العراقيات يستغللن اختفاء المسلحين من الشوارع لقيادة السيارات

انتشار مدارس تعليم السياقة وإحداها تسجل زيادة بنسبة 70% في عدد المتعلمات

TT

بعد اختفاء المسلحين المقنعين من غالبية شوارع بغداد وانخفاض أعداد السيارات المفخخة التي تهز شوارعها إلى واحدة أو اثنتين يوميًا، قامت هديل أحمد الطالبة الجامعية بأمر لم تقدم عليه سوى القليل من العراقيات في السنوات الأخيرة، بقيادة سيارتها.

وقالت هديل التي تبلغ من العمر خمسة وعشرين عامًا بعد أنهت درسها في مدرسة الرياض لتعليم القيادة «كنت أشعر بالضيق من الاعتماد على أخي أو أبي لكي يرافقاني في كل مكان، أنا أرغب في ان أكون مستقلة».

وقد منعت العراقيات من ركوب السيارات بعد الغزو الأميركي للعراق في عام 2003. فانتشار المعارك الضارية ومقتل شرطة المرور، قد أحال الطرق في بغداد إلى ساحة قتل، وإلى اليوم قد تجوب مدينة ما لنصف ساعة من دون أن تشاهد سيدة واحدة تقود سيارة. لكن الانخفاض الكبير في العنف هذا العام جعل النساء يجازفن بالظهور في الطرقات، ويحاولن استعادة الحريات التي سلبهن إياها المتطرفون الذين طالبوهن بالتوقف عن قيادة السيارات وعدم وضع المساحيق وتغطية شعرهن أو مواجهة الموت.

كانت هديل من بين أولئك الذين حاولوا انتهاز فرصة اختفاء الميليشيات من الشوارع للتخلي عن غطاء الرأس والتنورات الطويلة والمسارعة إلى الجلوس خلف المقعد. فقالت «القيادة تعني شخصًا شجاعًا قوياً، ليس في جسده وإنما في روحه».

وعلى الرغم من عدم وجود إحصائيات توثق لارتفاع أعداد النساء اللاتي يقدن السيارات ـ لم تصدر رخص قيادة منذ عام 2003 ـ إلا أن انتشار مدارس تعليم القيادة كمدرسة الرياض يشير إلى زيادة أعدادهن. ويقول صباح كاظم مدير المدرسة إن 29 طالبًا من بين تلاميذ مدرسته الخمسين سيدات، وأن النسبة قد ازدادت بنسبة 70% عن الأعوام الماضية وأعلن اتحاد السياحة والسيارات أن 123 شخصًا سجلوا أسماءهم لتلقي دورات قيادة السيارات، غالبيتهم من النساء.

وتقول صفية السهيل عضو البرلمان والناشطة في مجال حقوق المرأة «لقد اعتادت النساء على الذهاب إلى أي مكان بسياراتهن، لكننا شهدنا تراجعًا كبيرًا بعد ذلك، لكن الوضع بدأ في التحسن بصورة كبيرة الآن».

ولم تعد النساء العراقيات يواجهن أي عوائق قانونية في القيادة، فقد كان العراق أحد أهم الدول العلمانية في الشرق الأوسط لعدة عقود، حيث تمتعت فيه النساء بحرية الذهاب إلى الجامعات والمشاركة في المنافسات الرياضية والتمتع بالحماية القانونية في الزواج والطلاق والميراث. وما إن بدأت البلاد في الانزلاق إلى هاوية الفوضى، حتى بدأت فرق الموت والخاطفين في اجتياح الشوارع، وقام المتطرفون بسكب المواد الحمضية شديدة التركيز على وجوه النساء اللاتي يكشفن وجوههن.

وتقول صباح سلمان الطالبة الجامعية ذات الأربع والعشرين عامًا والجالسة إلى جوار ابن عمها أحمد في منطقة استقبال مدرسة الرياض «لن يختلف الأمر، فحتى إن تعلمنا القيادة سنضطر إلى المكوث في المنزل».

ولم تتأثر النساء من جراء العنف فقط، فهذا المجتمع الذي يسيطر عليه رجال الدين بات ينظر فيه إلى النساء على أنهن أكثر عرضة للأذى، خاصة بعد حمل العديد من الرجال للأسلحة. ولكي تتمكن النساء من التجوال كن يضطررن إلى اللجوء إلى استخدام التاكسيات والحافلات أو أن يقلهن أزواجهن أو أقاربهن من الذكور. وتقول صباح إنها تتوق إلى القفز من سيارتها والخروج للتسوق أو زيارة صديقاتها، حيث ان القيادة أكثر من وسيلة من وسائل الراحة. وأضافت «تمر البلاد في حالة من التطور في الفترة الراهنة، وهي حالة من التغير السريع»، فمنذ سقوط صدام حسين، توقف العراق عن الانعزال عن العالم، وتمكن مواطنوه من الحصول على أجهزة استقبال القنوات الرقمية والأجهزة المحلية والحواسيب. وأضافت «إذا كانت البلاد تحظى بالتكنولوجيا والإنترنت فمن المؤسف ألا نتمكن من قيادة السيارات». وخلال الأعوام التي غرقت فيها البلاد في دوامة العنف، هربت صباح مع أسرتها إلى سورية، وهناك شاهدت النساء يقدن السيارات وتقول عن ذلك: «لقد حصلن على حرياتهن وهذا هو دافعنا». وبينما كانت صباح تتحدث، وصل أربعة آخرون لتلقي دروس القيادة فقالت صباح «انظري إليهن كلهن سيدات».

