الصينيون يندفعون إلى شراء العقارات منزوعة الملكية في اميركا

390 ألف مليونير في الصين في العام الحالي

أصبحت رحلات السفر إلى أميركا لشراء المنازل من الرحلات الأكثر شعبية في الصين (رويترز)
TT

خلال الأشهر الأخيرة، ظهرت مواكب الصينيين الأثرياء تطوف بمختلف المناطق الأميركية داخل سيارات «هامر» و«لينكولن نافيجاتور»، بحثا عن المنازل المنزوعة الملكية والعقارات الأخرى بغية شرائها. ففي ظل تراجع أسعار المنازل في الولايات المتحدة، أصبحت رحلات السفر إلى أميركا لشراء المنازل من الرحلات الأكثر شعبية في الصين. وقد ساعدت على ذلك الإجراءات السهلة المتاحة للسياح الصينيين للحصول على تأشيرة أميركية، وسياسات الاستثمار الأجنبي الأكثر سهولة، التي أخذت الصين في تطبيقها، حتى أضحى من السهل على الصينيين، من أمثال زاهو هونجين، الذي يعيش في بكين، عبور المحيط الهادي بحثا عن منازل يشترونها. ذهب زاهو، وهو صاحب شركة إعلامية يبلغ من العمر 48 عاما، في رحلة برية استغرقت أسبوعين داخل الولايات المتحدة، خلال فصل الخريف الماضي، وقام خلالها بزيارة مناطق بها مناظر طبيعية رائعة وتنقّل من فندق لآخر، من لوس أنجليس إلى نيويورك. يتابع زاهو التراجع غير المسبوق في الأسعار، ويفكر في الالتحاق برحلة أخرى الشهر المقبل تتوجه إلى سان فرانسيسكو ولوس أنجليس ولاس فيغاس، وتعد أسواق الإسكان في هذه المدن الثلاث الأكثر تضررا في الولايات المتحدة. وتبلغ ميزانية زاهو مليون دولار. ويقول زاهو، مشيرا إلى أنه كان مهتما بالمنازل والشقق السكنية في لوس انجليس: «لا تعد لوس انجليس سيئة، ويعيش فيها الكثير من الصينيين».

وتأتي هذه الرحلات نوعا من التغير الذي طرأ على ظاهرة قديمة، فمنذ عدة أعوام يشتري الصينيون الوافدون عقارات في جنوب كاليفورنيا، ولكن الشيء المختلف في الوقت الحالي أنهم يفعلون ذلك في مجموعات كبيرة وبصورة واضحة إلى حد ما. وتقول جامي لي، وهي صينية أميركية تدير فرع «مكتب مؤتمر لوس انجليس والزائرين» في بكين «في الماضي، كان ذلك يعد أمرا شخصيا ويحدث في هدوء بين الأصدقاء، ولكنه تطور حاليا بصورة كبيرة... أصبح ضخما. وتتحدث بعض هذه المجموعات عن الذهاب مرة كل أسبوعين».

وقد أصبحت بعثات شراء المنازل، التي يقوم بها مواطنون صينيون إلى الولايات المتحدة جزءا من اتجاه أوسع يعتنقه أفراد وشركات في الصين، وكل يبحث عن فرصة أكبر في الخارج. وخلال الأسبوع الجاري، سيصل مسؤولون في شركات تجارية ومسؤولون حكوميون من إقليم غوانغدونغ، جنوب الصين، إلى لوس انجليس لتأسيس مكتب غرفة إقليمي. ولكن، من المؤكد أن رحلات الصينيين الذين يريدون شراء الأسهم التي تراجعت قيمتها لن تنهي المشاكل التي يعاني منها قطاع الإسكان في جنوب كاليفورنيا، حيث تشير بعض التقديرات إلى أن متوسط الأسعار قد تراجع بنسبة تتجاوز 40 في المائة منذ ربيع وصيف عام 2007. بيد أن ذلك قد يساعد على تسريع عمليات البيع في بعض الأماكن، مثل منطقة جامعة كاليفورنيا ريفرسيد ووادي سان غابريل، حيث يعيش الكثير من الصينيين الأميركيين.

