الصحافيات الأفغانيات يواجهن طالبان.. وضغوط المجتمع

العنف ضد المرأة يتصاعد.. والعاملات يتعرضن لعمليات تخويف

TT

«في النهاية، النساء يفهمن بعضهن بعضا، دردشة يصطحبها فنجان شاي تفتح ابواب الحديث عن أصعب الامور». هكذا شرحت المصورة الكندية لانا سلزيج قدرتها على التواصل مع النساء الافغانيات اللاتي فتحن لها ابواب منازلهن لتصورهن في كتابها «المنبوذات». والكتاب يحمل صوراً خاصة لنساء افغانيات، ويروي قصصهن بين قهر المجتمع الذكوري والمخاوف الأمنية. وما ترويه سلزيج في صورها، تعيشه الصحافية الافغانية فريدة نيكزاد، نائبة مدير وكالة أنباء «باجوك افغان» المستقلة، والتي حصدت جوائز عالمية عدة لشجاعتها على مواصلة عملها منذ زمن حكم طالبان وحتى اليوم. وتحدثت نيكزاد عن تحديات النساء في افغانستان، التي لا تختصر فقط على التحديات الامنية بل تشمل الجوانب الاجتماعية ايضاً. وقالت: «إن العنف ضد المرأة يتصاعد في مناطق كثيرة بافغانستان لأسباب عدة؛ منها الفقر ومقتل الزوج، مما يضعفها في المجتمع، ومنها تقوية طالبان في الفترة الاخيرة... ومنها انتشار المقاتلين السابقين في صفوف الحكومة وقوات الامن». «الشرق الاوسط» التقت بسلزيج ونيكزاد في لندن، في مقر المفوضية العليا الكندية في بريطانيا لافتتاح معرض لصور سلزيج ومعرض آخر حول عمل الافغانيات في ميدان الصحافة رغم التحديات التي تواجههن. وخلال دقائق من لقائهما، تبادلت سلزيج ونيكزاد تجاربهما عن الحياة في افغانستان ومصاعب العمل هناك، لتتفقا على ان التأثير الاجتماعي على واقع النساء بافغانستان أوسع بكثير من التأثير السياسي. ولفتت نيكزاد وسلزيج الى تراجع الوضع الأمني خلال العام الماضي، مما يعيق التطور الاجتماعي الذي يعتبر اساسياً لتقدم افغانستان. وقالت سلزيج: «من المستحيل ان اقوم بالعمل الذي قمت به بين عامي 2004 و2006 اليوم.. هذا شيء مستحيل اليوم». وبينما أكدت نيكزاد أنها وغيرها من الافغانيات يواصلن عملهن، إلا انها أقرت بأن ظروف عملهن باتت أصعبَ. واوضحت: «بعد سقوط نظام طالبان، كانت هناك فرص جيدة للنساء، التحق الكثير منهن بمجالات عمل عدة، وخاصة الشابات، إذ اتجهن للاعلام وكانت الامور جيدة في المرحلة الاولى، لكن مع الاسف الامور تتراجع يوماً بعد يوم». واضافت: «منذ عام 2006، نواجه تحديات عدة منها الأمنية مع استهداف الصحافيات، ومنها الاجتماعية مع زيادة الضغوط على آبائنا وإخواننا لمنعنا من العمل»، موضحة: «ما زالت مستويات التعليم قليلة جداً، وما زال الرجال غير مستعدين لقبول النساء في اماكن العمل ويواجهون انتقادات شديدة للسماح لهن بالعمل». وتابعت ان الضغوط الاجتماعية تزداد مع مخاوف العائلات على حياة العاملات مع تصاعد استهدافهن في السنتين الماضيتين، قائلة: «مقاتلو طالبان المشكلة الأكبر، لا يريدون رؤية النساء يعملن، والصحافيات يُستهدفنَ بشكل اخص لاهتمامهن بقضايا المرأة وكشفهن عن قضايا مثل زواج مقاتل عمره 60 عاماً من طفلة عمرها 10 سنوات». واضافت: «انهم يستهدفون الصحافيات من اجل منع تغطية جرائمهم». وتحدثت عن حالات التخويف التي تتعرض لها لمنعها من العمل، قائلة: «في ثالث يوم من عملي، قتلت صحافية عمرها 18 عاماً، وقطعت جثتها ووضعت اشلاؤها بالقرب من منزلي.. ولكن ذلك لم يوقفني عن العمل». من جهتها، قالت سلزيج ان التخويف مشكلة بحجم مشكلة عدم تثقيف الامهات ليدفعن بناتهن للعمل والدفاع عن حقوقهن. واضافت: «قضايا المرأة مصدرها المنزل والحياة العائلية اكثر من أي شيء آخر، هذا ما يجب معالجته وبالطريقة السليمة»، لكنها اردفت قائلة: «هذه التقاليد مبنية على قرون من العادات وتغييرها لن يكون سريعاً».

