أميركا: سوق الأوراق المستعملة تعاني من الكساد

بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية

أحد مصانع الورق المستعاد من الورق المستعمل في الصين (أ.ف.ب)
TT

جُمِّعت كميات كبيرة بقايا الورق المقوى والورق العادي والمواد التي تستخدم في التعبئة في أكوام كبيرة تبلغ عدة طوابق داخل مخزن ستيف يونغ البالغ مساحته 130.000 قدم مربع في مدينة كوميرس. وقد جاءت هذه الكمية المهولة نتيجة لتفريغ الشاحنات 600 طن من أوراق النفايات كل يوم لأكثر من أسبوع، مما أدى إلى امتلاء المخزن عن آخره. وفي العادة، يتم شحن هذه النفايات إلى الصين، حيث يتم نقعها وتحويلها إلى عجينة ورقية، وتأخذ دورتها لتتحول من جديد إلى صناديق كرتونية جديدة، تتم تعبئة العديد من البضائع والسلع فيها، ثم تشحن مرة أخرى إلى المحلات الأميركية. لكن الجديد هنا، أن المستهلكين الأميركيين لم يعودوا يشترون أجهزة التلفزيونات، أو أجهزة الكومبيوتر، أو اللعب الجديدة هذه الأيام، فضلاً عن أن الاقتصاد الصيني يتباطأ هو الآخر. وبالتالي، تتكدس أكوام أوراق النفايات، والكرتون بمخزن يونغ ولا تذهب إلى أي مكان. وفي ذات الوقت، انخفضت أسعار هذه المادة بنحو 75% في الستة أسابيع المنصرمة، ومن المحتمل أن تكابد بشدة للنهوض من جديد بينما يستمر الضعف في الطلب. إن هذا الأمر له مدلول أكبر كثيرا من مجرد قصة عن كميات من أوراق النفايات غير المرغوب فيها، فهذه الكومة من النفايات الأميركية ما هي إلا نافذة على الاقتصاد المضطرب في العالم بأسره، والذي لم يعد فيه المستهلكون الأميركيون يشترون المنتجات، كما أن المصنعين الصينيين الذين عادة ما يلبون رغبات هؤلاء المستهلكين يشهدون تباطؤا خطرا إلى أبعد الحدود في نموهم الاقتصادي. ويقول بيتر وانغ ـ المدير التنفيذي لشركة أميركا تشانغ نام بالمدينة الصناعية، أكبر موردي أوراق النفايات المستخدمة بالولايات المتحدة: «يرتبط النمو في الصين إلى أبعد الحدود بما يجري في الولايات المتحدة، إنه تأثير تتابعي». وقد زاد اعتماد المصنعين في الصين على أوراق النفايات القادمة من الولايات المتحدة بصورة كبيرة على مدار السنوات العديدة المنصرمة، إذ أدت عوامل التعرية، والقيود المفروضة على استخراج لب الخشب إلى تقييد قدرتهم على إيجاد المواد الخام لصنع الورق. كما ازدادت شهية الشركات إلى أوراق الكرتون الأميركية المعالجة، والتي تعتبر الجود عالميًا نظرًا لأنسجتها وأليافها القوية. وحسبما أفادت به لجنة التجارة الدولية الأميركية، تم تصدير 11 مليون طن من أوراق القمامة بقيمة 1.5 مليار دولار إلى الصين في العام الماضي، مقارنة بـ1.1 مليون طن فقط بقيمة 57 مليون دولار في عام 1998. ويقول خبراء إن الكمية التي تم تصديرها إلى الصين العام الماضي بلغت حوالي خُمْس كمية أوراق النفايات في الولايات المتحدة. وكان من المتوقع أن يحقق هذا العام رقما شبيها بما سجل عام 2007، حتى تراجع الطلب على هذه المادة الشهر الماضي. ويظهر الانخفاض على طلب أوراق المهملات في ضعف أسواق البضائع والسلع الأخرى، التي كان الاقتصاد الصيني المزدهر ينقض للحصول عليها، ومنها المواد الخام المستخدمة في التشييد، وإنتاج المصانع. ويقول دونالد ستراسزهيم ـ الخبير الصيني لدى روث كابيتال بارتنرز في نيوبورت بيتش: «أضر ضعف السوق المتقدمة بالصين، وجميع الأسواق الناشئة الأخرى، لقد كانت الصين من أكبر الدول المقبلة على استيراد الورق، والنحاس، وكل منتجات الحديد، والصلب، إلا أن عمليات الطلب انخفضت في الوقت الراهن». وقد أعلن البنك الدولي الشهر الماضي أن معدل النمو الاقتصادي لدى الصين قد بلغ 9.4% حتى الآن في هذا العام، ومن المحتمل أن ينخفض ليصل إلى 7.5% في عام 2009، وسيكون هذا هو المعدل الأدنى منذ 19 عامًا. وذكرت صحيفة بيبولز دايلي الرسمية التابعة للحزب الشيوعي، أن الرئيس الصيني هو جينتاو أشار إلى عميق قلق الصين إذ حذر اجتماع لقيادات الحزب الشيوعي أخيرًا من أن الصين ممهدة بخسارة قدرتها التنافسية مع تضاؤل الطلب على الصادرات. وقد أدى النمو المتباطئ للصين مع الركود المستمر في الاستهلاك في السوق الأميركية، إلى تغير في وضعية الموردين الذين شهدت أنشطتهم التجارة ازدهارا خلال الطفرة الاقتصادية الصينية. وطبقًا لجورنال أوف كومارس، أتت شركة وانغ ـ أميركا تشانغ نام ـ شركات على رأس شركات شحن حاويات التصدير العام الماضي، وكانت واحدة من تسع شركات لأوراق المهملات تم تصنيفها على أنها من أكبر 20 شركة مصدرة بالولايات المتحدة. ويقول وانغ، تواجه الشركة حاليًا انخفاضًا في حجم مبيعاتها يبلغ 30% مقارنة بالصيف. وتتجه كل مبيعات وانغ تقريبًا إلى الصين، فيما تذهب نصف هذه المبيعات شركة شقيقة هناك، والتي تحمل اسم «ناين دراغونز بيبر»، وتدير هذه الشركة مصنعاً خاصاً بها. وطبقًا لتقرير هورون ـ التي تتبع نخبة رجال الأعمال بالصين والذي صدر في شنغهاي ـ يمتلك كلا الشركتين زانغ ين ـ الذي يحمل الترتيب رقم 15 بين أغنى الشخصيات في الصين.

