المأذون الشرعي يعود إلى البلقان

بعد طي صفحة الشيوعية

كثير من المسلمين في البلقان، وبالذات في جمهورية البوسنة والهرسك، يعزون هذه الظاهرة إلى الرغبة في العودة إلى التقاليد الإسلامية («الشرق الأوسط»)
TT

يُعدّ الإقبال على الاستعانة بـ«المأذون الشرعي» من الظواهر الجديدة في مناطق المسلمين في البلقان بعد حرب التسعينات. إذ لا تكاد تمرّ زيجة من دون حضور «المأذون»، قبل توجّه العروسين إلى مقر البلدية لتسجيل الزواج في السجلات المدنية. كثير من المسلمين في البلقان، وبالذات في جمهورية البوسنة والهرسك، يعزون هذه الظاهرة إلى الرغبة في العودة إلى التقاليد الإسلامية، التي حوربت في العهد الشيوعي، والذي يقرنه البعض بـ«عهد الإرهاب» في فرنسا بعيد تفجّر الثورة الفرنسية، التي بدأت تحرّرية.. وفي نهاية المطاف انتهت بـ«امبراطورية» نابليون بونابرت. ياسمين نوركيتش، 26 سنة، وهو طالب في السنة الرابعة بكلية الدراسات الاسلامية، تزوّج أخيراً على يد مأذون شرعي، قال لـ«الشرق الأوسط» إن سبب الإقبال على عقد القران لدى مأذون شرعي «يعكس العودة الجماعية إلى الدين، ولا سيما في أوساط فئة الشباب». وأردف «المسلمون في كرواتيا سيتمكنون من الآن فصاعداً من توثيق عقود الزواج لدى المأذون الشرعي، من دون الحاجة إلى البلدية، كما كان الوضع في السابق، بعد تغيير القانون الخاص بالأحوال المدنية». واعتبر نوركيتش هذا مؤشراً على أن «التديّن يكتسح العالم.. وانه لأمر جيد أن يعود الدين بقوة إلى أوروبا. وبالنسبة لي هذا أمر شرعي يجب التقيد به، وهو يساعد المسلمين إلى جانب الفرائض والشعائر الأخرى على الحفاظ على هويتهم». ثم تابع انه شخصياً عقد قرانه لدى مأذون شرعي «وأدعو الله أن يبارك هذا الزواج». وحول رغبة الفتيات في عقد قرانهن لدى مأذون شرعي، أشار نوركيتش إلى أن «الفتيات يجذبهن بشدة بند المهر في شروط الزواج الأربعة وفق الشريعة الاسلامية، وذلك بعد حالات الطلاق وارتفاع نسبة فشل الزيجات المعقودة في البلديات». واستطرد قائلا «هناك نساء مطلقات لديهن أطفال، ويمثل المهر سواء المقدم أو المؤخر بعض المواساة للمرأة، وذلك سواء كانت المطلقة تعمل أو لا تعمل.. وفي الحالة الثانية يصبح الأمر أكثر إلحاحاً». وأعرب عن اعتقاده بأن 80 في المائة من الزيجات تتم الآن لدى مأذون شرعي رغم مجانية التسجيل في البلدية مقابل نحو 50 يورو لدى المأذون الشرعي». وترى شايلا قادريتش، 21 سنة، وسنة الثالثة في كلية الهندسة الزراعية، أن «عقد القران لدى المأذون الشرعي واجب على كل مسلم ومسلمة وليس لدي تعليق آخر»، في حين ذهبت أميرة فوكاليتش، 22 سنة، وهي في السنة الثالثة بكلية العلوم السياسية، إلى اعتبار عقد القران لدى مأذون شرعي، يقتصر على المتدينين فقط. وتابعت «نحن لسنا دولة تطبّق فيها الشريعة الاسلامية، لذلك فإن كتابة عقود الزواج لدى مأذون شرعي يقتصر على المؤمنين فقط وهم حريصون على ذلك، وارتفاع نسبة الإقبال يعكس تنامي أعدادهم في المنطقة»، ثم أوضحت أنه «نظراً لأن الشريعة غير مطبقة صار الناس يذهبون أولاً للبلدية، ومن ثَم يعقدون القران لدى المأذون الشرعي». ووفقاً لمعمر أحمد بيغوفيتش، 24 سنة، في السنة الرابعة بكلية العلوم السياسية، فإن «عقد القران لدى مأذون شرعي أمر طبيعي بالنسبة لعموم المسلمين، سواء كانوا متدينين أو غير ذلك، لا سيما أولئك الحريصين على أن تكون حياتهم وفقاً للشريعة الاسلامية».