وبدأت علاقة سلزيج بافغانستان عام 2004، عندما ذهبت الى كابل في مهمة صحافية كان من المفترض ان تستمر 6 اسابيع، لتطول سنتين بعد تعلق سلزيج بالبلاد وعزمها على البقاء فيه لتنقل صورة الافغانيات الى الخارج. وقالت سلزيج: «عندما وصلت الى كابل صدمت بما رأيته، فكان الاعلام الغربي يتحدث عن تحرير الافغانيات لكنني رأيتهن يرتدين البرقع ويلزمن المنازل بسبب ضغوط كبيرة عليهن»، مضيفة: «كان الحديث عن تحريرهن سطحياً فقررت البقاء في البلاد لمعرفة حقيقة واقعهن الذي ما زال بعيداً عن الكثير من الغربيين». وعلى الرغم من اهتمامها بدفع حقوق المرأة الى الامام في افغانستان، الا ان سلزيج عبرت عن رأيها بأن «التغيير يجب ان يكون من الداخل، الاطفال يتأثرون باهلهم وبالاجواء في المنزل والسؤال هو كيف يمكننا دخول المنازل وتغيير تفكيرها». ومن ابرز صور سلزيج صورة ليتيمة اسمها غولساما، وهي الفتاة الوحيدة في دار ايتام بقندهار أرغمت على الزواج وعمرها 4 سنوات، لتتعرض للضرب والحبس قبل ان تهرب من دار زوجها بعد 7 سنوات من المعاناة ولتصل الى دار الايتام حيث صورتها سلزيج. وتعتبر كندا حقوق المرأة من ابرز القضايا التي يجب معالجتها من خلال مشاركتها في استقرار افغانستان حيث يشارك 2500 جندي كندي ضمن قوات «ايساف» التابعة لحلف الشمال الاطلسي (الناتو). ومن المرتقب ان تمنح كندا 1.3 مليار دولار للحكومة الافغانية للمساعدة على إعادة إعمارها بحلول 2011، ويعتبر تعليم البنات من ابرز القضايا التي تهتم بها كندا. وعدد المفوض السامي الكندي في لندن، جيمس رايت، حالات العنف ضد المرأة في افغانستان عام 2007، قائلاً: «كانت هناك 2374 حالة عنف ضد النساء عام 2007، بما فيها 165 حالة من حرق النساء لانفسهن». واضاف: «بحسب الامم المتحدة، تموت امراة افغانية كل 29 دقيقة بسبب مشاكل متعلقة بالانجاب». وأضاف «يجب الا تضلل هذه الاحصاءات التقدم الحقيقي الذي انجز منذ عام 2001، فالنساء الافغانيات اليوم يتمتعن بخدمات صحية وتعليمية افضل، وهناك اكثر من 6 ملايين طفل افغاني في المدارس ـ ثلثهم بنات». وتابع: «النساء يتمتعن بحقوق التصويت والعمل والدراسة التي منعها نظام طالبان».

واتفقت نيكزاد مع هذا التقييم، قائلة: «يجب الا نقلل من اهمية الانجازات التي تحققت منذ 2001، هناك وزيرات وبنات في المدارس وناشطات في مجالات عدة، وهذا امر مهم، ولكن بعد 30 عاما من الحرب والاضطهاد علينا ان نصبر وبعمل على التغيير الداخلي بشكل تدريجي، لكن المهم عدم العودة الى الوراء». وأضافت: «المهم ان تتعلم النساء حقوقهن والدفاع عنها، مع المحافظة على التقاليد. فإنني افغانية ومسلمة من عائلة شريفة وعليَّ حماية هذا الشرف».