ميقاتي: القطاع المصرفي اللبناني نجا من انعكاسات الأزمة العالمية

رئيس الحكومة اللبنانية السابق: مديونية الدولة تبقى مصدر الخطر

قال ميقاتي إن تماسك المصارف اللبنانية في مواجهة الازمة العالمية له أسباب عدة منها حكمة مصرف لبنان (المركزي اللبناني) («الشرق الأوسط»)
TT

أعلن رئيس الحكومة اللبنانية السابق نجيب ميقاتي «أن القطاع المصرفي اللبناني نجا من انعكاسات الازمة المالية العالمية، ولكن المديونية العامة للدولة تبقى مصدر الخطر الحقيقي». وأكد أن الحكومة ستواجه صعوبة في تأمين عمليات «السواب» على مستحقات الدولة.

حاضر ميقاتي، أول من أمس، في جامعة الكسليك عن الازمة المالية العالمية، فأشار الى أن جامعة هارفرد وضعت دراسة تؤكد أن هذه الازمة ليست جديدة على العالم، وأن هذا الاخير شهد منذ العام 1870 نحو 148 أزمة مماثلة. وقال: «إن الازمة الحالية نشأت في الاساس بسبب النمو غير الطبيعي الذي حصل نتيجة القروض المصرفية التي كانت تعطى من دون حدود، وذلك بفعل المنافسة والمضاربة بين المؤسسات الحكومية والمؤسسات الخاصة. وترافق ذلك مع رفاهية في عالم المصارف وبات كل شيء يمر خارج الموازنات المعلنة».

وتطرق الى الواقع اللبناني فقال: «ان تماسك المصارف اللبنانية في مواجهة الازمة العالمية له أسباب عدة منها حكمة مصرف لبنان والحاكم رياض سلامة والرقابة الفاعلة على المصارف والمهنية المصرفية التي تتمتع بها المصارف اللبنانية الكبرى، والأهم من كل ذلك هو عدم إعطاء تسليفات مفتوحة».

ولفت الى أن مجموع تسليفات المصارف في الاسواق اللبنانية هو 25 مليار دولار «وهذا رقم يعادل حجم الناتج المحلي، ولذلك لم يحصل هلع في الاسواق اللبنانية المالية. إن الشق المهم في المسألة هو أننا نجونا في القطاع المصرفي الخاص، ولكن المديونية العامة للدولة تقارب 200 في المائة من الدخل العام، وهذا الرقم كبير جداً وهو يشكل مصدر الخطر الحقيقي».

وأضاف: «إن التحديات الراهنة التي يشهدها الاقتصاد اللبناني عديدة من أبرزها إنكماش حركة التحويلات المالية من العاملين اللبنانيين في الخارج والمغتربين والتي تقدر بنحو ستة مليارات دولار سنوياً من أصل اجمالي التحويلات للبنان والبالغة تسعة مليارات دولار. كذلك سيحصل ارتفاع في كلفة تأمين خطوط ائتمان للمصارف من قبل المصارف الخارجية وصعوبة في تأمين تغطية متطلبات التمويل للحكومة اللبنانية، وارتفاع في كلفة التسليفات للحكومة اللبنانية، وصعوبة في تأمين عملية «السواب» على المستحقات من الديون للدولة اللبنانية، وإنعكاس الخسارات الفردية للكثير من عملاء المصارف. ومن التحديات أيضاً ضياع مركز القرار الفعلي المسؤول عن معالجة الشأن الاقتصادي وتداعياته خصوصاً في أوقات الازمات هذه، وضعف إمكانية التعاطي الرسمي للتعامل مع حجم واتساع الانعكاسات للأزمة الحالية وانعكاسات التدهور في اقتصاديات منطقة الخليج على حجم الانتاج الوطني وحجم التصدير والتراجع الممكن في الاستثمارات العقارية وفي حركة السياحة العربية».

وقدم سلسلة اقتراحات للخروج من الازمة الراهنة منها انشاء هيئة طوارئ اقتصادية مصغرة لفترة ثلاثة أشهر تضم رسميين وخبراء ممثلين عن الاجهزة الرسمية المختصة، تناط بها مهمة متابعة تطورات الازمة العالمية واقتراح السياسات والاجراءات الكفيلة بالحد من تأثير حجم الازمة على لبنان وعلى اقتصاده، وتحفيز الثقة بملاءة ومكانة نظامه المصرفي.

واعتبر ان مهمة هذه الهيئة تقوم على مراجعة الدراسات الموضوعة من أجل تحفيز النشاط والقطاعات والمناطق الاقتصادية من أجل استنباط مشروع موحد يطلق عجلة الانماء الاقتصادي على مختلف المستويات. كما تقوم هذه الهيئة بدرس السبل الآيلة الى تحفيز الانتاجية الوطنية عبر اقتراح تشريعات حديثة تستبدل منطق الدعم بمنطق تحفيز الاستثمار المنتج، وتركز على مبدأ تأهيل وتطوير القدرات البشرية وتنظيم القطاعات المهنية، بحيث تكون للعمالة الوطنية عبر مؤهلاتها العلمية الدور الرئيسي بتفعيل وتكبير حجم القيمة المضافة للانتاج الوطني.

