مسيرة بدأت بالعبودية ولم تنته بثورة الحقوق المدنية

TT

يتحدر معظم السود في الولايات المتحدة من الافارقة الذين تم استقدامهم الى اميركا بين عامي 1619 و1865، بعد أن باعتهم حكوماتهم للاوروبيين أو بعد أن خطفهم المستعمرون الاوروبيون وأحضروهم الى اميركا لبناء «العالم الجديد». وهناك جزء آخر من الذين هاجروا الى الولايات المتحدة بارادتهم من افريقيا وبلدان جنوب أميركا، يعرفون عن أنفسهم أيضا بأنهم من جذور أفريقية.

والسود الذين استقدموا ليخدموا كعبيد منذ بداية القرن السابع عشر، أحضروا من بلدان مختلفة من وسط وغرب أفريقيا. ووصلت أول مجموعة من العبيد الى جايمس تاون في ولاية فرجينيا في العام 1619. وكان يعمل السود في البداية في الاعمال الزراعية وخاصة في زراعة القطن والتبغ، كما كانوا يعملون أيضا كخدم في البيوت. وكانت كل عائلة من بين أربع عائلات تقريبا في ولايات الجنوب، تملك عبدا. وبحسب مركز التعداد السكاني الاميركي في العام 1860، كان هناك 385 ألف عائلة من البيض تملك عبدا، من بين 1.5 مليون عائلة في ولايات الجنوب. وعلى الرغم من صدور قانون في العام 1808 منع استقدام المزيد من العبيد من أفريقيا، إلا ان هذه التجارة لم تتوقف إلا بعد حوالي نصف قرن. خلال الانتخابات الرئاسية في العام 1860، كان ابراهام لينكولن، مرشح الحزب الجمهوري، يدعو في حملته الى وقف توسيع رقعة العبودية خارج الولايات التي هي مسموح بها أصلا. وبفوز لينكولن، أعلنت سبع ولايات انها تريد الانفصال عن الاتحاد، ورفض لينكولن الانفصال واعتبره بمثابة ثورة على الاتحاد. فنشبت الحرب الأهلية في العام 1861 بين الحكومة الفدرالية أو حكومة الاتحاد، وأحدى عشرة ولاية جنوبية رفضت التخلي عن العبودية. وانتهت الحرب الاكثر دموية في تاريخ البلاد في العام 1865، والتي أدت الى مقتل 620 ألف جندي وعدد كبير غير معروف من المدنيين، الى انهاء العبودية واستعادة السيطرة على ولايات الاتحاد. وفي السادس من ديسمبر (كانون الاول) 1865، منعت العبودية في الولايات المتحدة وأطلق ما يزيد عن أربعة ملايين عبد أسود. كان يعيش 95 في المائة من السود في ولايات الجنوب، وكانوا يشكلون ثلث السكان هناك مقارنة بواحد في المائة من السكان في الشمال. وفي بداية القرن العشرين، شهدت الولايات المتحدة فترة انحطاط في حقوق السود، واصبحت قضية العنصرية أسوأ مما كانت عليه في نهاية القرن التاسع عشر. وخلال هذه الفترة، عاد الاميركيون السود وخسروا الكثير من حقوقهم التي كانوا قد حصلوا عليها في العام 1865. وظهرت أعمال عنف كثيرة بسبب كره السود وخرج البيض في تظاهرات ضدهم. ومع «الهجرة العظيمة» التي بدأت بعد الحرب العالمية الاولى ونزح خلالها ملايين السود من ولايات الجنوب الى ولايات الشمال حيث التمييز العنصري أقل والفرص أفضل، توسعت رقعة العنصرية من الجنوب لتطال كل البلاد. وتفجرت اعمال عنف عنصرية بلغت ذروتها في العام 1920. وفي الثلاثينات انطلقت ثورة الحقوق المدنية التي قادها سياسيون سود بارزون.

وبدأت الثورة تؤتي ثمارها في العام 1941 مع توقيع الرئيس فرانكلين روزفيلت، ومن بعده هاري ترومان، على قوانين تمنع التمييز العنصري ضد السود في مجالات الدفاع والجيش. إلا ان النتائج الكبيرة التي حققها السود كانت في العام 1964 مع حصولهم على حقوقهم المدنية، بعد ثورة مدنية قادها القس مارتن لوثر كينغ في الستينات. وازدادت الفرص امام الاميركيين السود بعد هذا القانون، إلا انه لا يزال السود يعانون حتى اليوم من مستوى بطالة أكبر من غيرهم ومن مستوى فقر مرتفع مقارنة بالفئات الاخرى. اليوم يشكل الاميركيون السود نحو 13 في المائة من مجموع السكان في البلاد، ويبلغ عددهم نحو 40 مليونا. وقد برز عدد كبير منهم في مجالات مختلفة خصوصا في الرياضة مثل محمد علي كلاي، الملاكم الشهير الذي توج في العام 1999 «ملاكم القرن»، والسينما مثل هالي بيري التي كانت اول ممثلة اميركية سوداء تفوز بجائزة اوسكار افضل ممثلة، وفي التلفزيون مثل اوبرا وينفري التي حققت ثروة طائلة من برنامج تلفزيوني. وعلى الرغم من بروز بعض الوجوه في مجال السياسة مثل كولن باول وزير الخارجية السابق، وكوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الحالية، الا ان الاميركيين السود لم يتمكنوا بعد من تحقيق الكثير على الصعيد السياسي مقارنة بالذي تمكنوا من تحقيقه في المجالات الاخرى. ويشكو بعض قادتهم من انهم غير ممثلين بشكل عادل في الكونغرس، إذ يضم مجلس النواب 42 عضوا أسود وهؤلاء يشكلون 9.5 في المائة من مجموع أعضائه، وفي مجلس الشيوخ هناك عضو أسود واحد هو باراك أوباما.