رؤية سائق تاكسي في القاهرة للجدل بين الحزب الحاكم والمعارضة: المهم أسعار السلع.. وزحمة المرور

قيادي دعا من يعارضون من الخارج لاستغلال «مناخ الحرية» والمعارضة من الداخل

TT

بالنسبة للسائق المصري محمد عرفة الذي كان يتطلع لعناوين واحدة من صحف خاصة وحزبية تصدر بمصر، فإن مسألة خلافة جمال مبارك لوالده، الرئيس حسني مبارك، لا تمثل قضية جوهرية في حياته اليومية، مثلما تفعل غالبية تلك الصحف التي قال إنها تحاول شدَّهُ للتفكير فيمن سيكون زعيما لمصر خلفا لمبارك. ونظر السائق عبر زحام مرور شارع كورنيش النيل بالقاهرة أمام مقر الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم، حيث يكثر مترددون في مثل هذا التوقيت من السنة استعدادا لمؤتمره السنوي الذي سينعقد أول الشهر المقبل. وقال: «المهم هو ألا تزيد أسعار السلع الغذائية.. المهم يخلصونا من زحمة المرور في الشوارع عشان نعرف نشتغل». وكانت الصحيفة التي بين يدي عرفة تنقل في عناوين كبيرة ملونة توقعات لناشطين عما يمكن أن يسفر عنه مؤتمر الحزب الحاكم المقبل، وعن شكاوى أقباط المهجر (غالبية ناشطيهم يعملون من أميركا) ممن يقولون إنه اضطهاد للأقباط في مصر، إضافة لعناوين أخرى حول تقارير وأقوال لحقوقيين عن تعذيب بحق مواطنين بأقسام للشرطة، وتزوير انتخابات. وقال السائق وهو يلقي بالصحيفة جانبا: لا تهتم الصحف كثيرا بمشكلة المرور وبمشكلة ارتفاع أسعار البنزين والأكل وفواتير الكهرباء واسطوانات الغاز». وبعد أن بدأت السيارات في حركتها البطيئة المعتادة نظرا للتكدس المروري، كبس السائق على الدواسة، وتساءل وهو يرمق أعلام الدولة التي ترفرف فوق مبنى الحزب الحاكم: «تفتكر المؤتمر (مؤتمر الحزب الوطني) سيهتم بهذه المشاكل.. تفتكر جمال مبارك، لوحده، يقدر يحلها».

وبدا أن السائق، مثل غالبية المصريين، لا يضع على خريطة تفكيره أي اهتمام يذكر بالمعارضين الذين يملأون وسائل إعلام خاصة بجدل حول مستقبل الحكم في البلاد. ومن حديثه المتحفظ بدا أن عرفة لا يعرف الفرق بين الأحزاب الشرعية، وهي أحزاب صغيرة يتعدى عددها العشرين حزباً، أو جماعات تعمل بالسياسة بدون لافتة حزبية، كجماعة الإخوان المسلمين التي تعتبر التيار المعارض الرئيسي بالبلاد.

وبمرور الوقت فَتَرَ حماس السائق عرفة لما كانت تنقله وسائل إعلام من انتقادات للحزب الوطني، إذ أصبح معتادا نشر وسائل إعلام خاصة وحزبية لما يدبجه معارضون ضد الحزب الوطني وقيادات به، مع اقتراب موعد كل مؤتمر سنوي للحزب.. أو بحسب ما قاله الدكتور نبيل لوقا بباوي، وكيل لجنة الإعلام والثقافة بمجلس الشورى وعضو أمانة التدريب والتثقيف بالحزب الحاكم، لـ«الشرق الأوسط»، إن صحفا بأكملها أصبحت تعتمد في انتشارها على ما يُطلق من هجوم على الحزب يصل إلى شتائم واتهامات مُرسلة.. «يوجد قطاع من الشعب يعجبه ما يُكتب من اتهامات بحق الحزب الوطني.. إذا كانت لديهم أدلة فلماذا لا يتجهون بها للقضاء، بدلا من نشرها بلا أسانيد». وعن التساؤل الذي يفرضه ناشطون ووسائل إعلام على غالبية المصريين مع كل مؤتمر سنوي للحزب حول فُرص جمال مبارك في خلافة والده، قال بباوي إن صناديق الانتخابات هي التي ستحدد هذا، بعد أن يختار كل حزب المرشح الذي تنطبق عليه الشروط، لكن هذا موضوع موعده في عام 2011، ولا أحد في مصر يعلم ماذا سيحدث في السنة القادمة أو التي تلهيا أو التي بعدها». وطالب بباوي المعارضين للحزب الوطني داخل مصر وخارجها بالموضوعية في النقد، ودعا أقباط المهجر والناشطين الحقوقيين الذين يعارضون النظام المصري من الخارج بالعودة والمطالبة بما يشاءون من خلال المؤسسات المصرية، وأضاف: «توجد مؤسسات راسخة بمصر.. يوجد برلمان وقضاء وصحافة.. أقباط المهجر اللي بيجروا ورا أعضاء الكونجرس خليهم يرجعوا لمصر ويقولوا اللي عايزينه وينضموا لأحزاب تعارض الحزب الوطني».

وبينما يدافع صحافيون ومعدو برامج دردشة في قنوات خاصة، تنتقد الحزب الحاكم، بقولهم إنهم يعكسون، فيما يكتبونه ويقدمونه من موضوعات وبرامج، قلق غالبية المصريين تجاه مستقبلهم.. يقول أقباط مصريون يعيشون في الخارج إن المساوة بين المصريين تتطلب إجراء إصلاحات جذرية تزيل التمييز بين المواطنين، ويتمكن الأقباط بمصر من خلالها من تولي مناصب قيادية في البلاد. ورفع محامون من الحزب الحاكم عشرات الدعاوى القضائية وحصل بعضهم على أحكام بالحبس ضد ناشطين وصحافيين، أشهرهم الناشط الحقوقي المصري الدكتور سعد الدين إبراهيم، ما دفعه للخروج من مصر، وإبراهيم عيسى رئيس تحرير صحيفة «الدستور» الخاصة، الذي أدانه القضاء، وعفا عنه الرئيس مبارك بمرسوم رئاسي. وقال نجاد البرعي رئيس جمعية تنمية الديمقراطية لـ«الشرق الأوسط» إذا كانت هناك دعوة جادة من الحزب الحاكم لعودة الدكتور سعد الدين إبراهيم فيجب أولاً وقف ما رُفع ضده من دعاوى. ومثلما لا يدرك السائق عرفة ما يمكن أن يسفر عنه كل هذا الجدل بين المؤيدين والمعارضين، فإنه لا يدرك أيضاً أن الحزب الحاكم دشن في الشهور الأخيرة العديد من طرق الاتصال للترويج لسياساته قبل مؤتمره السنوي المقبل، منها 16 صحيفة شهرية في كل محافظة من محافظات الجمهورية الـ 28، و8 مواقع الكترونية آخرها خاص بمحافظة المنيا (جنوب)، ومجموعات على الفيس بوك، وإذاعة انترنتية اسمها «راديو المصريين».