في سوق الغزل.. البشر والحيوانات يفتشون على حد سواء

استأنف تجارة الطيور والحيوانات الأليفة بعد أكثر من عشرة انفجارات

TT

دبت الحياة مجددا في سوق الغزل للطيور والحيوانات الأليفة والمتوحشة بوسط العاصمة العراقية بغداد، وأصبح مصطفى حسين (22 عاما) حريصا على زيارة السوق يوم الجمعة من كل أسبوع لعرض بضاعته في أكبر سوق عراقي متخصص في عرض الطيور والحيوانات. وجراء وتيرة العنف المتصاعدة في البلاد بعد الغزو الاميركي للعراق عام 2003 فقد سوق الغزل بريقه وأصبح الطريق اليه موحشا ومحفوفا بالخطر وغادره عشاقه قسرا، لكنه ومنذ مطلع العام الحالي عادت الحياة اليه من جديد وبأنواع غير مألوفة من الحيوانات التي لم تكن تشاهد خلال حقبة الرئيس الأسبق صدام حسين. ويتدفق مئات الأشخاص غالبيتهم العظمى من الرجال بفئات عمرية مختلفة وأعداد قليلة من النساء الى سوق الغزل في وقت مبكر من صباح يوم الجمعة من كل اسبوع حاملين بضاعتهم من الدجاج والبط والحمام والعصافير والصقور بأنواعها والكلاب المربوطة بسلاسل بعضها متوحشة وأخرى أليفة إضافة الى حيوانات اخرى مثل الغزلان والقردة والذئاب والخيول والثعابين في مشهد يختلف كثيرا عما تشهده أسواق أخرى تفتح ابوابها يوم الجمعة مثل سوق الخردة والانتيكات. ويحمل مصطفى، وهو عامل في محطة أهلية لتوليد الطاقة الكهربائية في بغداد، بضاعته فى قفص متوسط الحجم بداخله أنواع مميزة من طيور الببغاء وعصافير صغيرة أخرى. ويقول مصطفى «أعشق هذا السوق وأرتاده منذ أكثر من عشرة أعوام ولم تمنعني من زيارته إلا أحداث العنف والانفجارات التي وقعت في البلاد خلال السنوات الماضية وقيام السلطات الأمنية بإقفاله».

وأضاف «في كل أسبوع أبيع وأشتري وفي بعض الأحيان أزور السوق من أجل المشاهدة والاطلاع على الجديد ولقاء أصدقائي لتبادل الحديث وقضاء وقت ممتع بالسوق». ويقع سوق الغزل في مكان مكتظ يضم أسواق السجاد والأجهزة الكهربائية وسوق الشورجة (أكبر أسواق الجملة في العراق)، حيث تفتح محلاته أبوابها كل يوم لكن يوم الجمعة هو يوم الذروة، حيث يشهد إقبالا كبيرا وله امتدادات الى أزقة بغداد القديمة بجوار جامع الخلفاء التاريخي. ويخضع السوق الى إجراءات أمنية مشددة؛ فهو محاط بكتل إسمنتية ويتم تفتيش رواده وفحص الطيور والحيوانات المعروضة للبيع من قبل قوات الجيش والشرطة باستخدام أجهزة الفحص فضلا عن التفتيش اليدوى مع انتشار عناصر قوات الشرطة بين الزبائن لضبط الأمن وملاحقة ذوي النوايا السيئة. ولم يسلم سوق الغزل من أعمال العنف التي طالت العراق بعد الغزو الاميركي عام 2003، وبحسب تقرير لوكالة الانباء الالمانية فقد شهد اكثر من عشرة انفجارات بعبوات وأحزمة ناسفة أوقعت مئات القتلى والجرحى كان آخرها في الأول من شهر فبراير (شباط) الماضي عندما قتل وأصيب اكثر من 150 شخصا. وينتمي عشاق هذا السوق الى مختلف الطبقات الاجتماعية والانتماءات الثقافية؛ فمنهم ضابط الجيش المتقاعد وأستاذ الجامعة والكاتب والإعلامي والتاجر والصبي الذي لا يتجاوز عمره عشر سنوات والعجوز البالغ من العمر سبعين عاما او اكثر يتبادلون أطراف الحديث عن نوعية الحيوانات والطيور ومواطنها ومواقيت هجرتها وخارطة انتشارها. وتغيب أحاديث السياسة والطائفية في هذا السوق والتي غالبا ما تتداول في الاسواق الاخرى ويطغى عليها الحديث عن الحيوانات وطبائعها في أجواء من الألفة والانسجام. ويتجمع رواد السوق في مجموعات كل بحسب نوع الحيوانات والطيور المعروضة فأنت مثلا ترى الشباب يتجمعون في ركن الحمائم والطيور والعصافير ويكاد يكون الاكبر من بين التجمعات الاخرى لأصحاب الثعابين والكلاب التي دائما ما تكون المفترسة منها مربوطة بأحكام بسلاسل واخرى لطيفة فيما يبهر منظر الطاووس الزبائن بمنظر ريشة الخلاب اضافة الى منظر طيور اللقلق وأنواع مميزة من اسماك الزينة في حين يتجول بائع القرود بين البائعين الآخرين. ووسط هذا المشهد، تجرى المراهنات على صراع الديوك بأنواعها المختلفة على ساحة صغيرة يحيط بها المراهنون وسط هتافات وتشجيع الجمهور المحيط بها وينتهي الصراع بتتويج أحد الديوك بالفوز فيما تغمر الفرحة الفائز بالرهان. وتختفي الحياة في سوق الغزل بعد الساعة الثالثة عصرا ويغادر الزبائن السوق بهدوء أفرادا وجماعات على أمل اللقاء في الاسبوع المقبل في ذات المكان ببضاعة جديدة.