أبشروا.. كل الأسعار ستنخفض

سعود الأحمد

TT

والعالم الإسلامي يعيش التباشير والأفراح بمناسبة عيد الأضحى المبارك، في وقت الاقتصاد العالمي تتلاطمه أمواج الأزمة المالية العالمية، بعد معاناة لا زالت الشعوب تلعق جراحها جراء تداعيات تفاقم أزمة التضخم العالمية. أزمتان متعاكستان (علو ثم سقوط) بينهما فترة لم تمهل الأسواق العالمية لتستقر وتتكيف مع الوضع المالي الجديد. ولعلي أجدها مناسبة للتركيز على بعض الجوانب الإيجابية لهذه الأزمة المالية. من زاوية تأثيرها الإيجابي على المواطن الخليجي، من ذوي الدخل المحدود.. في الفترة القريبة القادمة.

فالمتوقع أن يحصل ركود اقتصادي عالمي، يتبعه كساد اقتصادي يطال العالم بصفة عامة والدول الصناعية بصفة خاصة، مما سيضطر المصانع العالمية؛ ومنها بالطبع مصانع السيارات والمصانع الأخرى إلى تقديم عروض تحفيزية للمستهلكين.. ومن ذلك إنتاج سلع بمواصفات مغرية.. تواكبها تنازلات مؤلمة في الأسعار التسويقية وتضحيات وتسهيلات ومميزات نوعية اخرى. كأن تقدم شركات السيارات تخفيضات سعرية كبيرة على كل السيارات غير الحديثة الصنع أو ذات المواصفات الأقل تميزاً، وأن تمنح مزايا غير مسبوقة لخدمات ما بعد البيع... حرصاً من إدارات هذه المصانع على الاحتفاظ بوضعها في السوق وعدم اضطرارها لتسريح عمال وموظفين أكثر.. وحتى لا يؤدي هذا التسريح إلى حدوث خلل في تركيبة الهياكل الإدارية، مما قد يتسبب في شلل أداء الخطوط الإنتاجية. ولن يقتصر ذلك على المعدات، بل المتوقع أن كل الأسعار ستنخفض، لأن الأسعار مثل المحركات يحرك كل منهما الآخر. ومن تأثيرات الأزمة أنها ستؤدي إلى تراجع نسب التضخم وانخفاض أسعار السلع. وهو ما بدأ يظهر (جلياً) في السوق المحلي. فقد انخفضت أسعار الحديد، مما يعني اتجاه أسعار المساكن نحو الانخفاض، بل أن من المنتظر أن تصب الانعكاسات الإيجابية للأزمة المالية العالمية بمصلحة الفقراء بشكل خاص. كتراجع أسعار السلع الضرورية في الأسواق العالمية.. كالقمح والسكر والحليب والذرة والصويا والكاكاو والبن والقطن. وبالنسبة للحكومات، فسوف تستمر في الضغط على البنوك لتقديم قروض وتسهيلات ائتمانية ميسرة للمنشآت الإنتاجية، في مقابل تخفيض سعر الفائدة الذي تمنحه البنوك المركزية للبنوك التجارية، بغية توفير النقد المتاح للإقراض. والأمر الإيجابي هنا.. أن ذوي الدخل المحدود، وأقصد هنا الموظفين والمتقاعدين مهما علت مراتبهم، فهؤلاء دخلهم سيستمر في دول مثل الدول الخليجية، لأنه من غير المتوقع في المستقبل المنظور أن تلجأ الحكومات والشركات إلى تخفيض رواتب موظفيها.

في المقابل، المستثمر الخليجي في الخارج (أفراداً وحكوماتٍ) بدأ يصحو ويتعلم الدرسَ بعد أن تلقى الصفعة تلو الصفعة.. من خسائره بالأسواق العالمية. ويستوعب الدرس بأن الوطن هو خير بيئة يستثمر فيها. ولذلك يتوقع أن تتوالى التحويلات الخارجية للداخل.. لتتعاضد مع الإنفاق الحكومي في المجالات التنموية (الذي وعدت به القيادة). فلدى السعودية من الاحتياطات النقدية ما إذا سُخر للإنفاق الداخلي في السنوات القريبة القادمة، فسوف تنتعش الحالة الاقتصادية ويحصل رفاه، حتى لو وصل العالم إلى حالة من الكساد الاقتصادي. ولعلها فرصة ليفكر قادة الدول الكبرى (بجدية) في دعم اقتصادات الشعوب الفقيرة. بعد أن ظلت هذه الشعوب تنظر.. منذ اجتماع ساسة الاقتصاد العالمي في بريتون وودز عام 1944 لتأسيس صندوق النقد الدولي. وختاماً.. فإن تزامن توفر احتياطي نقدي بالخزينة السعودية مع حدوث أسوأ أزمة مالية يشهدها العالم منذ أزمة الكساد الكبير عام 1929، الأمر يؤكد النظرة الثاقبة لساسة الاقتصاد السعودي. ويحفز على التفكير في الاستغلال الأمثل لهذه الاحتياطات النقدية.

* كاتب ومحلل مالي [email protected]