لغة الصورة في أيام الحج.. «دراما» و«قفشات» و«عدسات ذكية»

تعد منى المسرح الأكبر للعرض وتشهده من دون ملل أو رقيب

TT

«المخرج» دولةٌ بأكملها، وأبطال العمل حجاجٌ اكتسوا الأبيض، أتوا شعثاً غبراً، طالبين الجنة تلك الجائزة التي لا يقاسمهم عليها أحد، وقمة الإثارة في مشهد النفرة من عرفات مهللين ومكبرين في «كورالٍ متسق» وكأنهم قد دربوا على صناعة المشهد منذ سنوات.

ذاك هو مشهد الحج في المشاعر المقدسة الذي يحوي جميع أنواع الدراما وعناصر القصة وعروض الأزياء - بعد التحلل، والفانتازيا كلها تحدث في 72 ساعة في حنايا وعلى طرقات منى فقط، لتشهد مدة العرض بالكامل والمشاهدة دونما ملل ودونما مقصٍ للرقيب.

وتشهد منى «المسرح الأكبر للعرض» تجليات الحدث الأعظم والحبكة الدرامية الإلهية، مستقبلة جموع الحجيج الذين انطلقوا وعادوا منها وإليها، مكتنفةً دور العرض «الجمرات الثلاث» التي تتسابق لتصويرها قنوات الأرض والسماء.

ويأتي التنقل بين المشاعر المقدسة بتزامنٍ منضبط وديناميكية متصلة ليخلق الحدث الأبرز تاركاً الحبكة «العقدة» التي ما انفكت وهي تعلن رصانتها وارتباطها بجميع شعائر الحج من تحلل ورمي للجمرات وطواف وإفاضة وجميع النسك المشروعة. أيام التشريق الأولى بمشعر منى خليطٌ من الأحداث الدرامية، وشريطُ من الأحداث التي تكرس القيم الحياتية والمجتمعية لأكثر من مليوني حاج، اختزلوا تعدد الثقافات وتعدد المفاهيم في رقعةٍ جغرافيةٍ صغيرة وهو ذاته ما يذهب إليه المخرج السعودي محمود شباب في أن مشهد الحج من بدايته إلى نهايته «يقف ألف مخرجٍ ومصور عنده عاجزين عن التقاط الأبعاد الفنية والجمالية التي تكتنفها مظاهر الحج». ويضيف مخرج القناة الرياضية السعودية أن « الزوم» للكاميرا من الممكن تسليطها على المشاهد المختلفة في الحج مازالت ضئيلة مقارنةً بالفن والروعة والدراما التي يشهدها الحجيج، وكأن المشهد في رونقه وروعته قد تم فعلاً بشكلٍ مدرب ومنسق وأشرف عليه آلاف المدربين والمهنيين والمحترفين الذين برعوا في مجال الإخراج بكل أناقته.

ويستطرد المخرج محمود شباب أن أكثر المشاهد الدراماتيكية التي استوقفته هذا العام «هي رؤية أحد الضباط السعوديين الذي يحمل رتبةً كبيرة، وهو يقود احدى العربات بيديه في عز الزحام لأحد المسنين من خارج البلاد».

وأضاف «أمام هذا المشهد تنصهر أمامه كل المناصب وتسمو الإنسانية وتتعاظم أخلاق رجل الأمن السعودي الذي لم يأمر من هو أصغر منه في المنصب بل بيديه قام وعمل واحتسب الأجر أولاً وأخيراً عند الخالق سبحانه». من جانبه، يوضح خضر الزهراني، مصور فوتوغرافي في الشركة السعودية للأبحاث والنشر أن رؤية إحدى النساء وهي تجهش بالبكاء والنحيب بعد رميها جمرة العقبة الكبرى كان أبرز مشهدٍ تراجيدي استطاعت كاميرته أن تلتقطه، مضيفاً «أن منظرها يوحي بالطهر والإيمان والاتصال بالله جل وعلا، مشيراً الى أنه كل عام يقوم بتغطية موسم الحج وفي قناعاته تأصل أن هناك ثمة صورة في مكانٍ ما تنتظر عدسة مبدع ورؤية حاذق ليلتقطها ويسمو بها انتصاراً للجماليات الإنسانية».