صناعة السيارات العالمية تواجه «الأزمة الأسوأ» منذ عقود

وسط تساؤلات عما إذا كانت شركات كبرى ستنجو منها

TT

تبذل شركات صناعة السيارات من ديترويت إلى طوكيو وميونيخ جهودا مضنية لمواجهة أكبر أزمة تواجهها هذه الصناعة منذ عشرات السنين وذلك في ظل تراكم المخزون من السيارات الجديدة غير المباعة لدى الموزعين وفي مستودعات التخزين.

ولكن بينما يتساءل المحللون عما إذا كانت شركات كبرى مثل جنرال موتورز وكرايسلر وفورد ستنجو من الأزمة، لا يفكر المهندسون والمصممون إلا في ما يمكن أن يسمى بـ«إعادة اختراع السيارة» من أجل ضمان بقائها ومدها بأسباب الحياة من جديد.

وبحسب تقرير لوكالة الانباء الالمانية فان الغريب أن الأزمة في هذا المجال تأتي في وقت تعلن فيه شركات صناعة السيارات بشكل أسبوعي تقريبا عن ابتكارات جديدة في مجال تكنولوجيا السيارات صديقة البيئة، ويطرح الموزعون تخفيضات مميزة، بالإضافة إلى أن هذه الأزمة تأتي في وقت بلغت فيه السيارات شوطا لم تبلغه من قبل في ما يتعلق بمعايير الأمان والكفاءة الاقتصادية ومرونة الحركة.

وهكذا، فالمشترون يرجئون شراء سيارات جديدة على أمل الحصول على أسعار أقل مستقبلا، ويفترضون أن الطرز الحالية التي تتسم بالاقتصاد في استهلاك الوقود قد لا تكون بجودة الطرز التي ستطرح للبيع عام 2010. ولذا بات السؤال الذي يراود المشترين المرتقبين ويتعين على شركات صناعة السيارات الإجابة عليه هو: هل احتفظ بسيارتي القديمة التي تعمل بالبنزين أو الديزل إلى أن أتمكن من شراء سيارة أرخص تعمل بمحرك هجين أو بالكهرباء؟ وخلال حديث في معرض لوس أنجليس للسيارات، قال كارلوس غصن المدير التنفيذي لشركة نيسان رينو «إننا نقوم بإعادة اكتشاف للسيارة»، مشيرا إلى أنه بحلول 2020 ستزيد مبيعات المركبات الكهربائية صديقة البيئة إلى سبعة ملايين سيارة سنويا مقابل 50 ألفا فحسب في الوقت الحاضر.

وبينما كانت الطاقة الكهربائية في وقت ما موضع سخرية بوصفها تكنولوجيا تصلح لتشغيل الألعاب فحسب، أصبحت المركبات التي تعمل بهذا النوع من الطاقة تمثل حاليا بديلا حقيقيا للسيارات التي تعمل بالوقود.

وكانت «بي إم دبليو» هي أول شركة كبرى لصناعة السيارات تطلق أسطولا مؤلفا من 500 سيارة ميني تعمل بالكهرباء في لوس أنجليس، ومن المقرر أن تطرح هذه السيارات للإيجار في بادئ الأمر. وتعمل السيارة «ميني إي» بمحرك كهربائي قوته 150 كيلووات 204 أحصنة، ويعمل المحرك ببطارية ليثيوم مؤين تكفي لتسيير المركبة 250 كيلومترا لكل مرة شحن.

غير أن التكنولوجيا الخاصة ببطاريات الليثيوم المؤين مكلفة، وسيستغرق الأمر وقتا لإقامة البنية الأساسية لمحطات الشحن. ويقول خبير السيارات الألماني البروفيسور فرديناند ديودنهوفر إن صناعة السيارات الألمانية تمر بأسوأ فتراتها منذ أزمة النفط عام 1973، حيث يتنبأ بأن تصبح السيارات الكهربائية ظاهرة واسعة النطاق بحلول عام 2015 وأن تشهد مبيعاتها انتعاشا عام 2011 .

وقدمت شركة إنتاج الطاقة الشمسية الألمانية سولار وورلد مؤخرا عرضا لشراء شركة أوبل المتعثرة التابعة لجنرال موتورز، حيث كانت سولار وورلد ستصبح أول شركة لإنتاج السيارات متطورة التقنية عديمة الانبعاثات على نطاق واسع. ورغم أن جنرال موتورز سارعت برفض العرض إلا أنه مثل مؤشرا على النقطة التي قد تتجه إليها صناعة السيارات.