وتقول لينغ تشو، رئيسة رابطة محترفي العقارات الصينيين الأميركيين في سان غابريل، إن بعض السماسرة والوكلاء يرحبون بالرحلات داخل الولايات المتحدة، بغية حدوث أي تغير في الرتابة التي تسببت فيها أزمة الأسواق. ولكن، تشكك تشو، التي تقوم في الأغلب على خدمة المشترين الصينيين، الذين يزورون الولايات المتحدة، في أن أي موجة جديدة من مشترى المنازل الصينيين سوف تُحدث أثرا ذي بال، وتشير إلى أنه إذا لم يكونوا مستعدين لإنفاق أكثر من 400 الف دولار، فمن المحتمل أن يصيبهم الإحباط بسبب أسعار المنازل المتاحة. ويميل الصينيون ثقافيا إلى شراء منازل جديدة ويفضلون المناطق التي توجد بها مدارس جيدة، وهي متطلبات تدفع الأسعار إلى أعلى. وتقول تشو إن رغبة المشترين الصينيين في الدفع نقدا سوف تفيدهم في ظل أزمة الائتمان الحالية، وقد قام الكثير من عملائها القادمين بالدفع نقدا، وكان ذلك في الأغلب مقابل منازل وقصور في أركاديا، حيث يمكنها بدء عمليات الهجرة أو ترك ابنائهم، الذين بلغوا سن الجامعة لمواجهة الحياة وحدهم. ويملك الصينيون الكثير من الأموال لينفقوها، حيث يوجد لدى الحكومة المركزية في الصين أكبر احتياطي في العالم، ويبلغ قرابة 2 تريليون دولار، معظمها بعملة الدولار الأميركي. وتقدر مجموعة «بستن الاستشارية» أنه كان هناك أكثر من 391000 أسرة في الصين، تبلغ ثروة كل منها الملايين خلال العام الماضي مقارنة بـ310000 خلال العام الماضي. ولكن، تتحلى بكين بالحذر إزاء الاستثمار الخارجي، على ضوء الشكوك ذات الصلة بالأزمة العالمية والخسائر الكبيرة التي مني بها صندوق الثروة السيادي، جراء شراء حصص في مؤسسات مالية أميركية مثل بنك «مورغان ستانلي» الاستثماري. أضف إلى ذلك، فقد تراجع النمو الاقتصادي في الصين بصورة حادة خلال الأشهر الأخيرة، في الوقت الذي تضرر فيه المصدرون داخل الصين من التراجع في الطلب الأميركي، ويشهد سوق العقارات الصيني تباطؤا ملحوظا. ولكن شهدت أسعار المنازل في الولايات المتحدة تراجعا أكثر حدة مما وقع في الصين، وينظر الكثير من الصينيين إلى السوق الأميركية على أنها مكان مغر للاستثمار والإقامة بسبب الاقتصاد المتقدم هناك. وقد نشأت رحلات شراء المنازل في الولايات المتحدة من رحلات شبيهة يقوم بها الصينيون الأثرياء الذين يعودون إلى الصين. يذكر أن المستثمرين من وينزاهو والكثير من الأماكن التجارية الأخرى معروفون باستئجار الحافلات لزيارة مدن مثل مدينة شنغهاي لشراء الشقق السكنية. وحاليا يقوم البعض منهم بالاشتراك في بعض المؤسسات مثل موقع Soufun.com، وهو موقع إلكتروني يرعى رحلة لشراء المنازل تنطلق الشهر المقبل من بكين إلى كاليفورنيا ونيفادا. ويقول ليو جيان، وهو المسؤول الإداري الرئيس في «سوفون هولدنغز»، إن رحلات مؤسسته سوف تركز على المنازل التي تتراوح أسعارها بين 200 و300 الف دولار. قد سجل أكثر من 300 شخص في هذه الرحلة، التي يمكن أن تستمر عشرة أيام ويتكلف كل منهم 2200 دولار، من دون حساب تذكرة الطيران. ويقول ليو: «الكثير منهم يريد الشراء لأنهم يريدون فعليا الإقامة هناك أو أن يقيم أولادهم فيها، ولذا فإنهم يخططون لحيازة العقار لفترة طويلة إلى حد ما».

