لقد فعلت خيراً وحسنا ما قامت به أمانة احتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية عندما قررت وفي مساء تموزي دمشقي أن تطلق جولة سياحية تراثية لمن يرغب من زوار دمشق والسياح والمتابعين لأنشطتها في منطقة ساروجة وسط العاصمة دمشق، ففي ساروجة وهي الحارة التي أسست في العهد المملوكي وفيما بعد أعجبت العثمانيين كثيراً عندما دخلوا دمشق، فسكنها قادة جيشهم وكبار القوم حتى أطلقوا عليها لقب:( اسطنبول الصغرى) فبنوا فيها البيوت والقصور وأسسوا سوقاً كبيرة وحمامات ومساجد وجعلوا محكمتهم فيها (مبنى فندق الحرمين حاليا) وكذلك مقر العديد من مؤسسات إدارة الحكم. ويبدو أن إعجابهم بساروجة جاء كونها تقع في وسط دمشق فهي تفصل حارات ومناطق داخل السور عن المناطق خارجه وتحديداً بين حي العمارة داخل السوق ومنطقة البحصة والصالحية خارجه وساروجة التي قسمها شارع وجسر الثورة الحديث الذي شيدته الحكومة السورية قبل حوالي 40 عاما فأصبحت ساروجة منطقتين سميت الأولى العقيبة وهي مجاورة لحي العمارة والسور التاريخي وساروجة الثانية المجاورة للصالحية وقد عانت في السنوات الماضية وكاد يقضى على مبانيها القديمة من خلال زحف تجار ومقاولي الأبنية الحديثة لولا صدور توجيه من أعلى مستويات القيادة السورية قبل خمس سنوات بالمحافظة على ساروجة وعدم هدم أي مبنى فيها والعمل على ترميمها وهكذا صمدت ساروجة كمنطقة تراثية وتاريخية وسياحية في قلب دمشق.
هدوء يفصل السائح عن ضجيج الشوارع يمكن للسائح والزائر أن يدخل ساروجة من عدة منافذ ومنها من جوار سوق الخجا أو شارع الثورة أو من البحصة أو من أماكن تجمع حافلات النقل الجماعي في الجهة المقابلة لساحة المرجة الشهيرة من هنا يشعر الداخل وكأنه انقطع عن العالم الخارجي وعن ضجيج الشارع المزدحم وضجيج الآليات الكبيرة والصغيرة وهي تعبر وتتوقف كل ثانية ودقيقة بالعشرات، من هنا يدخل السائح إلى ساروجة عبر جزء منها سمي(حارة جوزة الحدبا) نمر عبر محلات تراثية كل شيء فيها يوحي أننا انتقلنا من دمشق الحديثة إلى دمشق التراث من الازدحام والضجيج إلى هدوء الأزقة الضيقة المرصوفة بحجر اللبون، ففي هذه الحارة تنتشر محلات بيع الأنتيكا والشرقيات وغيرها ونحن ننتقل وننظر في هذه المحلات يقترب رجل كبير في السن وهو صاحب محل لتصنيع وبيع الآراكيل ويتطوع ليشرح لنا عن حارة جوزة الحدبا، ولماذا سميت كذلك؟، كما سمعها من والده وجده قائلاً انه كان هناك شجرة جوز كبيرة متحدبة ولها أغصان مائلة في وسط الحارة وكان سكان الحارة يركبون الحمير والحناتير ليخرجوا منها وكانوا مضطرين للمرور تحت الشجرة حتى يعبروا بسلام فأطلقوا عليها هذا الاسم.. لكن ذهبت الشجرة كما ذهب الحمير والحناتير كوسيلة تنّقل من الحارة. وبينما يكلمنا الرجل المسن يقترب شاب من الحارة يعرفني بنفسه ابن المسن ويدعى يحيى حرب ويتطوع لمرافقتنا في جولتنا بكل أزقة ومواقع وسوق وفنادق ومقاهي وقصور ساروجة ولم يتوقف الأمر هنا، بل اكتشفنا ان هذا الشاب وهو يمتلك أيضاَ محلا في الحارة نفسها يمتلك معلومات كثيرة عن ساروجة ولنكتشف أيضاً أن هناك أمورا جديدة لم تكن موجودة قبل عدة سنوات وهي تطوع الشباب من المجتمعات المحلية في الأماكن السياحية والتاريخية السورية ليكونوا أدلاء سياحيين ومن دون أي مقابل مادي، بل لخدمة السياح والسياحة في مناطقهم.
