«كوبري أكتوبر» .. «شرفة» القاهرة تحت الصيانة

يعد شريان القاهرة المروري

كوبري أكتوبر.. الشريان المروري الاهم في القاهرة (تصوير: عبد الله السويسي)
TT

لم يعد غريبا أن يجد المار بسيارته فوق كوبري السادس من أكتوبر أحد الباعة الجائلين يعرض بضاعته فوق الكوبري الذي يعد أحد أبرز ملامح العاصمة المصرية القاهرة.

كوبري أكتوبر كما يسميه القاهريون بدأ العمل به من أواخر ستينيات القرن الماضي وانتهت آخر امتداداته قبل شهرين فقط، يمثل لدى المصريين الشريان المروري الأهم الذي يؤدي توقفه لإصابة العاصمة بسكتة مرورية، في حين تبعث سيولته القليلة، بل النادرة، على السعادة، وتختصر زمن أي رحلة مرورية إلى ثلث الوقت. الباعة الجائلون في الماضي القريب كانوا يقتنصون جنيهات قليلة من جيوب زبائنهم العشاق الصغار الذين يقتنصون سويعات غرامية مع بعضهم البعض، على أحد جنبات الكوبري المطلة على النيل، للحديث عن حبهم الصغير ومشاكلهم الكبيرة.

ومع ازدياد أعداد السيارات في الأعوام الماضية، تحولت السيارات المارة بدورها إلى زبائن متوقعة للباعة الجائلين بالنظر إلى بطء السير، والزحف الوئيد لسلسلة طويلة من السيارات التي أعياها الضجر، فتكون الفرصة سانحة لبيع المناديل أو الورود.

ولا يقتصر دور الكوبري في المجتمع المصري على أنه أهم شريان مروري، حيث اعتبره المصريون متنزها في حد ذاته، فقد تحول من مجرد جسر أسمنتي إلى بلكونة (شرفة) للراغبين في الوقوف قليلا في الهواء الطلق وتنسم دفعة من الهواء النظيف بعيدا عن هموم السحابة السوداء، وزحام وسط البلد القاتل، على الرغم من وجوده في وسط البلد، إذ أن ارتفاعه النسبي عن سطح الأرض وإطلاله على نهر النيل يجعل الوقوف هناك حدثا مميزا وفرصة لالتقاط الأنفاس والتصالح المؤقت مع القاهرة.

ولا يقتصر أهمية الكوبري على ما سبق فقط، فهو (الكوبري) لا يزال يحافظ على مكانته بين كباري العاصمة، بوصفه الموقع الأبرز الذي يسعى القاهريون إلى تسجيل لحظاتهم التاريخية فوقه، ولا يكاد يمر يوما إلا وترى هناك حفلة زواج تجري طقوسها على متنه، فأبناء الطبقة الفقيرة وحتى المتوسطة يعتبرونه بمثابة أفضل مكان لتسجيل تلك اللحظة السعيدة، رغم دخول عدد من الكباري الأخرى المنافسة معه لاسيما كوبري المنيب الذي يشرف على الطريق الدائري الذي يمر فوق النيل في جنوب العاصمة، غير أن ظهور الخلفية الأثيرة لمبنى التلفزيون ومبنى وزارة الخارجية الفخم في صور الزفاف يحسم دون تردد النتيجة لصالح كوبري أكتوبر، على الرغم من الهدوء النسبي الذي يتمتع به الطريق الدائري البعيد عن زحام العاصمة.

وتأخذ المنافسة أشكالا أخرى حين يمكنك فوق كباري مثل «الجامعة» و«عباس»، و«روض الفرج»، أن تتناول مشروبا ساخنا أو باردا وأنت ترنو لمياه النيل، فهناك تصطف عشرات العربات الخشبية الصغيرة المشهورة بتقديم تلك للمشروبات على أرصفتها، أما في الشتاء فيتمتع القاهريون هناك بتناول حمص الشام الساخن الذي يساعدهم على تجاوز برودة الجو النسبية مقارنة بالعاصمة الدافئة بدخان سياراتها.

كوبري أكتوبر أطول جسور العاصمة وأحد مشاهدها المتميزة، يمتد من منطقة الدقي غرب القاهرة وحتى مشارف حي مدينة نصر في شرقها، مرورا بأهم ميادين القاهرة وشوارعها، وتم بناؤه على عدة مراحل، وفي أثناء تشييد إحدى مراحله قامت حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973، فتم تغيير اسم الكوبري من كوبري «رمسيس» إلى كوبري «6 أكتوبر» احتفاء بذكرى النصر على إسرائيل.

المار على الكوبري، إضافة إلى كل معاناة الزحام أصبح يعاني من قدم الكوبري فسنوات عمره قاربت على الأربعين دون صيانة منذ البدء في إنشائه، لكن تنبهت الحكومة للأمر أخيرا، ومدت يد العون للكوبري في إعلان محافظ القاهرة البدء في عملية صيانة للكوبري، وذلك في إطار خطة لرفع كفاءة الكباري والتي يصل عددها إلي 130 كوبري. بدأت بالفعل عملية الصيانة للكوبري، لكنها تثير صخب العابرين نتيجة لبطء السير فوقه، إذ تقوم السلطات بعملية تحويل مسار المرور على الكوبري اعتبارا من مساء كل يوم خميس وحتى فجر يوم الأحد من كل أسبوع، وهي العملية التي ستستغرق ست مراحل، تستمر كل مرحلة لمدة شهر، ورغم ضيق العابرين الكوبري وتبرمهم، إلا أنهم بالرغم من ذلك لا يمكنهم سوى تحمل مشقة الانتظار، معتبرين إياها حلا سحريا مقارنة بالنزول إلى معركة مرورية حقيقية تجري فصولها منذ ساعات الصباح الباكر بالأسفل، حيث يتسابق الجميع للهروب من إشارات المرور اللاهثة.