مقال «خروف العيد» صدمة لأي قارئ مسلم

TT

ليس يخفى، حتى على عوام المسلمين، أن الأضحية شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام، أكدتها وفصلت أحكامها نصوص الكتاب والسنة، وارتبطت في تاريخ الإيمان وضمائر أهله، بفداء أبي الأنبياء لابنه إسماعيل بذبح عظيم كما روى القرآن المجيد، وبالهدي الذي يسوقه الحجيج ويذبحونه، تقربا إلى المولى جل شأنه، كما ارتبط كل ذلك بالبلد الحرام مكة المكرمة، فما يذبح المسلمون في جميع أنحاء العالم أضحياتهم، إلا اقتداء بالحجيج، وما يقومون بهذا النسك إلا وقلوبهم وأرواحهم متعلقة وأبصارهم شاخصة لهذا البلد الحرام.

من أجل ذلك جاء مقال الأخ مشاري الذايدي المعنون «خروف العيد» صدمة عنيفة لأي قارئ مسلم بصفة عامة، ولنا نحن السعوديين بصفة خاصة، ذلك أن المقال في مجمله، ومن مبتدئه إلى منتهاه، نقد غير موضوعي وغير موفق وغير لائق، لهذه الشعيرة الإسلامية التي كان يعظمها حتى أهل الجاهلية قبل الإسلام، بل إن هذا المقال هو في جوهره تحقير بالغ الإسفاف للشعائر الدينية الثابتة بالكتاب والسنة، وتفريغ ظالم لمضمونها الإيماني والروحي، وهو كذلك إفراط في التجني على المسلمين الحريصين على هذه الشعيرة، إيمانا بالله وتصديقا لرسوله صلوات الله وسلامه عليه، لأنهم ـ كما أخبرنا مقال الذايدي ـ إنما يقومون بالتضحية باعتبارها طقوسا اجتماعية، يفرضها التظاهر وتتطلبها الوجاهة الاجتماعية، ومن ثم فإنها ـ والكلام للذايدي ـ تندرج في باب البذخ المذموم والإسراف الضار، الذي يورد أهله المهالك، وكأنه ـ فوق اجترائه على ضمائر الناس ونوايا العباد ـ إنما يستدرك على الله عز وجل، الذي شرع الأضحية، وعلى رسوله المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، الذي ذبح مائة من الإبل يوم النحر، أو كأنه لا يقرأ أو يسمع، ما تفيض به أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، عما يهدره الناس في أعيادهم وساحات لهوهم ـ مسلمين وغير مسلمين ـ، من بلايين ـ نعم بلايين ـ في شتى ضروب اللهو الحرام، في الكباريهات وعلب الليل وأندية القمار وبؤر المخدرات، ودور الترفيه البريء وغير البريء!؟

وليت الأمر قد اقتصر على تحقير الأخ الذايدي لشعيرة من شعائر الله، ونسك من مناسك الحج الأكبر، وإفراغه من جوهره الإيماني ومضمونه الروحي، وليته اكتفى بالافتئات على ضمائر الذين يعظمون شعائر الله، التي هي من تقوى القلوب، والادعاء بأنهم يهدرون أموالهم رياء وسمعة، بل إنه جعل الحرص على أداء شعيرة الأضحية، سببا لأبشع جرائم القتل العمد والسطو المسلح والتزوير والسرقة، إذ اعتمد في مقاله على شائعات كاذبة، تزعم أن قاتل ابنة الفنانة المغربية في القاهرة وصديقتها، قد ارتكب جريمته للحصول على مال يشتري به خروف العيد، وأن نساء مصريات ارتكبن جريمة تزوير، من أجل توفير ثمن الأضحية، وكلها شائعات كاذبة، ربما يتفكه بها من لا أخلاق لهم من الناس، ولم يؤكدها تحقيق أو يتثبت من وقوعها ثقة، وحتى لو ارتكب ذلك مسلم أو اثنان أو أكثر، فان انحرافات العباد وآثامهم، لا تقوم حجة على بطلان ما افترضه الله على عباده، ولا يجوز أن تلصق بالثابت الصحيح من شعائر الدين.

وان تعجب فعجب أن يصدر ذلك كله، من كاتب دأب على انتقاد جرأة الغلاة على الفتيا، دون علم أو تثبت أو تأهيل، واتهامهم لقلوب الناس وضمائرهم، وتهجمهم على إيمانهم تارة بالكفر وأخرى بالفسوق، وثالثة بالمروق والعصيان، فقد بدأ الأخ الذايدي مقاله بفتوى مفادها أن الأضحية مستحبة، ومهما يكن الحكم الفقهي في هذه المسألة، فإن الكاتب ليس مؤهلا للفتوى بالاستحباب أو غيره، وإلا فهي فوضى الفتوى التي ينتقد الغلاة بسبب ممارستها، وما جعله الله على الناس بوكيل، ويتهجم على ضمائرهم، وينتقص من إيمانهم، ويعلم ما خفي حتى على الأنبياء من نواياهم، وقد قرأ قوله تعالى في محكم التنزيل «يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون» (الصف 3).

وبعد فليس يألم المرء أن يكون للأخ مشاري الذايدي ـ على المستوى الشخصي ـ الحق كغيره من الناس، أن يعتقد بما شاء وأن يعبر بما شاء، إنما المؤلم حقا أن ينشر مثل هذا اللغو والافتئات على الله وعلى الناس، في مطبوعة مرموقة ومتميزة كـ«الشرق الأوسط»، مما لا يليق بها وبرعاتها، الذين عرفوا بتعظيم شعائر الله والاستمساك بشرائعه، والإنكار على الافتئات والغلو، أيا كان نهجه ومصدره.

أ. ن. ح ـ السعودية