مترو الأنفاق.. رحلة داخل سرداب في القاهرة

أعطاله كثرت وحوادث قاتلة فوق قضبانه

مترو الأنفاق شريان مهم يعتمد عليه 2.5 مليون مصري يوميا (تصوير: عبد الله السويسي)
TT

«قبل أن استعمل مترو الأنفاق بشكل يومي كنت أحسد ركابه لأنهم لن يمضوا ساعات طويلة أمام الإشارات المرورية في حر الصيف أو برد الشتاء أو زحمة بقية المواصلات العامة، لكنني منذ التحاقي بجامعة القاهرة بدأت معاناتي اليومية مع المترو». هكذا وصف محمود السباعي (21 سنة) الطالب الجامعي القاطن بوسط القاهرة، ويستقل المترو يومياً للذهاب إلى جامعته، رحلته اليومية ملخصاً عدداً من المشاكل التي يعاني منها ركاب مترو أنفاق القاهرة. فبعدما كان مترو الأنفاق أسهل وأرقى وسيلة نقل جماعية في القاهرة منذ إنشائه في أواخر الثمانينات من القرن الماضي، أصبح الآن في حالة يرثى لها. ومن تأخر في زمن التقاطر يؤدي إلى زحام غير عادي، خاصة في أوقات الذروة، إلى انتشار للباعة الجوّالين في المحطات والمعاكسات والتحرشات الجنسية، تفاقمت الأمور لتصل إلى وقوع عدد من الحوادث القاتلة.

ولا يتوقف سوء حالة المترو على المستخدِمين، البالغ عددهم 2.5 مليون راكب يومياً، لأنه مع حدوث أي عطل للمترو يلجأ هذا العدد الكبير إلى وسائل النقل الأخرى، مما يسبب زحاماً هائلاً في ساعات الذروة. فمترو الأنفاق يعد شرياناً مهماً يربط خطه الأول شمال القاهرة بجنوبها، من المرج حتى حلوان، في رحلة يقطعها القطار في نحو 90 دقيقة، بينما تحتاج السيارة لنحو ثلاث ساعات على أقل تقدير في ساعات الذروة ونحو ساعتين في أوقات أخرى. أما خطه الثاني فيربط شرق القاهرة بغربها، من شبرا الخيمة بمحافظة القليوبية وحتى المنيب بمحافظة الجيزة، في رحلة يقطعها القطار في نحو 60 دقيقة، بينما تقطعها السيارة في ساعتين أوقات الذروة واقل من ذلك في غير هذه الأوقات.

ويبدأ عمل المترو في الخامسة والنصف فجراً ويستمر شتاءً حتى منتصف الليل وصيفاً حتى الواحدة صباحاً، باستثناء فترات الأعياد والعطلات الرسمية، التي يمتد فيها عمل المترو لفترات إضافية. ويبلغ سعر التذكرة جنيهاً واحداً (الدولار يساوي 5.5 جنيه)، ويتمتع الطلبة وموظفو الحكومة باشتراكات مخفضة على التذاكر كل ثلاثة أشهر، وخصصت إدارة المترو منذ فترة عربتين للسيدات طوال اليوم، ورغم ذلك يسمح لهن بركوب بقية عربات القطار. هالة عبد الله (38 سنة)، الموظفة بإحدى المصالح الحكومية، تستخدم المترو يومياً للذهاب إلى عملها، وتقول «أعمل في مصلحة الضرائب بمنطقة قصر العيني وأستخدم المترو يوميا للذهاب إلى عملي، كما يركبه معي أبنائي (ولدان وبنت في مراحل التعليم المختلفة) للذهاب إلى مدارسهم». وتضيف «رغم الزحام وكثرة أعطاله في الفترة الأخيرة يظل أنسب وسيلة نقل بعيداً عن الزحام فوق الأرض، فالمسافة من منزلي بضاحية المعادي إلى عملي تستغرق بالسيارة 30 دقيقة، بينما يقطعها المترو في 15 دقيقة فقط». وللمترو عند هالة فوائد أخرى، فعلى أبواب محطاته ينتشر باعة الخضر ومستلزمات منزلها، وتصف ذلك قائلة، «أشترى جميع أنواع الخضر بعد تجهيزها وتنظيفها، لأوفر وقتاً وجهداً كبيرين، كما يوجد باعة الفاكهة وبقية مستلزمات المنزل».