ويذهب ألمير، 27 سنة، وهو مهندس كهربائي، إلى اعتبار عقد القران لدى البلدية «غير شرعي» رغم وجود فتوى تبيح ذلك، بل تشترط ذلك لصحة العقد، ويعتقد أن «الفتوى أثرت على مدى الاقبال على عقد القران لدى المأذون الشرعي، لذلك فإن نسبة الاقبال من وجهة نظري، لا تتجاوز الاربعين في المائة في أوساط المسلمين». ثم واصل حديثه قائلاً «هناك من لا يرغب في تسجيل زواجه عند المأذون الشرعي، أو لدى البلدية، وهناك زيجات غير مسجلة وأطفال غير مسجلين أيضاً».

أما شمس خليلوفيتش، 25 سنة، في السنة الثالثة بكلية الفلسفة، فيجزم بأن «الحرص على عقد القران لدى المأذون الشرعي موجود لدى مختلف الطبقات والشرائح الاجتماعية والثقافية، وهو ليس وليد اليوم، بل كان كامنا في الأعماق، وضمر بسبب الخوف من الشيوعية، لكنه الآن يعبر عن نفسه في ظل الحرية بعد الاستقلال». في المقابل ترى نرمين بورزيتش، 21 سنة، في السنة الثانية بكلية العلوم السياسية/ شعبة الصحافة، «أن من اسباب الإقبال على عقد القران لدى المأذون الشرعي، كونه ظاهرة جديدة، والناس يحبون كل جديد، رغم أنه من أساسيات التراث الثقافي لدى المسلمين».

ولكن ما هو رأي رجال الدين في هذا الوضع؟ الشيخ فريد داووتوفيتش، 46 سنة، كبير الإئمة في إقليم سراييفو عاصمة البوسنة، الذي يعمل مأذوناً شرعياً، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «عددا كبيرا من الشباب يميل اليوم لعقد قرانه لدى المأذون الشرعي، ونحن نلاحظ ذلك منذ انتهاء حرب الإبادة في البوسنة». وعن دوافع الشباب ولا سيما الفتيات، أشار إلى داووتوفيتش إلى أن «الزواج لدى المأذون الشرعي يعطي ضمانات أكثر للمرأة، وهو دليل لدى الزوجين، على أن الإسلام يمثل أساس حياتهما، وليكون زواجهما سعيداً ومباركاً». وحول ما يقال عن أن المتدينين فقط يسعون لعقد قرانهم لدى المأذون أجاب «الإقبال من جميع فئات المجتمع، ولكن المتدينين الأعلى نسبة من بين الراغبين في عقد قرانهم لدى مأذون شرعي». وذكر أن «هناك مسودة قانون لجعل الزواج الشرعي معترفاً به قانونياً، بحيث لا يعود ثمة حاجة إلى الذهاب للتسجيل لدى البلدية»، لكنه لم يجزم بتاريخ نفاذ مفعول القانون الذي لم يصادق عليه بعد، معرباً عن أمله في أن يكون العام المقبل 2009. ثم أضاف «أي شخص يرغب في عقد قرانه لدى المأذون الشرعي نرحب به، بقطع النظر عن الطائفة التي ينتمي إليها». وحول ما إذا كان هناك أشخاص من الطوائف الأخرى، يعقدون قرانهم لدى المأذون الشرعي، قال «نعم، هناك العديد من الصرب والكروات الذين دخلوا في الاسلام، عقدوا قرانهم لدى المأذون الشرعي». وعن قيمة العقد ذكر داووتوفيتش بأن «التسجيل هنا بـ15 يورو، ولكن عند الحاجة للسفر ترتفع الرسوم إلى 50 يورو وهي قيمة في متناول الجميع». وعن نسبة الراغبين في الزواج على الطريقة الاسلامية في المجموع العام قال كبير الأئمة «لا أستطيع أن أعطيك نسبة محددة، ولكن لدينا أرقام العام الماضي وهذا العام، على سبيل المثال، ففي إقليم سراييفو (450 ألف نسمة) سجلنا العام الماضي 781 عقد زواج في المدينة و1150 في الاطراف أو الضواحي. وهذا العام سجلنا 978 في المدينة و1456 في الضواحي. مع العلم أن هناك 10 محافظات أو كانتونات في البوسنة وحدها، فإذا ضربت الرقم في 10 تحصل على عدد تقريبي لكل الزيجات التي حصلت عندنا، وهناك محافظات مثل توزلا فيها 800 ألف ساكن أي ضعف سكان سراييفو تقريباً».