ويقول كريستوف شتويمر وهو محلل في سوق السيارات: «تواجه صناعة السيارات هزة كبرى. سيختفي لاعبون قدامى. وسيظهر شركاء سوق جدد، وبينهم بعض ممن لم يكن لهم دور سابقا في مجال السيارات». وعلى صعيد متصل قال رئيس كرايسلر ال.ال.سي ان الشركة بحاجة لقرض حكومي طارئ من أجل البقاء، مشددا على أن افلاس كرايسلر وهي الاصغر بين شركات السيارات الاميركية الثلاث الكبار ليس خيارا واردا وأن التحالفات ستكون عاملا مهما في مستقبل الصناعة. ونقلت رويترز عن جيم برس قوله للصحافيين في ميناء بالتيمور الذي يصدر 150 الف سيارة كرايسلر سنويا «اننا نحاول الحفاظ على اسلوبنا في الحياة والحفاظ على وظائفنا»، واضاف «شركاتنا تتعرض للهجوم من عدد من المصادر». وكان يشير الى صناعة السيارات الاميركية التي تترنح تحت وطأة أزمة الائتمان العالمي والكساد الاميركي. ولم يوضح برس حجم القرض الذي تسعى كرايسلر للحصول عليه من الحكومة لتفادي شبح الانهيار خلال عام الى 18 شهرا مقبلة. لكن الرئيس التنفيذي للشركة بوب نارديلي قال أمام الكونغرس الشهر الماضي ان الشركة تحتاج لسبعة مليارات دولار في صورة مساعدات طارئة كي تتمكن من اجتياز أسوأ أزمة مالية تتعرض لها صناعة السيارات على الاطلاق. وقد طلبت فورد موتور من الكونغرس أول من أمس الثلاثاء خط ائتمان حكوميا يصل الى تسعة مليارات دولار لدعم اعادة هيكلة الشركة قائلة انها تتوقع تحقيق التعادل بين العائدات والنفقات أو الربحية في 2011. وقالت فورد في الخطة المقدمة الى الكونغرس ان جنرال موتورز وكرايسلر «تواجهان خطر نفاد السيولة في غضون أسابيع أو شهور» وحذرت من أن انهيار أحد منافسيها المحليين قد يهددها نظرا لتداخل شبكات الموردين والتجار. ولم يكشف برس عن تفاصيل خطة العمل التي تقدمها كرايسلر الى الكونغرس وهي الشرط الذي طلبه المشرعون للحصول على أية مساعدات، لكنه قال ان الخطة ستتضمن خفض النفقات.

من ناحيته أعلن نائب مدير شركة ساب فريدريك هندرسون لوسائل الاعلام السويدية ان جنرال موتورز لصناعة السيارات التي تعاني من المتاعب أمس أنه من المرجح ان تبيع جنرال موتورز فرعها في السويد شركة ساب أو إغلاقه.

ونقلت وكالة الانباء الالمانية عن هندرسون قوله للاذاعة السويدية إن جنرال موتورز تتطلع إلى حل مشاكلها المالية بأسرع وقت ممكن وإن بيع ساب يعد أحد الخيارات العديدة المطروحة.

وأضاف هندرسون «أن الامور سوف تتحسن كلما أسرعنا في علاجها».

وكانت جنرال موتورز قد اشترت أسهما في ساب في عام 1990 وأصبحت حامل الأسهم الوحيد في الشركة منذ عام 2000.

وطلبت جنرال موتورز من الحكومة الأميركية مبلغ 18 مليار دولار أول من أمس الثلاثاء لتجنب الإفلاس، وفي معرض طلبها من الحكومة تقديم يد العون لها قالت الشركة إنها ستركز على علامتها التجارية الأميركية المحلية.

وكانت شركة فورد الأميركية التي تعاني أيضا من المتاعب قد طرحت فرعها السويدي شركة فولفو للبيع.

