963 مليونا يعانون سوء التغذية في العالم العام الحالي

تقرير الفاو: النزاعات الجارية في أفغانستان والعراق تضاعف عدد جياع الإقليم

المدير العام المساعد للمنظمة يطالب بتوظيف استثماراتٍ في البلدان الفقيرة لا تقل عن 30 مليار دولار أميركي سنوياً في قطاع الزراعة للتغلب على الجوع (أ.ف.ب)
TT

اعلن جاك ضيوف المدير العام لمنظمة الاغذية والزراعة (فاو) التابعة للامم المتحدة الثلاثاء ان سوء التغذية بات يطال 963 مليون شخص في العالم بزيادة أربعين مليونا عن العام الماضي نتيجة ارتفاع اسعار المواد الغذائية.

وقال خلال مؤتمر صحافي أمس الثلاثاء «انضم هذه السنة اربعون مليون شخص اضافي الى صفوف الذين يعانون من سوء التغذية في العالم نتيجة ارتفاع اسعار المواد الغذائية بشكل اساسي، بحسب تقديرات الفاو الاولية».

وحذرت الفاو في بيان نشر بموازاة المؤتمر الصحافي ان «هذا يرفع عدد الجياع في العالم الى 963 مليونا، بالمقارنة مع 923 مليونا عام 2007. ومن المحتمل ان تؤدي الازمة الاقتصادية والمالية الحالية الى زيادة عدد الذين يعانون من الجوع والفقر».

وإذا كانت بلدان الشرق الأدنى وشمال إفريقيا تقليدياً من أقل بُلدان العالم معاناةً من ظاهرة سوء التغذية، فإن النزاعات الجارية (في أفغانستان والعراق) مقرونةً بظاهرة ارتفاع أسعار المواد الغذائية دفعت بأعداد مَن يعانون سوء التغذية بالإقليم من 15 مليوناً خلال الفترة 1990 ـ 1992 إلى 37 مليونا بحلول عام 2007.

وكان جاك ضيوف افاد في سبتمبر (ايلول) انه منذ ارتفاع اسعار المواد الغذائية فان عدد الاشخاص الذين يعانون من سوء التغذية في العالم ازداد 75 مليون شخص خلال العام 2007 وحده فوصل الى 923 مليونا.

وفي هذا الصدد قال المدير العام المساعد لدي المنظمة، الدكتور حافظ غانم، أن «أسعار المواد الغذائية في العالم سجّلت انخفاضاً بالمقارنة إلى الفترة المبكِّرة من عام 2008، لكن الأسعار الأوطأ لم تنه الأزمة الغذائية لدى العديد من البلدان الفقيرة».

وأوضح المدير العام المساعد للمنظمة بالقول إن «تناول ما يكفي من الغذاء كل يوم بالنسبة للملايين من سكان الُبلدان النامية، لعيش حياةٍ من النشاط والصحة يظلّ حُلماً بعيد المنال. إذ أن المشكلات الهيكلية للجوع، مثل العجز عن امتلاك الأراضي وعن الحصول على فرص الائتمان والعَمالة، مقرونةً بارتفاع أسعار المواد الغذائية لم تزل تمثل الواقع الأليم الذي تعيشه يومياً».

فإذا كانت أسعار الحبوب الرئيسية قد هبطت بنسبةٍ تناهز 50 بالمائة مقارنةً بمستويات الذروة التي بلغتها في وقتٍ سابق من عام 2008 فهي لم تزل مرتفعة مع ذلك قياساً على مستوياتها خلال السنوات السابقة. وعلى الرغم من الهبوط الحادّ للأسعار في الأشهر الأخيرة، يؤشِّر دليل أسعار المواد الغذائية لدى المنظـمة إلى ارتفاعٍ مقداره 28 بالمائة في اكتوبر (تشرين الأوّل) الماضي مقارنةً بالأسعار السائدة خلال اكتوبر2006. وبينما قفزت أسعار البذور والأسمدة بما يتجاوز ضِعف مقدارها منذ عام 2006، يعجز المزارعون الفقراء عن رفع مستويات الإنتاج، على النقيض من المزارعين الأكثر يُسراً على الأخص لدى الُبلدان المتقدمة مَمن يسعهم تحمُّل التكاليف الأعلى لهذه المستلزمات والتوسُّع في زراعاتهم. وبناءً على ذلك، فإن إنتاج الحبوب لدى البلدان المتقدمة من المحتمل أن يرتفع بنسبة 10 بالمائة على الأقل عام 2008، في حين لن تتجاوز الزيادة لدى الُبلدان النامية نسبة واحد بالمائة.

وما حذرّ منه الدكتور حافظ غانم أيضاً، أنه «إذا ما أجبرت الأسعار الأوطأ والضائقة الائتمانيّة المترتّبة على الأزمة الاقتصادية الراهنة المزارعين على زراعة محاصيلٍ غذائية أقل، فالممكن أن يُطلق ذلك العَنان لدورةٍ أخرى من التصاعُد المأساوي في أسعار المواد الغذائية بحلول السنة المقبلة». وأضاف أن «بلوغ هدف مؤتمر القمّة العالمي للأغذية 1996، لتقليص عدد الجياع بمقدار النصف بحلول عام 2015يتطلَّب التزاماً سياسياً قوياً وتوظيف استثماراتٍ في البلدان الفقيرة لا تقل عن 30 مليار دولار أمريكي سنوياً في قطاع الزراعة والضمان الاجتماعي للفقراء».

