مكتبة الإسكندرية توثِّق لتراجيديا الاغتيالات السياسية في مصر

أشهرها اغتيال بطرس غالي والسادات

يوسف السباعي مع عدد من الفنانين («الشرق الأوسط»)
TT

بالأمس القريب أطل شبحها الثقيل على ذاكرة المصريين، وهم يحتفلون بنصر السادس من أكتوبر.

مشهد تراجيدي لم تزل مفرداته حية في الوجدان، لأشهر واقعة اغتيال سياسي مروّع في تاريخ مصر، راح ضحيته في ذلك اليوم من عام 1981 الرئيس محمد أنور السادات، وهو يشهد العرض العسكري احتفالاً بذكرى «حرب أكتوبر» 1973.

اغتيال السادات، وما صاحبه من ملابسات لم يكن أول اغتيال لسياسي بارز، إذ شهدت مصر عدة جرائم اغتيال استهدفت شخصيات سياسية رفيعة، على اختلاف ظروفها، وأحداثها ودوافع مرتكبيها. ومن ثم تؤرخ واقعة اغتيال بطرس غالي باشا رئيس الوزراء يوم 20 فبراير (شباط) 1910 كأول الاغتيالات السياسية في تاريخ مصر الحديث. وقد أثار الحادث والطريقة التي وقع بها دهشة المصريين. وازدادت دهشتهم بعدما اعترف الجاني، وهو إبراهيم الورداني المنتمي إلى الحزب الوطني بجرمه، وادعى أن ما دفعه لاغتيال بطرس باشا غالي هو «الخيانة» نتيجة توقيعه اتفاقية السودان في 19 يناير (كانون الثاني) عام 1899، وترؤسه المحكمة المخصوصة في حادثة دنشواي، وإعادة قانون المطبوعات، ثم سعيه إلى مشروع مد امتياز قناة السويس. كذلك اعترف الورداني بأنه خطط لقتل بطرس باشا غالي منذ زمن، ونفذ الجريمة عندما انقض الجاني على بطرس باشا بمسدس كان يحمله وأطلق عليه ست رصاصات، فأصابته اثنتان منها في رقبته وواحدة في كتفه الأيسر، وأخرى في جنبه الأيمن، وسقط على الأرض مضرجاً بدمائه. وقال وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة «يعلم الله أني ما أتيت أمرًا يضر ببلادي.. لقد رضيت باتفاقية السودان رغم أنفي وما كان يمكن أن اعترض».

أما الدكتور أحمد ماهر باشا، رئيس وزراء مصر في عهد الملك فاروق والقيادي في الحزب السعدي المنشق عن حزب الوفد، فقد اغتيل بحجة انحيازه لدول الحلفاء بزعامة بريطانيا ضد دول المحور، وقبيل اغتياله وجهت إليه انتقادات عديدة من الملك ومن الشعب. ويوم 24 فبراير 1945 اجتمع نواب البرلمان لبحث مسألة إعلان مصر الحرب على ألمانيا واليابان تمهيدًا لاشتراكها في مؤتمر سان فرانسيسكو وانضمامها لعصبة الأمم. وكانت وزارة أحمد ماهر قد أعدت بيانًا وافقت فيه على إعلان الحرب، وبعد أن ألقى ماهر باشا بيان الحكومة بهذا المعنى في مجلس النواب، انتقل إلى مجلس الشيوخ لكي يدلي بالبيان فيه، ولكنه أثناء اجتيازه «البهو الفرعوني» الذي يفصل قاعتي المجلسين، هاجمه محام شاب اسمه محمود العيسوي، وأطلق عليه الرصاص فأصابه إصابة أودت بحياته. ونصب في مكان الحادث تمثال تذكاري له. ويوم 28 ديسمبر (كانون الأول) 1948، أقدم الشاب عبد المجيد أحمد حسن على إطلاق الرصاص على محمود فهمي النقراشي باشا، رئيس الوزراء ـ وكان حليفاً لماهر باشا في الحزب السعدي ـ فور وصوله إلى مبنى وزارة الداخلية. وألقي القبض على الجاني وحكمت عليه المحكمة بالإعدام ونُفذ فيه الحكم. ويرجح كثيرون أن الشاب الذي قتله من جماعة الإخوان المسلمين، وأنه قد تأثر بالخصومة الواقعة بين النقراشي والجماعة، إذ كان النقراشي باشا مقتنعاً بأن حوادث القنابل والمتفجرات تلك الفترة كان خلفها شبان من المنتمين للإخوان. وقد بلغ اقتناعه ذاك حد اليقين فاستصدر قراراً بحل الجماعة ومصادرة أموالها في ديسمبر 1948 ولم تمضِ بضعة أسابيع حتى اغتيل، فكان ذلك بمثابة إعلان للحرب بينه وبينها.

وفي 12 فبراير 1949 اغتيل الشيخ حسن البنا، مؤسّس جماعة الإخوان المسلمين، أثناء مغادرته جمعية الشبان المسلمين، بعدما التقى بعض رفاقه وروّاد مجالسه، وقد أصيب معه رفيقه عبد الكريم منصور أثناء ركوبهما سيارة أجرة «تاكسي». ولقد أطلق عليهما شخص الرصاص وحاول الشيخ البنا الهرب، لكنه عاد لإنقاذ رفيقه وذهبا إلى المستشفى، إلا أن الأطباء ـ كما يروي بعض المؤرخين ـ تعمّدوا تركه ينزف حتى الموت بناء على تعليمات من الملك فاروق. ولم يُعثر على القاتل في ذلك الوقت، وقيل في ما بعد إن للملك فاروق يداً في الحادثة، وأن الحرس الحديدي نفذ المهمة.

