محامون يشككون في فرص الحكومة الأميركية في إدانة 6 متعاقدين متهمين بقتل عراقيين

وثائق الاتهام: حراس «بلاك ووتر» أطلقوا النار من دون استفزاز في ساحة النسور ببغداد

ثلاثة من أقارب ابراهيم عبد المفرجي الذي قتل برصاص حراس «بلاك ووتر» في 16 سبتمبر (ايلول) 2007 يزورون قبره في مقبرة ببغداد أمس (أ.ب)
TT

توصل تحقيق أجرته وزارة العدل تم الكشف عن تفاصيله، اول من أمس، إلى أن خمسة حراس أمنيين تابعين لشركة «بلاك ووتر»، متهمين بقتل مدنيين عزل في بغداد العام السابق، كانوا يعملون داخل المنطقة في تحد لأوامر الحكومة الأميركية الصادرة إليهم، وأنهم فتحوا نيران أسلحتهم الأوتوماتيكية وقاذفات آر. بي. جي، مما أسفر عن مقتل بعض الأشخاص أثناء محاولتهم الاستسلام أو الفرار. تفاصيل الدعوى القضائية التي تقدمت بها الحكومة الأميركية ضد الرجال الخمس جاءت في وثائق المحكمة التي كشف النقاب عنها أحد القضاة الفيدراليين. وقدم حارس سادس، جيرمي بي. ريدجواي، معلومات للسلطات بشأن حادث إطلاق النار الذي وقع في 16 سبتمبر (أيلول) عام 2007 في ساحة النسور ببغداد. وأسفر الحادث عن مقتل 17 عراقياً على الأقل وإصابة 20 آخرين، الأمر الذي أدى إلى تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة والعراق بصورة بالغة، وتنامي الدعوات لفرض مزيد من الرقابة على نشاطات شركة «بلاك ووتر» والمقاولين المتعاقدين معها المسؤولين عن توفير الأمن بالعراق الذي يعاني من غياب الاستقرار. من جانبها، أعلنت السلطات الفيدرالية أن ريدجواي تعاون مع المحققين ومكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) ـ الذي أجرى أحد أكثر التحقيقات تعقيداً في تاريخه خارج البلاد ـ كجزء من اتفاق توصل إليه يعترف بمقتضاه بارتكابه جرائم أقل خطورة. ورفض باتريك روان، نائب وزير العدل، التعليق خلال مؤتمر صحافي عُقد اول من أمس على ما إذا كان ريدجواي سيشهد ضد زملائه السابقين في «بلاك ووتر». يذكر أن الحراس الآخرين قالوا إنهم كانوا يدافعون عن أنفسهم بعد أن تم إطلاق النار عليهم من جانب متمردين مشتبه فيهم. لكن ريدجواي، الذي كان في العربة الأخيرة مما سمح له بمعاينة المشهد بأكمله، قدم معلومات تشير بقوة إلى أن حادث إطلاق النار وقع دون استفزازات مسبقة، حسبما أوضحت السلطات. وأشار بيان وقعه ريدجواي والمحققون إلى أن أعضاء القوة «رافين 23» التابعة لـ«بلاك ووتر» لم يكن مصرح لها بمغادرة «المنطقة الخضراء» المحصنة يوم وقوع حادث إطلاق النار. لكن ريدجواي أضاف في بيانه أنهم فعلوا ذلك استجابة لتقارير تفيد بانفجار عبوة ناسفة بدائية الصنع بالقرب من نقطة أمنية تابعة «لبلاك ووتر» على بعد ميل من ساحة النسور. واستطرد ريدجواي موضحاً أن الفريق التابع للشركة رفض كذلك أوامر صدرت لهم لاحقاً من الحكومة الأميركية بالانسحاب من المناطق المدنية ببغداد والعودة إلى «المنطقة الخضراء» «في أسرع وقت ممكن». وقال ريدجواي إنه: «بالتعارض مع هذا الأمر، مضت القوة رافين 23، تحت إمرة قائد النوبة، قدماً في إقامة متاريس في ساحة النسور لوقف مرور السيارات المدنية». وطبقاً لما ورد في شهادة ريدجواي ووثائق المحكمة وتصريحات كبار مسؤولي وزارة العدل، فإن مثل هذه الإجراءات مهدت الساحة أمام الحادث الدموي، الذي تفاقم جراء عدم بذل الحراس التابعين «لبلاك ووتر» «أية محاولات لتوفير تحذير مناسب» لسائق سيارة سيدان بيضاء طراز كيا تقدم على نحو غير مقصود من المتاريس بعد وضعها بدقائق وفشل في وقف السيارة تماماً. وقال ريدجواي إنه والأعضاء الآخرين في القوة أمطروا السيارة بوابل من الرصاص، مما أسفر عن مقتل كل من كانوا بها، وهم طالب من كلية الطب، يدعى أحمد هيثم، وآخر يدعى أحمد الربيعي ووالدته وهي طبيبة. وأضاف ريدجواي أنه بعد دقائق غادرت قوة الشركة الميدان «واستمرت في إطلاق نيران المدافع الآلية على سيارات المدنيين التي لم تشكل أي