ويعيش نحو 907 مليون نسمة في البلدان النامية، وفقاً للبيانات المُستَحصلة عام 2007 والواردة في تقرير المنظمة «حالة انعدام الأمن الغذائي في العالم. وتُقيم الأغلبية العظمى من الجياع طبقاً للتقرير، لدى سبعة بلدان هي: الهند، الصين، جمهورية الكونغو الديمقراطية الشعبية، بنغلاديش، إندونيسيا، باكستان، إثيوبيا؛ وهي بلدانٌ من المقدّر أن ينعكس أي تقدّم يُحرَز لديها في الحدّ من هذه الأعداد على تقليص مجموع عدد الجياع في العالم أجمع.

ويكاد يُعثر على ثلثي مجموع الجياع في العالم في قارة آسيا (583 مليوناً عام 2007)، حيث تتركز أعدادٌ سكانية كثيفة تقليدياً ويُحرز تقدم بطئ نسبياً في احتواء الجوع.

وكجانبٍ إيجابي، فقد أحرز بعض بلدان جنوب شرق آسيا مثل تايلند وفيتنام تقدّما جيّداً صوب إنجاز هدف مؤتمر القمة العالمي للأغذية لعام 1996، وإن كان البعض الآخر بجنوب آسيا وآسيا الوسطى قد تعرَّض لنكساتٍ في جهوده لخفض أعداد الجياع.

أمّا في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، فإن واحداً من كل ثلاثة أشخاص، أي 236 مليون نسمة عام 2007، يعانون من الجوع المزمن، وهو أعلى معدل سكاني قاطبةً نسبةً إلى المجموع السكاني العام استنادا إلى تقرير المنظمة. وجديرٌ بالملاحظة أن معظم الزيادة في عدد الجياع وردت من بلدٍ بعينه هو جمهورية الكونغو الديموقراطية، وكنتيجةً للنزاع الواسع والمتواصل قفز عدد الجياع من 11 مليون نسمة إلى 43 مليوناً خلال الفترة 2003 ـ 2005 بينما حَلّقت نسبة مَن يعانون نقص التغذية من 29 إلى 76 بالمائة في غضون نفس الفترة.

وبالمقياس الكلي أحرزت إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى عموماً بعض التقدّم في خفض أعداد من يعانون الجوع المزمن، من 34 بالمائة (1995 ـ 1997) إلى 30 بالمائة (2003 ـ 2005). وإذ أنجز كلٌ من غانا، والكونغو، ونيجيريا، وموزمبيق، وملاوي أكبر معدلات في خفض أعداد مَن يعانون نقص التغذية، تَبرُز غانا بوصفها البلد الإفريقي الوحيد الذي نجح في تحقيق هدف تقليص عدد الجياع على نحو ما حددته قمّة الغذاء العالمية لعام 1996، وكذلك بلوغ هدف الألفيّة الإنمائية بهذا الصدد على الأكثر بفضل الزيادات التي حققها الإنتاج الزراعي القومي لديه.

وبعدما أبلت بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي بلاءً حسنّاً على طريق خفض معدلات الجياع قبيل بدء أسعار الأغذية في الارتفاع، سرعان ما عاودت أعداد الجياع لدى هذا الإقليم الفرعي تصاعدها مع حركة ارتفاع أسعار المواد الغذائية، لتصل إلى 51 مليون شخص في عام 2007.

حتى إن كان بعض البلدان تواصل مسيرتها على الطريق المرسومة بلوغاً لهدف مؤتمر قمة الغذاء قبيل تصاعُد أسعار المواد الغذائية، فحتى تلك البلدان لم تلبث أن وجدت نفسها «تتعرَّض لنكساتٍ بعدما مُحي بعض تقدّمها المحرَز من جرّاء ارتفاع أسعار الأغذية»، حسبما أكد الدكتور حافظ غانم. وإذ «أثّرت الأزمة إلى أبعد حدٍ على أشدّ الفقراء، والمُعدمين، والأسر التي تعيلُها الأمهات»، فما من شكٍ في أن جهداً عالمياً هائلاً وعازماً، واتخاذ إجراءات ملموسة لن يكون ثمة محيدٌ عنها «لخفض عدد الجياع بمقدار 500 مليون نسمة بحلول عام 2015.

بيد أن ما قد يُفاقم حالة الجوع في العالم أكثر فأكثر هو إمكانية أن تنعكس الأزمة المالية الراهنة علي الاقتصاديات الحقيقية لأعدادٍ متزايدة من الُبلدان. فمن شأن هبوط الطلب الاستهلالكي لدى البلدان المتقدمة أن يهدّد موارد الدخل في البلدان النامية، إذا ما هبطت صادرات الأخيرة إلى الأولى. كذلك فإن التحويلات المالية، والاستثمارات، وغير ذلك من تدفّقات رأس المال متضمِّنةً المساعدة الإنمائية ذاتها فتواجه اليوم خطراً ماثلاً عليها. وحتى إذا كان للأزمة الاقتصادية ذاتها أن تدوم فترةً قصيرة الأجل، فإن الاقتصاديات البازغة لبلدان مرحلة التحوُّل تواجه على وجه الخصوص عواقب الضائقة الائتمانيّة التي قد تنعكس عليها لفترةٍ طويلة مقبلة.