماكين الذي عارض فكرة تحديد موعد زمني محدد. وخلال زيارة رايس إلى بغداد في 21 أغسطس (آب)، اتفق الجانبان على سحب القوات المقاتلة من البلاد بنهاية 2011. إلا أن المسؤولين الأميركيين استمروا في الحديث عن ميعاد آخر يرتكز على الأوضاع التي ستكون عليها الأمور حينها، يأتي هذا في الوقت الذي خرج فيه المالكي يوم السبت ليعلن أن الاتفاق يقضي «بانسحاب نهائي بنهاية عام 2011». كما أوضح كلا الطرفين العراقي والأميركي أن القوات الأميركية المحاربة ستنسحب من المدن العراقية في منتصف 2009. وتبدي كلا الحكومتان نوعا من التفاؤل العام الحذر بشأن ما أنجزتاه، حيث يتابع زيباري إعادة مراجعة النقاشات السياسية بين الأحزاب والفصائل العراقية بشأن التوصل إلى مسودة قرار متفق عليها، في الوقت الذي يهنئ فيه الأميركيون العراق على سلامة ديمقراطيتها. ففي 2 سبتمبر (أيلول)، أوضح الأدميرال مايك مولين – رئيس الأركان العامة المشتركة ـ للصحافيين أن المالكي عازم على الحصول على السيادة والاستقلال العراقي الكاملين، «ونحن نشجع هذا الأمر على أن ديمقراطيتهم الغراء في طريقها إلى الأمام».

على صعيد آخر، وفيما وراء الستار، بدا أن فرق المفاوضين العراقيين ما زالت متوقفة حول مشكلة بدت منذ فترة طويلة على أنها عسيرة للغاية، ألا وهي هل سيكون للحكومة العراقية أي سلطان قضائي قانوني على القوات الأميركية وأفراد وزارة الدفاع المدنيين. وطالما أوضح المسؤولون الأميركيون بصورة ثابتة أن ذلك الأمر يعد خطا أحمر بالنسبة لهم، حيث أنه ليس هناك أي اتفاق محتمل بشأن محاكمة العراق لأفراد القوات الأميركية بصورة تامة. إلا أنه بات من الواضح أن الموقف العراقي زاد حدة خلال شهر سبتمبر: فقد فصل المالكي كبير مفاوضيه، بينما «تقاعد» أغلب الفريق الذي كانت القوات الأميركية تعمل معه طوال فترة الصيف، وذلك بدلا من تعيين اثنين من المسؤولين الذين من الممكن أن يتم النظر إليهم على أنهم من الموثوق بهم من الناحية السياسية. كما أن المفاوضين الأميركيين البارزين دافيد ساترفيلد، بوزارة الخارجية وبريت ماك غورك، بمجلس الأمن القومي قد أخذ كل منهما إجازة عقب شهور أمضوها في بغداد لإعادة توضيح المواقف والسعي نحو بعض التعليمات الجديدة.

* خدمة «واشنطن بوست» (خاص بـ«الشرق الأوسط»)