تهديد للقوة». وأوضح جوزيف بيرستشيني، مساعد مدير المكتب الميداني في واشنطن التابع لمكتب التحقيقات الفيدرالي، والذي تولى قيادة التحقيق، أنه: «في ذلك اليوم في بغداد، حول الدائرة المرورية المزدحمة المحيطة بساحة النسور، كان المواطنون العراقيون متجهين لتناول الغداء، أو متوقفين في السوق، أو يتنقلون بصحبة أفراد أسرهم وأطفالهم». ووصف عمليات إطلاق النار التالية بأنها: «مثيرة للصدمة وتشكل انتهاكاً لحقوق الإنسان الأساسية». وقال إن عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي والمحققين والمتخصصين الشرعيين قاموا بأربع رحلات على الأقل لبغداد لجمع الأدلة. وأشار جيفري تايلور، النائب العام الأميركي عن واشنطن، إلى أن أحد الضحايا تُوفي جراء إصابته بطلق ناري في صدره أثناء وقوفه بالشارع رافعاً يده لأعلى، علاوة على استخدام الحراس التابعين «لبلاك ووتر» قاذفات آر.بي. جي. في إطلاق النار على مدرسة للفتيات، مما أدى إلى سقوط المزيد من الضحايا. وأكد تايلور أنه: «لم يكن أي من ضحايا هذا الحادث مسلحين. ولم يكن أي منهم من المتمردين». جدير بالذكر، أن المتهمين الخمسة سلموا أنفسهم للسلطات في ولاية يوتا اول من أمس. وأشارت مصادر مقربة من المتهمين إلى أنهم فعلوا ذلك في محاولة لجعل النظر في القضية يجري داخل هذه الولاية، وليس واشنطن، حيث تمت إدانتهم بعد تحقيق مطول من قبل هيئة محلفين كبرى. لكن قاضياً في يوتاه أمر بمثولهم أمام محكمة في واشنطن في السادس من يناير (كانون الثاني)، حيث من المتوقع أن يدفعوا الاتهام عن أنفسهم. ويواجه كل من الرجال الخمسة 14 اتهاماً بالقتل العمد و20 اتهاماً بمحاولة القتل. وعلى خلاف الحال مع ريدجواي، تم اتهامهم باستخدام سلاح آلي في ارتكاب جريمة عنف، وهي جريمة يعاقب عليها القانون بالسجن لمدة 30 عاماً كحد أدنى. إلا أنه لم يتم توجيه اتهام إليهم فيما يخص ثلاثة من القتلى. وقد حدد قرار الاتهام المتهمين على النحو التالي: بول إي. سلو، 29 عاماً، من كيلر في تكساس، ونيكولاس إيه. سلاتن، 24 عاماً، من سبارتا بتين، وإيفان إس. ليبرتي، 26 عاماً، من روتشستر من نيو هامبشير، وداستن إل. هيرد، 27 عاماً، من ماريفيل في تين، ودونالد دبليو. بول، 26 عاماً، من ويست فالي سيتي في يوتا. من جانبه، وافق ريدجواي على الاعتراف باتهام واحد يخص القتل العمد وآخر يرتبط بمحاولة القتل، ويواجه عقوبة السجن لمدة 17 عاماً على الأقل. وقد تم إلقاء القبض عليه في واشنطن يوم الجمعة. وتقول وزارة العدل إن هذا الأمر مكن المحققين من تقديم جميع المتهمين الآخرين للمثول أمام المحكمة داخل العاصمة على مدار الشهور القادمة. وحتى الآن، لم يتم تحديد موعد للمحاكمة. وحتى قبل إعلان توجيه الاتهامات، اتهم محامو الدفاع الحكومة بالمضي قدماً في القضية، انطلاقاً من دوافع سياسية. وأكدوا أنه سيكون من المستحيل إدانة المتهمين بالقتل، بالنظر إلى المناخ العام الخطير في هذا الجزء من بغداد وقت وقوع الحادث. وأضاف المحامون أن وزارة الخارجية منحت حصانة للمتهمين في بداية الأمر مقابل تعاونهم، الأمر الذي يفسد أي أدلة تم الحصول عليها بناءً على هذا الاتفاق. ويطعن المحامون في فكرة تمتع وزارة العدل بولاية قضائية تسمح لها بتوجيه اتهامات في ظل قانون الولاية القضائية العسكرية خارج نطاق التشريع الوطني، والذي ينطبق في الغالب على القوات المسلحة الأميركية العاملة خارج الأراضي الأميركية. من ناحيته، قال كارل توبياس، الاستاذ في كلية ريتشموند للقانون، إنه سيكون من الصعب على الحكومة كسب هذه القضية بسبب المسائل المتعلقة بالولاية القضائية والحصانة. وأضاف أنه: «نشأت بعض هذه المشكلات من فشل الحكومة الأميركية في خلق إطار عمل واضح يمكن تطبيقه بالنسبة للمقاولين الأمنيين الخصوصيين، مما أدى إلى عملهم في إطار من الخواء القانوني».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)