هجمات مومباي تضفي طابعا سياسيا على النخب الهندية

دعوى قضائية تتهم الحكومة بالتقصير في واجبها بحماية المواطنين

TT

يوم الأربعاء الماضي، شهدت أعلى محكمة في مدينة مومباي، رفع دعوى قضائية فريدة من نوعها، تضمنت اتهاماً للحكومة بالتقصير في واجبها الدستوري المتعلق بحماية حق المواطنين في الحياة، وحثت الدعوى الدولة على تحديث قواتها الأمنية. وتنبع غرابة القضية بصورة رئيسة من الأشخاص القائمين وراءها، وهم مستثمرون مصرفيون ومحامون وممثلون عن بعض أكبر الشركات على مستوى الهند، والتي يوجد مقرها الرئيس في مومباي، التي تعد العاصمة المالية للبلاد، وتُعرف كذلك باسم بومباي. كما انضمت غرفة بومباي للتجارة والصناعة، أكبر اتحاد تجاري بالمدينة، كجهة التماس في الدعوى. ولا تعد تلك المرة الأولى التي تشارك الغرفة في دعوى قضائية مرفوعة دفاعاً عن الصالح العام. ويعتبر الحصار الذي تعرضت له مومباي على مدار ثلاثة أيام، وانتهى منذ أسبوع، نقطة تحول بالنسبة للطبقات الثرية الهندية، حيث دفع الكثيرين ممن كانوا يعيشون في عالم آخر منفصل عن باقي الهنود، وفي معزل عن الخلل الوظيفي الذي تعانيه أجهزة الدولة، إلى المطالبة بتوفير خدمة عامة حيوية، ألا وهي الأمن. ومنذ وقوع الهجمات، التي أسفرت عن مقتل 163 شخصاً، إضافة إلى 9 مسلحين، اشتعلت مشاعر الغضب داخل قطاعات غير محتملة من المجتمع الهندي، فعلى سبيل المثال، تدفق عشرات الآلاف من الهنود الحضر الذين يجيدون التحدث باللغة الانجليزية على «قوس بوابة الهند»، وهو معلم سياحي، ليصبوا جام غضبهم على قياداتهم المنتخبة. وشهدت العاصمة، نيودلهي، اندلاع مظاهرات مشابهة، وكذلك مدينتا بنغالور وحيدر اباد الجنوبيتان، اللتان تشكلان مركزين للصناعات التكنولوجية. وجرى تنظيم جميع المظاهرات بصورة متزامنة، من خلال نشر الرسائل النصية عبر الهواتف الجوالة، وموقع فيس بوك. ويوم السبت الماضي، تجمع عدد من الشباب التابعين لحزب سياسي جديد يُدعى «لوكساتا»، أو «قوة الشعب»، عند «قوس بوابة الهند»، داعين لمجموعة متنوعة من الإصلاحات، بينها حظر المجرمين من الترشح لمناصب سياسية. يذكر أن جميع الأحزاب السياسية تقريباً، يوجد بين مسؤوليها المنتخبين مدانون ومشتبه بهم. وعجت مواقع الشبكات الاجتماعية بمجموعات عمل ألفها المواطنون، منها واحدة تدعو للامتناع عن التصويت تماماً كأحد مظاهر العصيان المدني. يذكر أن حجم المشاركة الانتخابية بين الأغنياء في الهند، أقل بكثير عنها بين الفقراء. ودعت مجموعة أخرى للامتناع عن سداد الضرائب، رغم أن الضرائب تسهم في تحسين مستوى الخدمات العامة. في الإطار ذاته، انطلقت يوم السبت حملة عبر رسائل البريد الالكتروني تحت شعار «أنا نظيف»، تحث المواطنين على عدم تقديم رشى لرجال الشرطة وعدم مخالفة الإشارات الحمراء أثناء القيادة. علاوة على ذلك، تعالت صيحات تنديد لا حصر لها تعلن كيف أن الديمقراطية أخفقت داخل هذه البلاد، التي تشكل أكبر ديمقراطية على مستوى العالم. ودفعت هذه التنديدات الصحافي فير سانغفي، الذي يكتب بصحيفة «منت» المعنية بالشؤون المالية، إلى تذكير القراء بما حدث عام 1975، عندما فرضت رئيسة الوزراء الراحلة أنديرا غاندي، حالة الطوارئ على البلاد. وكتب سانغفي يقول: «لقد بدأت أسمع نفس همهمات ونحيب الطبقة الوسطى، إزاء الطبيعة العقيمة للديمقراطية والحاجة إلى حكومة استبدادية». بيد أنه يمكن القول إن أكثر التطورات اللافتة للأنظار، هي الدعوى القضائية سالفة الذكر، نظراً لأنها تعد مثالاً نادراً على دخول أصحاب المصالح التجارية في مواجهة مباشرة مع الحكومة، بدلاً من اللجوء إلى الاتفاقات التي تُعقد في الغرف الخلفية. أما مومباي، فقد عانت من إهمال الحكومة لها على مدار سنوات عديدة. على سبيل المثال، تتسم قطاراتها بازدحام شديد، لدرجة أن متوسط من يموتون من ركابها سنوياً يبلغ 4.000 شخص، ويلقى بعضهم حتفه نتيجة دفعه من القطار في إطار التنافس المحتدم على الصعود والنزول. من ناحية أخرى، أسفرت الرياح الموسمية عام 2005 عن مقتل ما يزيد على 400 من أبناء مومباي في يوم واحد فقط. جدير بالذكر أنه لم يسبق أن مست أي من الهجمات الإرهابية السابقة، بما في ذلك ما وقع منها في مومباي، طبقة النخبة داخل المدينة، حيث عادة ما تم زرع العبوات الناسفة في القطارات العامة في الماضي، لكن قليلين ممن يتناولون طعامهم بانتظام في فندق تاج محل، أحد أكثر الأهداف تضرراً من الهجمات الإرهابية الأخيرة، يستخدمون القطارات كوسيلة نقل لهم.

* خدمة «نيويورك تايمز»