في سوق الفنون الخسارة هي سيدة الموقف

خبراء دور المزادات يتوقعون ما هو أسوأ

يعد التوقيت الحالي غير موات لدور المزادات، فقد ازدهرت عمليات البيع خلال فترة الصيف، وذلك قبل أن تظهر قتامة الصورة المالية الحالية (رويترز)
TT

لقد كانا أسوأ أسبوعين على الفنانين المعروفين والمميزين، والمزادات الفنية المعاصرة والحديثة منذ أكثر من عقد منصرم. فبمرور ليلة تلو الأخرى، جلس التجار وجامعو التحف ينظرون إلى لوحات فنية رسمها مونيت، وماتيس، وباكون، ووارهول وهي باقية مكانها دون بيع. ففي كل مرة كانت تهوي فيها مطرقة بائع المزاد العلني، كان من الواضح أن ذلك يشير إلى عهد جديد في مبيعات المزاد العلني، وهو العهد الذي اتسم بعودة هواة جمع المقتنيات المتمرسين وممارسات البيع الزهيدة غير الغالية. ومع ذلك، فمع عمق الأزمة الاقتصادية العالمية، بات من الواضح أن خبراء دور المزادات يتوقعون ما هو أسوأ. وقد مثّل بيع لوحة لكازمير ماليفتش بمبلغ 60 مليون دولار، ولوحة زيتية مرسومة على القماش للفنان التكعيبي خوان غريس بمبلغ 21 مليون دولار تقريبا ـ وهما سعران قياسيان بالنسبة لأعمال كلا الفنانين بالمزاد ـ شعورا رائجا بالارتياح. ويقول التجار وخبراء دور المزادات أن بيع اللوحتين كان بمثابة دليلاً على أن بعض الأثرياء الذين ينفقون أموالهم بغية الاستمتاع بشراء الأعمال الفنية والمقتنيات الثمينة ما زال بحوزتهم الأموال ولديهم الشهية في شراء تلك الأعمال. ويقول ويليام روبريتشت ـ المدير التنفيذي لسوثبايز، ثالث أقدم المزادات في العالم: «في وقت كهذا يسود فيه الخوف، من المثير للاستغراب التفكير في أن أعمالاً فنية قيمتها 600 مليون دولار لم تتبدل ملكيتها على مدار الأسبوعين الماضيين». ويعد التوقيت الحالي غير موات لدور المزادات، فقد ازدهرت عمليات البيع خلال فترة الصيف، وذلك قبل أن تظهر قتامة الصورة المالية الحالية، وأدى إلى زيادة قتامة تلك الصورة ممارسات وأعمال البائعين المحاولين جذب الأرباح من موجة التضخم الحادثة خلال المواسم الأخيرة الماضية. وللتغلب على مصاعب وعقبات أعمالهم، تحملت دور المزادات شديدة التنافس أعباء تلك الأعمال الفنية من خلال تقديم ضمانات، ووعود بمبالغ غير معلن عنها للبائعين بغض النظر عن حصيلة المبيعات. وفي ظهر الجمعة الماضية، أوضحت سوذبي ـ وهي شركة العامة ـ أنها خسرت 28.2 مليون دولار من الضمانات التي قدمتها في مزاداتها للفن المعاصر خلال الأسبوع الماضي، وهو ما وصل بمجمل خسائرها إلى 52 مليون دولار خلال هذا الخريف، ونجمت كل هذه الخسائر عن الضمانات. فيما أعلن المسؤولون في كريستيز ـ وهي شركة خاصة، ومن ثم فإنها ليست مجبرة على الكشف عن تمويلاتها ـ أنها تكبدت خسائر هي الأخرى بلغت ملايين الدولارات. وقد ضاعف الانتقال المالي المفضل من الخسائر التي تكبدها كلا المزادين. فمنذ عدة سنوات وحتى يومنا هذا، عمد مزادي سوذبي وكريستيز إلى منح البائعين حصة من الرسوم التي تفرضها على المشترين. كما أنفقت الشركتان أيضا قدرا كبيرا من الأموال على إنتاج كتالوجات غالية الثمن، مما جعلهما المكافئتين عالميا لشركة إيفون، كما كانت تطلع مسبقا على الأعمال الفنية القادمة من جميع أقطاب العالم لعرضها للبيع على العملاء رغم أنهم عادة ما كانوا يتسوقون من منازلهم. وكان الفائزون على مدار الأسبوعين الماضيين من المحنكين المتمرسين الأذكياء من أمثال الخبير المالي هنري كرافيز وزوجته ماري جوزيه، حيث تنازل الزوجان عن صورة زيتية للفنان ديغاس بيعت بأقل من الضمان الذي حصلا عليه من سوذبي. وقيل أن كريستيز منحت المحامي الشهير عارون فليشمان 5 ملايين دولار نظير صورة زيتية للزعيم الصيني ماو رسمها وارهو تعود لعام 1973، وذلك نظرا للإخفاق في بيعها.