في سيول قال مسؤولون في هيونداي وكيا امس الاربعاء ان شركتي صناعة السيارات تخفضان الانتاج في الخارج بسبب تراجع المبيعات مع تضرر الطلب على السيارات في شتى أنحاء العالم من جراء الكساد العالمي. وهيونداي وكيا هما أكبر شركتين لصناعة السيارات في كوريا الجنوبية. وتأتي هذه الخطوات في الوقت الذي ذكر فيه تقرير أن شركة هوندا موتور ثاني أكبر منتج للسيارات في اليابان تقلص خططها للتوسع في الخارج وتجمد مشروعات لتعزيز الطاقة الانتاجية في تركيا كما تؤجل اقامة مصنع ثان في الهند. وقال جيك جانج المتحدث باسم هيونداي موتور في اتصال هاتفي بدون الخوض في تفاصيل «بدأنا خفض الانتاج في كل خطوطنا في الخارج ما عدا المصنع الجديد في جمهورية التشيك». وقد بدأت هيونداي الانتاج التجريبي في مصنع التشيك في اوائل نوفمبر (تشرين الثاني). وتدير هيونداي خامس أكبر منتج للسيارات في العالم مع كيا موتورز كورب التابعة لها خطوط انتاج في الولايات المتحدة والصين وتركيا والهند وجمهورية التشيك. وتعرضت صناعة السيارات لانخفاض حاد في الطلب على مستوى العالم وخاصة في الولايات المتحدة مما أرغم شركات صناعة السيارات الاميركية بما فيها فورد وجنرال موتورز كورب وكرايسلر على السعي للحصول على قروض وخطوط ائتمان من الحكومة بقيمة 34 مليار دولار. وهوت مبيعات السيارات الشهرية في الولايات المتحدة في نوفمبر (تشرين الثاني) نحو 37 في المائة لتصل الى أدنى مستوى منذ عام 1982. ويقول كبار منتجي السيارات انه لا بادرة في الافق على أن الطلب سينتعش خلال الشهور الستة المقبلة في أكبر سوق للسيارات في العالم. وبحسب رويترز سجلت هيونداي انخفاضا بنسبة 40 في المائة في مبيعاتها من السيارات في الولايات المتحدة خلال نوفمبر مقارنة مع نفس الشهر من العام الماضي، بينما هبطت مبيعات كيا هناك بنسبة 37 في المائة. وقال جانج المتحدث باسم هيونداي «لقد خفضنا الانتاج السنوي المستهدف في الولايات المتحدة الى 245 الف وحدة من 260 الف وحدة». واضاف ان القرار صدر قبل شهر. وذكر مسؤول في كيا موتورز ان الشركة تعدل كميات الانتاج في مصانعها في الصين وسلوفاكيا منذ اواخر اكتوبر (تشرين الاول).

من ناحية اخرى شهدت المانيا تراجعا نسبته 18% في عدد السيارات الجديدة التي تم تسجيلها في نوفمبر، حسب ما اعلن اكبر اتحادات هذا القطاع الذي توقع ايضا انخفاضا جديدا في 2009. واوضح اتحاد صناعة السيارات «في دي آ» في بيان ان 233 الفا و800 سيارة جديدة بيعت في نوفمبر. ويتوقع الاتحاد ان يبلغ حجم المبيعات اقل قليلا من 3.1 مليون سيارة في 2008 وحوالي 2.9 مليون في 2009. وقال الاتحاد انه يتوقع تراجع الانتاج وارتفاع نسبة البطالة. والمانيا التي تملك اكبر سوق للسيارات في اوروبا، ليست الوحيدة التي سجلت تراجعا في تسجيل السيارات، اذ انخفض عدد هذه السيارات المسجلة 14% في فرنسا وحوالي خمسين في المائة في اسبانيا ونحو 30% في ايطاليا.

من جهة أخرى كشف شتيفن كانون نائب رئيس التسويق في شركة مرسيدس بنز بالولايات المتحدة أن الشركة تدرس حاليا خططا لبيع السيارات الصغيرة من الفئتين «إيه» و «بي» في الأسواق الأميركية.

يذكر أنه شأن صانعي السيارات الآخرين، تضررت شركة مرسيدس جراء تراجع مبيعات السيارات في الأسواق الأميركية وسط توقعات بأن تنخفض مبيعات الشركة هناك بنسبة 10% مقابل عام 2007 عندما بيعت 253 ألف سيارة مرسيدس.

واستجابة للاتجاه العام نحو شراء السيارات الصغيرة وكذا السيارات الأقل استهلاكا في الوقود، تعتزم شركة مرسيدس طرح المزيد من هذه السيارات وهي طرازات مزودة بمحرك ذي أربع اسطوانات وتتضمن نسخا تعمل بالديزل في كل شريحة.

ويزيد سعر سيارات مرسيدس التي تعمل بالديزل بنحو 1500 دولار في المتوسط عن مثيلاتها التي تعمل بالبنزين في الولايات المتحدة.

وأوضح كانون أنه تتم تغطية هذه التكلفة الإضافية بعد حوالي عامين بالنظر إلى أن سعر الديزل أرخص.

يشار إلى أن الفئة «إيه» أو «المرسيدس الصغيرة» هي الأصغر بين طرازات السيارات التي تنتجها الشركة. وتنتمي هذه السيارة الصغيرة التي تحمل العلامة التجارية «سمارت» أيضا إلى شركة دايملر وتم طرحها في السوق الأميركية في وقت سابق من هذا العام.