فنادق حالمة ومقاه صغيرة ولكن رائعة ونتجول برفقة يحيى في ساروجة نعبر الأزقة والسوق والأماكن إننا فعلاً في اسطنبول، لكنها اسطنبول الدمشقية السورية الصغرى، فرغم حركة القاطنين والسياح الكثر ومعظمهم من ذوي البشرة البيضاء حيث يزورون ساروجة بكثرة فتشعر وكأنك في حلم وخيال. هنا كان أهل الحارة مجتهدين فحولوا عدداً من الدكاكين والغرف الصغيرة بمبانيها التراثية إلى مقاه صغيرة فيها كل ما يرغبه السائح وكأنه في مقهى كبير مع فرق مهم أنهم حرصوا على وضع مساند خشبية تراثية للجلوس مع بسط جميلة خارج المقاهي وبجوارها فيما وضعوا داخلها كراسي صغيرة تسع لعدد قليل من الزبائن والبعض وضع مساند على الأرض وكأنه في مضافة عربية ليعمق من دور هذه المقاهي التراثي، خاصة أن الأوروبيين يعشقون التراث والجلوس على الأرض مع المهباج والاركيلة والقهوة العربية!.. من جهتهم أصحاب عدد من البيوت التقليدية حولوا بيوتهم لفنادق ولو بغرفها الصغيرة، لكن هناك البحرة والزخارف الرائعة وكل ما له علاقة بالبيت الدمشقي القديم فشاهدنا العشرات من السياح يقيمون بهذه الفنادق الحالمة الرائعة بجوها الدمشقي الساحر ويؤكد لنا مرافقنا يحيى أن عددها حوالي 6 فنادق فيما هناك أكثر من عشرة مقاه في ساروجة.
نتجه بعد ذلك لنشاهد حمامات ساروجة ومنها ما أهمل ويحتاج لترميم كحمام الجوزة في حارة جوزة الحدبا، حيث تهدم سقفه قبل ثلاث سنوات وأغلق الحمام من حينها وهناك حماما الورد والخانجي ما زالا مفتوحين ويستقبلان الرواد من سياح وزبائن حمامات السوق ومن الأماكن التاريخية في ساروجة هناك جامعا الورد الكبير والصغير وجامع بلبان وجامع الصبح وهناك مدافن عثمانية يتذكرها يحيى جيداً فهي كانت ظاهرة حتى منتصف تسعينات القرن الماضي، لكن يقول إن اليوم غطتها المستودعات وبقيت الشواهد وهناك مقام صارم الدين صاروجا المملوكي، الذي أخذت المنطقة اسمها منه وهو مقفل ويتداخل مع منزل لأحد سكان الحارة وتوجد كتابة قديمة على جداره.
ونسير مع يحيى في ساروجة ليوصلنا إلى عدد من البيوت الكبيرة، حيث نشاهد ورش ترميم تعمل فيها، لكن يفاجئنا يحيى ويدخلنا في بيت، بل قصر كبير واسع إنه أشبه ما يكون بقصر العظم الشهير داخل السور مع الفارق بأنه أصغر قليلاً، حيث تبلغ مساحته 1580متراً مربعاً ومساحته الطابقية 2645 مترا مربعاً ولنكتشف أن هذا القصر وهو مبني في القرن السابع عشر يحتاج للكثير من أعمال الصيانة والترميم، هو بيت العابد الذي يعود لأول رئيس للجمهورية السورية محمد علي العابد الذي انتخب سنة 1936 ابان الانتداب الفرنسي على سورية وتحول البيت إلى قصر جمهوري وبعد انتقال القصر الجمهوري إلى منطقة المهاجرين ظل سكنا للرئيس العابد حتى عام 1942 فشغلته المدرسة الأميركية بدمشق ومن ثم اشتراه أحد الدمشقيين وهو سليم اليازجي وأنشئت فيه المدرسة الأهلية، ثم أصبح مدرسة حكومية وفي عام 1995 أعيد القصر لمالكه اليازجي وهو مهتك ويحتاج لترميم واسع.
وهذه أرقام هواتف أبرز فنادق وحمامات ساروجة لمن يرغب: فندق البرج الفضي (نجمتان 2318134) العاصمة (نجمتان 2318567) الحرمين (نجمة 2319489) الربيع (نجمة 2318374) السعادة (نظام دور مفروشة2314559) حمام الخانجي (2315358) حمام الورد (2314307).