وتلقي دروس القيادة الضوء على العقبات التي يواجهها راكبو السيارات في بغداد. ففي البداية جلست صباح خلف مقود السيارة دايو وإلى جانبها إسماعيل كريم إسماعيل الذي يبلغ من العمر 71 عامًا والمعلم في مدرسة الرياض للقيادة، واتجهت في بداية الأمر إلى شارع فلسطين؛ وهو الشارع التجاري ذو المسارات الستة وما إن تجاوزوا عدة مبان حتى اختنق المرور بسبب إحدى نقاط التفتيش التي تقيمها القوات العراقية. ونصحها إسماعيل بالقول «إذا اقتربت من حاجز تفتيش للشرطة يجب أن تسير السيارة على سرعتها الأولى» وعندما اقترب الشرطي من السيارة أبدى اندهاشه لدى رؤية سيدة تقود السيارة. اتجهت بالسيارة بعد ذلك إلى أحد الشوارع الجانبية الذي يحوي الكثير من المنازل المحطمة وفي مواجهتها كان هناك حاجز خرساني يرتفع 12 قدمًا يسد معظم الطريق وهو إجراء عام لمنع الانتحاريين الذين يقودون السيارات المفخخة. ويشير إسماعيل إلى ضرورة الانتباه إلى حيز الفراغ في وجود هذه الحوائط الخرسانية، وقامت صباح بقيادة السيارة وسط تلك الحوائط العملاقة وتوقفت.

وتشير منى سعود الناشطة في مجال حقوق المرأة في البصرة، ثاني كبريات المدن العراقية، الى ان قيادة النساء للسيارات في الماضي كانت أمرًا شائعًا لكنه الآن أصبح نادرا «فالنساء في البصرة يخشين من القتل أو التعرض للخطف».

ويقول الملازم عبد الحسن جواد المتحدث باسم شرطة البصرة «إن مدارس قيادة السيارات في البصرة لا تزال مغلقة، أما من يقدن السيارات فأستطيع أن أحصيهن على أصابع يدي».

وقد أسهمت المنح التي قدمت للموظفين في زيادة طلبات الراغبات في قيادة السيارات. فالمنح التي قدمت للموظفين جعلت أشواق مجيد، التي تبلغ من العمر 28 عاما التي تعمل في البنك الدولة الزراعي، ترغب في اقتناء سيارة.

وكانت أشواق تستعد لتلقي درسا في القيادة في مبنى أبيض خرساني طليت حوائطه الخارجية بألوان إشارات المرور «الفهد لتعليم فن القيادة والميكانيكا»، وقد شهدت تلك المدرسة التي تقع في شرق بغداد ارتفاعًا ملحوظًا في أعداد السيدات الراغبات في تعلم القيادة. وتقول أشواق إن زميلاتها في البنك تحدثن جميعهن عن الحصول على سيارات، وقد تلقت دعمًا كبيرًا من والديها أيضًا. وقالت «إنني أتلقى التشجيع حتى من الجيش العراقي. فعندما يرونني في حاجز تفتيش يقولون لي أنت بطلة وشجاعة».

إلى جانب أشواق جلست ليلى محيبس التي تبلغ من العمر 33 عامًا والتي بدت أكثر شغفًا، لتتلقى هي الأخرى دروسًا في القيادة، وتقول: «الأمر مختلف بالنسبة لي عن أصدقائي، فالأمر بالنسبة لهن طموح، أما بالنسبة لي فإنني أحتاج إليه. فسيارة الهوندا، التي يمتلكها أخوها، والتي تشترك فيها مع والديها، تقبع أمام المنزل من دون أن يستخدمها أحد منذ ثلاث سنوات»، وتقول «أخي في السجن، لقد أخذه الأميركيون من الشارع». على الأقل هذا ما أخبروها به، لكنها عندما ذهبت لزيارته في معسكر الاعتقال الأميركي بوكا لم يكن هناك أي سجلات عنه. وتضيف وقد اغرورقت عيناها بالدموع: «لم نره منذ 23 نوفمبر(تشرين الثاني) 2005». وأردفت «في بداية الأمر عارض والدي فكرة القيادة لأنه كان يرغب في الحفاظ على السيارة». فالسيارة، كما تقول، تعود إلى ابنه الوحيد، ويخشى من أن يحدث شيء لها، ومن ثم انتظروا وانتظروا عودة أخيها، لكن ذلك لم يحدث. لقد تغيرت الأمور.

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»