ولكن رغم فوائد المترو من وجهة نظر هالة، فإن البعض أصبح يتخوف من ركوبه. ومن هؤلاء أحمد عبد العظيم (28 سنة)، الصحافي، الذي قال «كنت استقل المترو من منطقة سكني في المنيب إلى عملي بوسط القاهرة، إلى أن حدث عطل بأبواب القطار الذي استقله ولم تفتح في المحطة، وظل الوضع هكذا نصف ساعة، ومع الزحام شعرت بأنني اختنق، واضطر البعض لكسر زجاج النوافذ للسماح بالهواء النقي بالدخول.. ومن يومها لم أركبه». ولئن كان أحمد عبد العظيم قد توقف عن استخدام المترو، فغيره لم يمهلهم القدر، بل فقدوا حياتهم نتيجة لهذه الحوادث. ومن هؤلاء هالة رجب حسن خليفة (25 سنة) الموظفة بشركة الشرق للتأمين، التي قتلت الشهر الماضي تحت عجلات المترو بمحطة حدائق المعادي (جنوب القاهرة) بعدما أغلق أبوابه على قدمها وهي تحاول النزول، ولم ينتبه سائق المترو إلى سقوطها وتحرك بالقطار ليسحلها تحت عجلاته لمسافة 15 متراً. وفي ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، حطم سائق قطار المترو محطة حلوان بعدما اقتحمها من دون أن يبطئ سرعته، مما أدى أيضاً إلى إصابة 45 شخصاً بجروح. وبرّر السائق الحادث بأنه اشتبك مع صبية كانوا يجلسون خلف باب غرفة القيادة تاركاً القيادة للسائق الآلي، وهو ما أدى إلى وقوع الحادث، فعوقب بالسجن لثلاث سنوات.

من جانبها، تؤكد إدارة مترو الأنفاق حرصها الدائم على الارتقاء بمستوى الخدمة المقدمة، إذ قال المهندس مجدي العزب، رئيس جهاز تشغيل مترو الأنفاق، إنه تم التعاقد مع شركة بريطانية لحراسة بوابات التذاكر بالمترو لوقف ظاهرة «التزويغ» (التهرب من دفع قيمة التذاكر)، مضيفاً أن هذه الظاهرة تتسبب في خسائر كبيرة، خاصة أنها تشمل نحو 20 % من مستخدمي المترو.

أما الأعطال المتزايدة فبرّرها العزب قائلا، «الشبكة الهوائية للخط الأول (المرج – حلوان) يبلغ طولها 45 كيلومترا وتعمل على خطين، اي بمعدل 90 كيلومتراً، وتنقل جهداً كهربائياً يصل إلى 1500 فولت إلى القطار، وعدد الرحلات على الخط الواحد يقترب من 500 رحلة يومياً وهو ما يمثل عبئاً كبيرا على الشبكة الهوائية التي يبلغ عمرها 20 سنة، وتتسبب الضغوط الكهربائية في حدوث بعض الأعطال، فضلا عن أن معظم محطات الخط الأول مكشوفة وتتعرض الشبكة الهوائية فيها إلى الاصطدام ببعض الأكياس البلاستيكية أو المواد الطائرة، وأحياناً مواد خرسانية من الجسور (الكباري) فيؤدي ذلك إلى قطع الأسلاك الكهربائية وانقطاع التيار الكهربائي».

وكشف عزب عن أن الحكومة تدرس حالياً طرح أسهم المترو بالبورصة المصرية، في إطار عملية الانفصال الكامل عن هيئة السكك الحديدية المصرية، ليكون جهاز المترو شركة منفصلة، لكنه استبعد الخصخصة. وتابع أنه تجرى راهناً عمليات جرد ممتلكات المترو بهدف معرفة قيمة رأس المال والأصول الإجمالية، تمهيدا لأية عمليات اكتتاب أو طرح أسهمها في البورصة، متوقعا ألا تقل أصول المترو عن 40 مليار جنيه.

غير أن التطوير الذي تحدث عنه رئيس جهاز مترو الأنفاق لا يشعر به المستخدمون، أو كما قال سعيد ممدوح (24 سنة)، الموظف بوزارة التجارة والصناعة، «التطوير لم يظهر سوى في ثلاثة أشياء: تغيير لون القطارات، وتغيير مكان عربتي السيدات، وكتابة الإرشادات على الأرض بدلاً من تعليقها على لافتات»، ويضيف متهكما «الخط القديم للمترو (يقصد الخط الأول المرج – حلوان) لو بقي على وضعه الحالي سنتين بالكتير ح يجره حمار بدل الكهرباء».