النحاس: مهنة فنية قديمة متوارثة عن الآباء والأجداد

TT

عندما تقترب من سوق النحاسين في مدينة دمشق القديمة تأسرك اصوات مطارق النحاسين وكأنهم يعزفون سيمفونية موسيقية صاخبة، وقد تقرر الخروج فورا من هذه السوق، لكن حين ترى كيف يعمل اولئك المهرة، تبدأ بالتجوال ومشاهدة ما يبدعه الحرفيون الذين توارثوا مهنتهم تلك أبا عن جد. وعندما تسأل احدهم عن تلك المهنة القديمة سرعان ما يرحب بك ويروي لك قصصا واحاديث شيقة، والنحاس فضلا عن ان الانسان يستخدمه في مجالات عديدة يصنع منه اواني نحاسية زخرفية جميلة يمكن ان تقتنيها وتضعها في ركن ما من منزلك كتحفة فنية. وسوق النحاسين في دمشق قديم جدا ويرجح البعض تاريخ انشائه الى ما قبل 800 عام تقريبا.

ويبدو ان الغزو التكنولوجي ونمط الحياة العصري قد تدخلا. وانعكس ذلك على عدد من العاملين في هذه المهنة اذ تحول قسم كبير من الحرفيين الى القيام بزخرفة الاواني النحاسية بالخط والرسم واصبحت مهنة فنية اكثر منها حرفية. وفي الورشة يتم تقسيم العمل بين اشخاص عدة، فواحد يقوم بالتخطيط والرسم وآخر يقوم بتنزيل الذهب او الفضة وآخر يقوم بتجويف الصفيحة، وهناك من يهتم بالنقش. ولاعطاء القطعة النحاسية لونا جذابا براقا تستخدم طريقة التلوين بالأكسدة باللون البني القاتم واما الاكسدة باللون الازرق فتغطس في محلول مكون من هيبوسولفيت الصوديوم. وهناك الاكسدة باللون الاحمر ويستخدم محلول من خلات الرصاص المضاف الى الهيبوسولفيت وفي جميع الحالات تغسل القطعة بالماء الساخن اثر انتهاء كل عملية وتجفف بنشارة الخشب.

ولا يمكن اغفال الطريقة القديمة للحفر الكيميائي على النحاس وهي تعرف «بالزنكوغراف» وذلك لحفر الصور والخطوط على لوحات النحاس، حيث يتم تغطية سطح المعدن بمادة شمعية او اسفلتية خليطة بالورنيش والقطران وشمع البارفان ومن ثم ترسم الخطوط والرسوم بواسطة قلم معدني ويسكب محلول حمض الآزوت الممدد على سطح المعدن ثم يترك مدة كافية حسب الحاجة الى العمق اللازم.

وعموما تبقى مهنة النحاسين مهنة قديمة متوارثة عن الآباء والاجداد وما زالت الى يومنا هذا رغم تناقص اعداد العاملين فيها، لكن لا يمكننا ان ننسى ان اواني النحاس المزخرفة ما زالت تقدم كهدايا.