وقد تبدو مثل هذه الضمانات حماقة هذه الأيام، إلا أن خبراء دور المزادات في هذه الأوقات كانوا يركزون على هواة جمع المقتنيات الفنية الثمينة، الذين من المعتقد أنهم يهتمون ببعض الأعمال الخاصة، وقد كان ذلك خلال فترة الصيف. إلا أنه بحلول شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بدا أن مقتنصي فرص شراء التذكارات والأعمال الفنية البارزة ـ من الروس الذين انضموا إلى قائمة المشترين حديثا، وأثرياء دول الشرق الأوسط الغنية بالنفط، بالإضافة إلى الأميركيين ـ قد نأوا بأنفسهم عن العمليات الشرائية لتلك التحف. وكذلك فعل أيضا الأوروبيون ممن اعتادوا ارتياد مزادات نيويورك منذ عام مضى، حيث بدا أن ضعف قيمة الدولار جعلت عملياتهم الشرائية زهيدة نسبيا. ونجد أيضا هواة جمع المقتنيات المتمرسين وهم يقومون بمحاولات حثيثة لحصد ما يمكن حصده من المقتنيات والأعمال الفنية خلال سنوات الازدهار، وها هم الآن يعودون للمزادات لحصد ما يمكنهم الحصول عليه من الأعمال المباعة بأسعار زهيدة. ومثالاً على ذلك، شوهد إلي برود ـ الخبير المالي بلوس أنغليس ـ على مقربة من واجهة قاعة البيع في سوذبي الأسبوع الماضي، وقد اشترى أعمالاً فنية تزيد قيمتها عن 8 ملايين دولار لجيف كونز، ودونالد جود، وإد راسشا، وروبرت، روستشينبيرغ خلال المزاد، ولدى سؤاله، وصف الأعمال الفنية بأنها «بنصف السعر».

ويقول توبياس ماير ـ رئيس قسم الأعمال الفنية المعاصرة، وكبير بائعي المزاد في سوذبي ـ إن أسعار الأعمال الفنية المعاصرة قد انخفضت عن المستويات التي كانت عليها عام 2006، بل أنها انخفضت في بعض الأحيان عن مستويات عام 2004 ـ 2005. وأوضح: «على مدار الـ18 شهرا المنصرمة، كان لدينا متجرا كبيرا وذلك مرده إلى المشترين الجدد من روسيا والمناطق الأخرى في أوروبا ممن لم يشتروا أي أعمال فنية من قبل، أما الآن، فثمة عالم جديد (في إشارة إلى أن الأحوال قد تغيرت)». وأضاف ماير: «سيتم تسعير الأعمال الفنية باختلاف كبير»، وفي محاولة منه لتحديد مستويات أسعار مبيعات الأعمال الفنية للعام المقبل، أوضح هو ومديرو دار المزاد الآخر أنهم بدأوا بتقييم تاريخ أسعار الأعمال الفنية لكل فنان على حدة. (تجدر الإشارة إلى أن تجار الأعمال الفنية يتجهون إلى تخفيض أسعار تلك الأعمال بدرجة كبيرة، حيث تزيد نسبة الخصم في بعض الأحيان عن 50%). إن وصف ما يحدث في الفترة الحالية بأن السامر قد انفض ما هو إلا تعبير هيّن، إذ يقول إدوارد دولمان ـ المدير التنفيذي لكريستيز ـ أن شركته ستمنح ضمانات ـ في أفضل الحالات فقط ـ «في الظروف الاستثنائية»، وأنها (الشركة) لن تخصم أي جزء من الرسوم التي يدفعها المشتري وتعيدها للبائع.

ومن المحتمل أن تكون طريقة شراء الأعمال الفنية أكثر تقليدية هي الأخرى. ففي سنوات ازدهار عمليات الشراء، كان من الشائع أن تبيع دور المزادات مقتنيات وأعمال فنية لأشخاص لم يرونها فعليا عن قرب، بل إنهم يشترونها بكل بساطة من خلال صورة مرسلة عبر البريد الإلكتروني أو صورة أخرى موجودة في كتالوج المزاد. وفي هذا الصدد يقول ماير: «لقد انتهى سوق الصور، وسنعود من جديد إلى بيع القطع الفنية التي يتعين عليك مشاهدتها فعليا»، فعلى سبيل المثال، أشار إلى بائع في مزاد الفن المعاصر، وعمل فني للفنان إيفيس كلاين، جلبت 21.3 مليون دولار. ويعد هذا العمل تجريدي للغاية، حيث يمكن فقط تقديره بصورة شخصية. جدير بالذكر إلى أن أذواق استساغة الأعمال الفنية تغيرت هي الأخرى، إذ انخفضت أسعار الأعمال الفنية لتاكاشي موراكامي، وريتشارد برينس، وبيتر ديوغ ـ والتي كانت تعتبر باهظة الثمن في الماضي ـ إلى حد كبير. كما بدت أعمال دميان هيرست ـ والذي كان يبدو كفنان له ثقل كبير بعدما بيعت أعماله الفنية بمبلغ كبير بلندن في شهر سبتمبر ـ كما لو كانت وليدة الأمس، إذ تم بيع القليل منها للغاية. وانخفضت أيضا سوق أعمال وارهول إلى حد كبير أيضا، حيث يقول روبرتشيت: «إننا سنشهد صعوبة كبيرة في بيع الأعمال الفنية الجديدة، على الأقل لفترة من الوقت». وعلى نقيض ما هو متعارف عليه، بدأت الأعمال الفنية غير غالية الثمن لفنانين مثل ألكسندر كالدر والذي لم تكن أعماله تروق للمشترين الجدد، في جلب أثمان كبيرة لدى بيعها. هذا، وينتظر المتمرسون من هواة جمع الأعمال الفنية لرؤية ما الجديد الذي سيُطرح في السوق. ففي شهر فبراير (شباط) المقبل على سبيل المثال، ستقيم كريستيز مزادا لبيع أعمال فنية ومقتنيات تخص مصمم الأزياء إيف سانت لورنت، والذي توفي في شهر يونيو (حزيران) الماضي. ويوضح الهاوي فليشمان: «الآن، من المحتمل أن تكون هناك فرصة جيدة للحصول على أشياء رائعة بالفعل، وهي الأعمال التي لم تعرض للبيع في أي مكان من قبل».

* خدمة «نيويورك تايمز»