ويقول جيمس تشاوو من مؤسسة «كولد ويل بانكر جورج ريالتي» في الهامبرا، إنه يجهز للعديد من المجموعات القادمة من الصين بداية العام المقبل، تبلغ في مجملها ما يصل إلى نحو 200 شخص، وسوف تقوم شركته بتوفير الفنادق والحافلات. ويقول تشاوو إن المستثمرين المحتملين كانوا حريصين على العقارات التي تتعرض لإجراءات نزع ملكية، ولكنه حذر من أنه قد يصعب تعليمهم عملية شراء المنازل في هذا الوقت القصير. ويضيف إنه ليست لديهم المعرفة الكبيرة بمنازل العائلة الواحدة، حيث أنهم قد أتوا من دولة يعيش فيها أغلب المواطنين في شقق سكنية في المناطق الحضرية. ويقول تشاوو: «لا أعتقد أنهم يعرفون الكثير عن السوق هنا».

ولكن تختلط المشاعر لدى لي، من مكتب مؤتمر لوس انجليس والزائرين، حيال مجموعات شراء المنازل. حيث تقول إنه من ناحية سوف يقوم هؤلاء بالإقامة وتناول الطعام والتسوق في لوس انجليس، وبذلك يضخون الدولارات في الاقتصاد المحلي. وعلى الجانب الآخر، تعمل لي بجد في الصين على الترويج للميزات الأهم في لوس انجليس، مثل الطقس الرائع والشواطئ وهوليوود والأماكن الترفيهية. وتقول: «أقوم بالترويج للســياحة في لوس انجليس، وليس للذهــاب لشراء المنــازل الرخيصة». ويعاني مي تشانيو من ازدواجية لسبب مختلف، فهو كباحث في وزارة التجارة الصينية لا يرغب في أن يحدث اندفاع في عمليات شراء الصينيين للمنازل في الولايات المتحدة ليتم إحراقها. ويقول تشانيو: «في الوقت الحالي، تشهد أسعار المنازل في الولايات المتحدة انخفاضا نسبيا، ولكن من الصعب القول إلى متى سوف يستمر ذلك في الحدوث».

ويشير مي إلى أنه يجب على المستثمرين الصينيين توخي الحذر ودراسة الأسواق قبل أن ينزلقوا فيها، ففي بعض الأماكن يمكن أن تحدث حركة ارتجاعية عنيفة ومفاجئة، كما كان الحال عندما هرع اليابانيون للقيام بعلميات شراء في الولايات المتحدة خلال الثمانينات، وأضاف أن بعض المدن الأميركية قد لا تستعيد عافيتها مرة أخرى. ويضيف مي: «ما زالت الصين في عملية التمدن، ومن غير المحتمل أن تعود إلى مدن الأشباح، ولكن الوضع في الولايات المتحدة مختلف».

ويقول يوان ليتشين، إن الرحلة التي تنظمها شركته إلى الولايات المتحدة تهدف إلى التعامل مع هذه المخاوف تحديدا، حيث أنها تهدف إلى توفير فهم أوسع للزائرين للحياة الحقيقة في أميركا خلال أربعة عشر يوما، قبل أن يقوموا بشراء عقار هناك. ويضيف يوان، وهو مسؤول في قسم التخطيط في صحيفة «شباب بكين» التي تقوم بتنظيم رحلات إلى الولايات المتحدة منذ نهاية 2006: «ما نبيعه هو الثقافة، أعني الثقافة الأميركية». ويشير إلى أن هذه الرحلات لم تبدأ كرحلات لشراء المنازل، ولكن من خلال التجول في القارة داخل سيارات الدفع الرباعي، يلاحظ الناس لافتات «للبيع» خارج المنازل، بما فيها بعض المنازل التي يبدو عليها أنها خالية من السكان، وفي الكثير من الأحيان يقوم الزائرون بإيقاف السيارة ويسألون عن وضع المنزل.

ويضيف يوان: «في الوقت الحالي وبسبب الأزمة المالية، فإن المواطنين العاديين في الصين يقومون بعمليات شراء كبيرة في الولايات المتحدة. وفي الماضي، كان المسافرون يعودون من الولايات المتحدة ومعهم حقائب كبيرة مملوءة بالبضائع الأميركية، ولكن في الوقت الحالي، فإن ما يعودون به هو منزل تبلغ قيمته مئات الآلاف من الدولارات».

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ «الشرق الاوسط»