كذلك اقترح انشاء هيئة رسمية لإدارة الدين العام تكون بمنأى عن التجاذبات السياسية وتنظيم طاولة حوار اقتصادية تعيد تحديد دور كل مكونات المجتمع اللبناني في الاقتصاد اللبناني، والأولويات والتوجهات الاقتصادية التي من شأنها جعل لبنان مركزاً اقتصادياً منافساً في محيطه العربي والشرق الاوسطي. ودعا الى اعادة تفعيل فكرة المناطق المتخصصة وتحديد جدول زمني لانطلاقتها.

وفي موضوع الخصخصة رأى «أن اطلاق عملية الخصخصة في ادارة قطاع الكهرباء ضرورة لتخفيف الاعباء والخسائر عن الدولة على أن يواكب ذلك عملية تطوير تقنيات وتجهيزات مؤسسة كهرباء لبنان». وقال: «إن هذه العملية ضرورة ملحة اليوم قبل الغد وإلا فإننا سنصل بعد سنتين الى أزمة خطيرة في هذا القطاع».

من جهة أخرى نصح حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة اللبنانيين باستثمار اموالهم في الليرة اللبنانية ووضعها في المصارف المحلية. واكد متابعته التطورات على الصعيد العالمي.

كرم الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة للبلاد العربية سلامة في عشاء اقيم امس في فندق فينيسيا، في إطار منتدى «الأزمة الدولية: التداعيات والدروس» في حضور وزير المال الدكتور محمد شطح، رئيس اتحاد الغرف العربية الوزير السابق عدنان القصار، رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي روجيه نسناس، رئيس لجنة الرقابة على المصارف وليد علم الدين، رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن، ورؤساء غرف التجارة والصناعة والزراعة في لبنان وفاعليات اقتصادية ومصرفية ومالية.

واذ اعتبر القصار «ان سلامة اختار استقرار سعر الصرف عنوانا للسياسة النقدية ما ساعد على ادارة السيولة وضبط ايقاعها هبوطا وصعودا، حتى انك لم تكن لتوافق تلقائيا على توصيات او وصفات المؤسسات المالية الدولية التي كانت تتعارض مع تثبيت سعر الصرف، لكنك بقيت صامدا امام معارضات محلية وانتقادات دولية سرعان ما اثبتت الايام سقوطها وتهاوت آراء القائلين بها».

واضاف: «وفي حين يشهد النظام المالي العالمي أزمة طاحنة قاربت الاعصار الذي اجتاح كبريات المؤسسات والاسواق والشركات، على الرغم من اقدام مختلف الحكومات على ضخ كميات هائلة من السيولة، اضافة الى سائر انواع المعالجات التي لم تؤد الى نتائج ايجابية حتى الآن، فان ذلك يمثل قيمة مضافة الى كفاءة مصرف لبنان، الذي استطاع إبعاد هذه الكأس المرة عن مصارف لبنان، التي التزمت ضوابط احترازية، سواء في تسليفاتها العقارية او في التسليف على الاسهم، اضافة الى احجامها عن تداول المشتقات المالية وسائر الادوات المالية المركبة، التي صالت وجالت، في ردهات الاسواق ابان الأعوام الاخيرة».

ثم ألقى سلامة كلمة شكر فيها للقصار هذه «اللفتة الكريمة». واعتبر ان «اهم عنوان لما قمنا به قدرتنا على تثبيت الوضع المصرفي والمالي خلال الأزمة المالية العالمية التي نعيشها وقدرتنا على المحافظة على الثقة التي هي اساس الاستقرار». واكد ان «مصرف لبنان بحاكميته ولجنة الرقابة على المصارف وهيئة التحقيق سيبقى متابعا التطورات في العالم على هذا الصعيد، وان الامور تجري بشكل ايجابي على الصعيد المصرفي والمالي». وختم: «احد الصحافيين قال لي منذ فترة: اين تنصحني ان اضع اموالي وبأي عملة؟ قلت له وبكل ضمير مرتاح: افضل ان توظف اموالك بالليرة اللبنانية وتضعها في المصارف اللبنانية».

بعد ذلك، قدم القصار باسم اتحاد الغرف العربية وتجمع الاعمال الاقتصادي العربي الى سلامة درعا تذكارية «نظرا الى العطاءات والانجازات والنجاحات المضيئة التي حققها حاكم مصرف لبنان».

وكان المنتدى قد اختتم اعماله امس ببيان شدد فيه على «مواءمة السياسات الاقتصادية والمالية مع الحاجة لتعزيز مناخ الاعمال والاستثمار في الدول العربية»، ودعا الدول العربية الى اعتماد «سياسات فاعلة ورد اقليمي نسق»، والى «اتخاذ التدابير الكفيلة بتحقيق الاستقرار في الانظمة المصرفية والمالية العربية» وتحفيزها على «اتباع سياسات الدمج والاستحواذ المصرفي العابر للحدود». وطالب بالاسراع في تطبيق مقررات «بازل2» «بمحاورها الثلاثة وصيغتها المجددة»، وبـ«وضع استراتيجيات حكومية عربية ازاء السياسات النقدية والمصرفية لغاية الحد من المضاربات وتعزيز الثقة». ولفت البيان الى «وجوب اصلاح آلية عمل وكالات التصنيف الائتماني العالمية والاقليمية» مركزاً على وجود «حاجة ماسة لقيادة اقتصادية دولية تتمتع بالصدقية».