وتجدر الإشارة إلى أن زانغ قد احتل المرتبة الثانية العام الماضي، إلا أن أسهم ناين دراغونز فقدت حوالي 80% من قيمتها في سوق هونغ كونغ للأوراق المالية منذ بداية العام، وذلك بعد تقارير وردت بشأن انخفاض الدخول فيها. وانعكس انخفاض قيم الورق في الفترة الأخيرة على الإحصاءات الكلية للصناعة أيضًا، ويعود هذا الانخفاض في غالبه إلى شهر سبتمبر. ويقول قادة الصناعة إن هذا الانخفاض كان مؤلمًا للغاية، كما أنه غير مسبوق من قبل. وفي هذا الصدد يتحدث جيم يانغ ـ رئيس نيوبورت سي إتش إنترناشيونال في بريا قائلاً: «انخفضت الأسعار كثيرًا للدرجة التي لا نعلم إلى أين ستصل، لقد تم إرسال الكثير من هذه المواد إلى أماكن النفايات، فيما يتكدس الكثير منها في المخازن في حالة إذا ما ارتفعت أسعارها مرة أخرى، فهي متقلبة فعليًا». وكما أوضح يانغ، ذهبت معدلات الكرتون المتموج من 250 دولارًا للطن في أغسطس (آب) إلى 75 دولارًا في أكتوبر (تشرين الأول)، ثم وصلت إلى 100 دولار للطن هذه الأيام. ويقول يانغ والعديد من الموردين الآخرين إن هذا التأرجح حث المشترين الصينيين لاستغلال الظروف، من خلال مطالبتهم للحصول على معدلات سعر أرخص بعد أن ظلت أوراق النفايات باقية في المخازن بالولايات المتحدة بدون بيع، بل إنه في بعض الحالات، وبعد وصول الشحنات إلى الموانئ الصينية، يتجه المشترون إلى طلب الحصول على خصومات أكثر في الأسعار تزيد على 70%. ويقول يانغ: «واضح أنه من غير الأخلاقي أن يتم خرق اتفاق، أو إعادة التفاوض من جديد والسفينة في عرض البحر، ولكن ماذا تفعل؟ فلا يمكنك القتال بعد أن تم للتو طعنك». ويعتري كاليفورنيا إنتجراتد ويست مانجمينت بورد (مجلس إدارة المخلفات المتحد في كاليفورنيا) القلق البالغ إزاء هذه الأزمة، إذ دعا المجلس لعقد اجتماع خاص في 10 ديسمبر (كانون الأول) مع المسؤولين والموردين لنقاش أساليب تذليل الصعوبات، والحيلولة دون إغلاق الشركات. ومن أحد الخيارات التي تم طرحها ودراستها أن يتم التنازل عن القيود المفروضة المتعلقة إلى أي مدى يمكن للموردين تخزين مواد المخلفات، بالتالي يمكنهم الانتظار حتى عودة الأسعار التنافسية مرة أخرى. ويقول جون مايرز ـ مدير الاتصالات بالمجلس: «تأثر الكثير من شركائنا من هذا الانخفاض الجذري في الأسعار، فقد حدث سريعًا. وتركنا عمليات التصنيع مرة أخرى دائمًا على السوق، وقد شهدنا ارتفاعًا كبيرًا في الأسعار على مدار السنوات الأخيرة، إلا أننا لم نشهد انخفاضًا كبيرًا على هذا النحو من قبل». وأوضح يونغ ـ المورد الذي تتكدس أوراق النفايات لديه في مخزنه ـ أن معدلات أوراق الكرتون المموجة بالنسبة له قد انخفضت في منتصف أكتوبر (تشرين الأول) إلى 40 دولارًا للطن مقارنة بـ170 دولارًا للطن ـ ولا يعتبر هذا الأمر جيدًا على اعتبار أن أقل سعر قد خفضه من قبل كان 90 دولارًا للطن. ويقول يونغ ـ الذي أسس شركة ألان في بالدوين بارك عام 1963، ويمتلك قواعد استهلاكية داخلية وخارجية مشابهة ـ إنه يوم «عسير بالنسبة لنا». وبدلاً من بيع المواد التي يملكها بالخسارة، أثر يونغ زيادة مساحة مخزنه بنحو 400.000 قدم، وأن يقوم بتخزين تلك المواد حتى يرتفع سعرها من جديد. وأملاً في تهدئة مخاوف موظفيه، نشر يونغ مذكرة في أنحاء الشركة كتب فيها: «انخفضت أسعار المواد المعالجة لدينا بشدة.. ويتصرف المستهلكون الخاصون بنا كما لو كانوا قد تعرضوا لزلزال قوته 8 ريختر»، وتابع قائلاً: «لقد شهدنا ركودًا في الأعوام، 2001، 1996، 1990، 1985، 1980، 1975. وتعايشنا معها، وجنينا القليل من الربح».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»