وفي 18 فبراير 1978 اغتيل الأديب يوسف السباعي وزير الثقافة المصري يومذاك، في قبرص أثناء مشاركته في مؤتمر التضامن الأفرو ـ آسيوي السادس بصفته أمين عام منظمة التضامن الأفريقي الآسيوي. فأثناء تفقّد السباعي أمام مكان بيع الكتب والجرائد المجاور لقاعة المؤتمر، أطلقت عليه 3 رصاصات ليفارق على إثرها الحياة. وكان الجناة من الحركيين الفلسطينيين هما: زيد حسين العلي وسمير محمد خضر، وبرر الاغتيال بسبب رحلة السباعي إلى القدس مع الرئيس السادات في نوفمبر (تشرين الثاني) 1977 لعقد اتفاقية السلام مع إسرائيل.

ونظراً لأهمية قضايا الاغتيالات السياسية وخطورتها، خصّصت مكتبة الإسكندرية في مشروعها الجديد «ذاكرة مصر المعاصرة» ـ المزمع إطلاقه نهاية الشهر الجاري ـ قسماً يوثق لأهم قضايا الاغتيالات السياسية التي شهدها المجتمع المصري وأشهرها.

وفي حديث مع «الشرق الأوسط»، قال ممدوح مبروك المسؤول عن قسم الاغتيالات السياسية بـ«الذاكرة»، «هذا القسم يتناول حوادث الاغتيال التي شهدها التاريخ المصري الحديث، حيث نستطيع أن نلمّ بمثل هذه القضايا من خلال النصوص التي تشرح بالتفصيل ظروف حوادث الاغتيال، والأسباب التي أدت إلى ارتكابها، وأسماء مرتكبيها»، موضحا «أن الذاكرة لم تكتف بذلك، بل تعرضت أيضًا لأشهر محاولات الاغتيال لأبرز الشخصيات المصرية مثل: الخديوي عباس حلمي الثاني الذي تعرض لمحاولتين، الأولى في مايو (أيار) 1912 عن طريق شخص يُدعى إمام واكد، والثانية في يوليو (تموز) 1914 عن طريق شخص آخر يُدعى محمود مظهر. كما تطرّقت الذاكرة لحادث اغتيال وزير المالية أمين باشا عثمان في 5 يناير 1946، الحادث الذي اُتُهِم فيه (الرئيس) أنور السادات بارتكابه. ومن أشهر حوادث الاغتيال التي تعرضت لها ذاكرة مصر المعاصرة حوادث اغتيال رؤساء الوزراء المصريين مثل: بطرس غالي باشا وأحمد ماهر باشا ومحمود فهمي النقراشي باشا. وتناولت أيضاً اغتيال الشيخ حسن البنا المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، والأديب يوسف السباعي في العاصمة القبرصية نيقوسيا، وأخيرًا حادث الاغتيال المروع الذي تعرّض له الرئيس الراحل محمد أنور السادات يوم احتفاله بذكرى «حرب أكتوبر» المجيدة عام 1981».

ويؤكد مبروك أن «الذاكرة» لم تعتمد في عرضها لقضايا الاغتيالات السياسية على القسم الخاص بالنصوص فحسب، بل ضمت أقسامًا أخرى مثل: قسم الصور الذي يحتوي على عدة ألبومات خاصة بجميع الشخصيات التي تعرّضت للاغتيال في مختلف مراحل حياتها، بالإضافة إلى صور مرتكبي هذه الحوادث. ومن هذه الألبومات ألبوم صور أحمد ماهر باشا التي ضمت صوراً شخصية له مع عائلته، وأخرى رسمية خلال مصاحبته الملك فاروق في أحداث ومناسبات مختلفة. كما انفردت «الذاكرة» بملف فيديو يعرض مراسم جنازة ماهر باشا، وأهم الانجازات التي حققها خلال فترة توليه رئاسة الوزراء.

ويضيف مبروك «وهناك قسم الوثائق الذي يحتوي على ملفات قضايا الاغتيال، والتي أمكن الحصول عليها من المجلس الأعلى للثقافة، ومن هذه الملفات قضايا اغتيال كل من بطرس غالي باشا والنقراشي باشا والشيخ حسن البنا، وغيرها». ويشير إلى أن قسم الأرشيف الصحافي والأغلفة من الأقسام المهمة في «ذاكرة مصر المعاصرة» ولا سيما لجهة في تغطية الاغتيالات السياسية «فالأرشيف الصحافي يعرض مجموعة من المقالات، التي نُشرت في الصحف والمجلات المختلفة، شارحة معلومات مهمة وخطيرة عن حوادث الاغتيال، مثل مجموعة المقالات التي نشرت بمناسبة اغتيال ماهر باشا والنقراشي. كما يحتوي قسم الأغلفة على أغلفة أعداد المجلات التي صدرت بمناسبة الاغتيال، ومن أبرز هذه الأعداد عدد مجلة المصور الصادر في 2 مارس (مارس) 1945 بمناسبة اغتيال ماهر باشا وتصدّرت صورته غلاف هذا العدد».