برلسكوني يملك أكبر شبكة إعلام في إيطاليا.. ومع ذلك يحارب الصحافيين في المحاكم

السياسيون الإيطاليون غالبا ما يقاضون الصحافيين لدرجة دفعت بالاتحاد الصحافي لإنشاء «صندوق تضامن»

TT

يحكم رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني، البلاد معتمداً على أغلبية قوية داخل البرلمان، ويتولى الإشراف على راديو وتلفزيون إيطاليا، التابع للدولة والمعروف اختصاراً باسم «آر إيه آي»، علاوة على امتلاكه أكبر شبكات تلفزيونية على مستوى البلاد. ولكن لماذا، رغم تمتعه بكل هذه الأدوات الإعلامية في متناوله، يستمر رئيس الوزراء في الاستجابة لمنتقديه من الصحافيين، ليس من خلال شاشات التلفزيون أو عبر الصحف، وإنما عن طريق رفع دعاوى قضائية ضدهم؟ فعلى مدار السنوات الأخيرة، تقدم برسلكوني بدعاوى قضائية ضد مجلة «إكونوميست» لنشرها مقالا عنه وصفه بأنه: «غير مؤهل لإدارة شؤون إيطاليا»، وكذلك ضد الصحافي البريطاني ديفيد لين بسبب كتابه الصادر في عام 2004 تحت عنوان «ظل برلسكوني»، والذي عمل خلاله على استقصاء أصول ثروة برلسكوني، منوهاً بأن بعض أعوانه جرى التحقيق معهم بناءً على اتهامات بارتباطهم بالمافيا. وقد خسر رئيس الوزراء الإيطالي هذه القضايا في المحكمة الابتدائية، ما ترتب عليه إما استئنافه الحكم أو لاتزال لديه إمكانية القيام بذلك. والآن، ركز برلسكوني على ألكسندر ستيل، أبرز الصحافيين الأميركيين المعنيين بالشؤون الإيطالية وأحد أقوى الأصوات المنتقدة لرئيس الوزراء من بين أبناء اللغة الإنجليزية. ولا يعد برلسكوني متفرداً في رفعه دعاوى قضائية ضد الصحافيين، ذلك أنه في إيطاليا حيث غالباً ما يتعامل الصحافيون مع الحقائق بعدم اكتراث وتم تصميم النظام القانوني بما يكفل حماية السمعة الشخصية. وكثيراً ما يلجأ السياسيون والقضاة والشخصيات العامة لمقاضاة الصحافيين، لدرجة دفعت الاتحاد الإيطالي الصحافي الوطني لإنشاء «صندوق تضامن» للمساعدة في سداد التكاليف والرسوم القانونية والتعويضات. وعلق فرانكو إبروزو، بروفسور الصحافة ورئيس التحرير السابق لصحيفة «إل سولي 24 أوري» اليومية المعنية بالقضايا المالية، على الأمر بقوله: «إنها أحد أساليب التهديد التي تستغلها الطبقة السياسية». بيد أنه عندما يكون المدعي هو برلسكوني، يكتسب الوضع حتماً أبعاداً أخرى. وقال لين، مراسل الـ«إكونوميست» في روما وأحد من استهدفهم برلسكوني، إن «الذي يصنع الاختلاف هنا أنه أقوى سياسي في إيطاليا وأغنى رجل فيها. إنه يسيطر على وسائل الإعلام. إنه يتحرك من موقف بالغ القوة». وينظر البعض إلى مثل هذه الدعاوى القضائية باعتبارها جزءا من جهود أوسع مثيرة للقلق يحاول برلسكوني من خلالها تخويف الصحافة، حتى في الوقت الذي يزعم أنه يتعرض لانتقادات من جانب المنظمات الإعلامية الإخبارية التي يسيطر عليها. وفي العام 2002، انتقد برلسكوني ثلاثة نقاد ينتمون إلى التيار اليساري، هم الممثل الكوميدي دانييل لوتازي، ومقدم البرامج الحوارية ميشيل سانتورو، والصحافي إنزو بياجي، عبر محطة آر إيه آي، التي سرعان ما لغت عقودهم. (ولكن في النهاية، عاد كل من لوتازي وسانتورو إلى التلفزيون، وتُوفي بياجي العام السابق). واليوم، تمنح المحطة وقتا ضئيلا للغاية لكل من سابينا غوتزانتي التي تشتهر بتقليدها أعضاء الحكومة، وبيبي غريلو الذي ينتقد الحكومة على غرار مايكل مور في الولايات المتحدة، للظهور على شاشاتها، رغم الشعبية الكبيرة التي يتمتعان بها. إلا أن شبكة ميدياست التي يملكها برلسكوني، تبث برنامجاً فكاهياً تحت عنوان «ستريسكيا لا نوتزيا» والذي عادة ما يسخر من رجال السلطة.

وقال ستيل، الأستاذ في كلية الصحافة في جامعة كولومبيا ومؤلف عدد كبير من الكتب المقروءة في إيطاليا، أن مقاضاته بسبب نشر الحقائق كانت تجربة مشابهة «لتجربة كافكا». وقال: «لو كانوا مهتمين حقا بوضع الأمور في نصابها الصحيح وإعلان الحقيقة، لكان أمامهم طرق أبسط من ذلك». وبموجب القانون الإيطالي، يعادل نشر خبر إجراء تحقيقات مع شخص ما درجة السب والقذف. ولكن من الصعب الفوز في قضايا السب والقذف، وغالبا ما يكون تأثيرها سلبيا على الشخصيات العامة. ولكن يؤكد ستيل وآخرون أن الهدف ليس الفوز بالحكم بقدر ما هو تخويف الصحافيين والمؤسسات الإخبارية باحتمالية دخولهم في إجراءات تستغرق وقتا طويلا ومكلفة في المحاكم إذا كتبوا شيئا لا يلقى القبول. وأضاف ستيل: «في كل من هذه القضايا، ربما تؤثر على سلوك 100 صحافي آخر». ويبدو أن هذه القضية لها تأثير.

* خدمة «نيويورك تايمز»