بعقوبة: مخاوف من تفاقم العنف الطائفي مع قرب تسليم ملف الصحوات للقوات العراقية

«أبناء العراق» يشكون من ملاحقتهم.. والسلطات تشكك في نواياهم

اثنان من عناصر الصحوة في بعقوبة (أرشيف «الشرق الأوسط»)
TT

أخذ طارق الجوراني يتفحص جثة شقيقه. وقال إن الدماء كست أنف وفم شقيقه، بينما تهشمت جمجمته وغطت الرضوض والكدمات بطنه وظهره وساقيه. كما ظهرت ثقوب في جثة بشير. من جانبها، قالت شرطة بعقوبة إنها علامات تشير إلى توصيل أنابيب بجسده لإصابته بفشل كلوي، بينما أكدت أسرة بشير، البالغ من العمر 34 عاماً، انه كان في صحة جيدة قبل أن يحتجزه ضباط الشرطة عند نقطة تفتيش في أواخر الشهر السابق. وأصرت الشرطة العراقية على أن وفاة الزعيم السني جاءت لأسباب طبيعية، وأنه اعترف بقتل أسر شيعية في محافظة ديالي. إلا أن أسرته وأنصاره يؤكدون أنه قاتل ضد المتطرفين وساعد في إعادة توطين أسر شيعية العام السابق باعتباره عضوا في قوة «أبناء العراق» (الصحوة) التي تتلقى تمويلاً من الولايات المتحدة. وفي الوقت الحاضر، تجري عدة تحقيقات بهذا الشأن، لكن هذه القضية تسلط الضوء على مشاعر الريبة والتشكك العميقة بين أبناء ديالى من الشيعة والسنة، مما يثير ذكريات ما كانت الأوضاع عليه داخل بغداد خلال ذروة الحرب الأهلية. من جانبها، ألقت قوات الشرطة والجيش العراقية القبض على مئات السنة العرب، الذين يعد الكثيرون منهم أعضاء بارزين بجماعة «أبناء العراق» و«الحزب الإسلامي العراقي»، أكبر التكتلات السنية في البرلمان. وأشار أحد المراقبين لأوضاع الحكومة العراقية، والذي رفض الكشف عن هويته بسبب حساسيات سياسية، إلى أن: «القوات الأمنية العراقية اضطلعت بدور بشع في ديالى. إنني أنظر إليها (ديالى) باعتبارها أحلك النقاط المظلمة في ما يتعلق بالعمليات الطائفية. إن لدي شكوكا حقيقية حيال كيفية تسيير الأمور هناك». ورغم عمليات إلقاء القبض وظهور إدعاءات بشأن وقوع أعمال تعذيب، وافق المسؤولون الأميركيون على تسليم القيادة الأمنية بديالى السيطرة الكاملة على برنامج التعامل مع «أبناء العراق» خلال الشهر المقبل. واصدر الجيش الأميركي بيانات تعرب عن الثقة في نجاح الفترة الانتقالية، منوهة بانتقال المسؤولية عن مقاتلي الجماعة في بغداد من المؤسسة العسكرية الأميركية إلى الحكومة العراقية. في هذا السياق، أعلن الليفتنانت كولونيل جيفري كلماير، المسؤول عن مراقبة العملية الانتقالية من جانب المؤسسة العسكرية الأميركية، في بيان صادر عنه: «الحكومة تقوم بالأمر الصائب. لقد سارت الأمور في العراق على نحو جيد تماماً، ونتوقع أن يحدث الأمر ذاته في باقي المحافظات». بيد أن شوارع بعقوبة تدحض هذا التفاؤل، حيث تُذكر الجدران المحترقة والمباني الممتلئة بثقوب الرصاص الجميع بالمحاولات التي سبق وأن قامت بها واشنطن لتسليم المسؤولية الأمنية إلى العراقيين، مما أسفر عن تفاقم أعمال العنف الطائفي بين السنة والشيعة وخروجها عن السيطرة وزعزعة حالة الاستقرار التي كانت قد بدأت في التحقق. وفي ضاحية التحرير، أحد الجيوب التي تحصن بها المتمردون سابقاً، يجلس اثنان من قادة جماعة «أبناء العراق» داخل غرفة معيشة ذات إضاءة خافتة وتتزين جدرانها بورود حمراء بلاستيكية. أحد الرجلين، أبو طالب، يبدل المنازل التي يقيم بها كل ليلة، خوفاً من إلقاء القبض عليه. وذلك اليوم، كان هو ونائبه في زيارة لوالده، وهو ضابط عسكري متقاعد. وتحدثا عن عالم يعج بالمؤامرات، حيث يخطط عملاء الأحزاب الشيعية السياسية لإلقاء القبض عليهم. ويقول أبو طالب: «هناك مؤامرة ضدنا، وقد أغاروا ضد منازلنا وحطموا أثاثنا. وسرقوا ممتلكاتنا. إنهم يرغبون في القضاء على أي شخص يرغب في المشاركة في الانتخابات. هذا هو أسلوب فهمهم للديمقراطية». وأخذ الرجلان يسردان أسماء مقاتليهم الذين يعتقدان أنهم تعرضوا للقتل على يد تنظيم القاعدة في العراق، وأسماء من يشتبهان أنهم قُتلوا على يد جهات على صلة بالحكومة التي يقودها الشيعة. لكن لا يمكن إثبات أي من هذه الادعاءات، وكل ما يملكانه شعورهما بالاضطهاد. في الجانب الآخر من المدينة، يجول محافظ ديالى، رعد التميمي، وهو رجل قصير أصلع يرتدي حُلة رمادية اللون وربطة عنق خضراء داخل مكتبه الواقع بمنطقة كثيراً ما تعرض الشيعة فيها للحصار على مدار السنوات الأربع الماضية على يد المتمردين السنة الذين انضم الكثيرون منهم لاحقاً إلى «أبناء العراق». تتزين جدران مكتبه بصور لرئيس الوزراء نوري المالكي، وجنرالات أميركيين. وتقع أرائك ضخمة بجانب الجدران، بينما يوجد مكتب خشبي ضخم في منتصف الحجرة، اعتاد الاحتماء به من قذائف الهاون التي تُصوب ضد المبنى.

وقد نجا المحافظ من 10 محاولات اغتيال، ولقي 25 من حرسه الخاص مصرعهم. وفي بعض الأيام، كان المبنى يتحول إلى مدينة أشباح لامتناع الموظفين عن الذهاب لعملهم خوفاً من الهجمات. وقال التميمي: «لقد قدمنا الكثير من التضحيات من أجل العراق. وفقدنا الكثير من الأشخاص. ورغم ذلك مضيت قدماً في عملي. وحرصت دوماً على المجيء إلى العمل». وقال: «إنني شيعي، لكنني حرصت على الوفاء بواجباتي تجاه الجميع». لكنه حذر زائريه من التعرض للخداع على يد «أبناء العراق». وعندما سألناه عمن يشكل الأغلبية داخل بعقوبة، أجاب: الشيعة. خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)