بائعة متجر تسرد متاعبها في كتاب ساخر يفضح عالم العمل في المتاجر

«سندريلا» الجديدة باتت نجمة وألهمت أفلاماً عن تجربتها

TT

عندما دخلت آنا سام مجال العمل في المتاجر الكبرى كبائعة لبعض الوقت، كانت في العشرين من عمرها، ولم تزل في دراستها الجامعية. وكانت تحضر للعمل لفترة وجيزة من أجل توفير تكاليف دراستها.

لكن بعد تخرجها لم تُتح أمامها وظيفة أخرى. وعليه، ظلت بهذه المهنة لمدة ثماني سنوات أخرى. وبذلك أصبحت سام طالبة الأدب الحديث بائعة بأحد المتاجر. وتراجع عالمها المهني ليقتصر على أحد المتاجر القائمة خلف ملعب كرة القدم بمدينة بريتاني التي تبعد 200 ميل عن باريس. وجاء شهر يونيو (حزيران) الماضي حاملاً معه كتاب «متاعب بائعة» لتتحول سام من شخصية مغمورة إلى أخرى تسلط عليها أضواء الشهرة باعتبارها صاحبة كتاب حقق أعلى المبيعات. ويسرد الكتاب بأسلوب مرح ما تعنيه تجربة بيع منتجات طوال ساعات اليوم لزبائن لا يكادون يلحظون وجودك. وتم بيع قرابة 100 ألف نسخة من الكتاب. وخلال لقاء أجري معها، علقت سام على الكتاب بقولها: «إن من السهل قراءته، فحتى عملاء المتاجر باستطاعتهم قراءته»، في تعبير يعد مثالاً على النبرة الساخرة التي تغلب على مذكراتها التي تمتد لـ190 صفحة.

ويعد نجاح كتابها والشهرة التي اكتسبتها دليلين على أنه حتى داخل عالمنا المتزايد تعقيداً يوماً بعد يوم، لا يزال بمقدور الأفراد العاديين إحداث تغيير داخل فرنسا من خلال التعبير عن أفكار قوية وإجبار القادة السياسيين على الإنصات إليها. وأوضحت سام أنه منذ البداية كان هدفها وصف الحياة داخل مكان العمل من منظور شخص وجِدَ هناك بالفعل، وليس شخصا درس مكان العمل هذا في الكلية أو قرأ تقرير حكومي بشأنه. وأضافت: «يكشف ذلك أنه ليس علينا أن ننصت فحسب لمن يحكموننا. وإنما باستطاعة الشخص العادي رفع صوته ليسمع له الآخرون». ومنذ الصيف، شكل الكتاب مصدر إلهام لمشروع فيلم يتناول قصة سام التي تعد أشبه بقصة سندريلا الشهيرة. وقام كتاب آخرون بوضع فيلم موسيقي بناءً على الكتاب بحيث يتولى إنتاجه الممثل والمخرج الباريسي جاكي جورج كنال. كما قرر الناشرون إصدار نسخة كوميدية من الكتاب. ويجري التفاوضُ بشأن إصدار ترجمات للكتاب في كل من هولندا وإيطاليا والبرتغال والبرازيل وألمانيا وأسبانيا وتايوان.

أما سام، التي تحولت فجأة إلى شخصية شهيرة، فقد تلقت دعوات للظهور في برامج حوارية تلفزيونية كي تشرح للفرنسيين المعنى الأعمق وراء تجربة يمر بها معظمهم مرة واحدة أسبوعياً في الأقل. كما تم استدعاؤها هذا الأسبوع من قبل لجنة تتبع البرلمان الفرنسي للاستماع إلى آرائها حيال ما إذا كان ينبغي تعديل القانون ليسمح للمتاجر بفتح أبوابها أيام الأحد. علاوة على ذلك، استعانت بها شركة ألمانية متخصصة في مجال إنتاج المكاتب التي يقف عندها الباعة لفحص البضائع أخيراً لتقديم النصح إلى مهندسي الشركة بشأن الشكل الأمثل الذي قد يرغبه الباعة لهذه المكاتب. وقالت سام، 29 عاماً، إنها وصديقاتها دخلن على مدار سنوات عدة في تحدٍّ لبعضهن بعضا حول وضع كتاب يشرح تفاصيل الإهانات التي يضطررن إلى تحملها في عملهن. وتعرضت هذه النسوة للازدراء من جانب رؤسائهن الذين كانوا يدركون تماماً أن هؤلاء العاملات بحاجة الى الوظيفة، لكن النصيبَ الأكبرَ من الإهانة جاء من قبل العملاء الذين اعتبر الكثيرون منهم، على ما يبدو، الموظفة جزءاً من آلة فحص البضائع ذاتها. في هذا الصدد، تقول سام: «حرصت دوماً على قول أهلاً وشكراً. إن هذا هو الحد الأدنى في التعاملات. لكن الناس لم يدركوا ذلك». وبدأت سام في رفع صوتها العام الماضي من خلال مدونة، حيث قدمت سرداً مستمراً لما يدور في عالم السيدات البائعات. واجتذبت المدونة عددا كبيرا من القراء، والذين رد بعضهم برسائل تشجعها على المضي قدماً. كما اجتذبت المدونة العديدَ من مراسلي الصحف، الذين زاروا سام وزوجها، ريتشارد، وكتبوا مقالات يصفون فيها الصوت الجديد المعبر عن المضطهدين. واتضح فيما بعد أن دور النشر الباريسية كانت تنصت لسام. ورأى البعض منها في سام فرصة لوضع كتاب يحقق أفضل المبيعات. وعليه، اتصل بها العديد من الناشرين في الربيع، حسبما قالت سام. واختارت سام دار نشر «ستوك» باعتبارها الجهة التي شعرت بأنها ستمنح لعملها قيمته الحقيقية. في مقدمة الكتاب، كتبت سام أن «هناك عملاء من اليسير التعامل معهم، وآخرين يصعب التعامل معهم. وهناك أغنياء وفقراء، وأن هناك آخرين يعانون عقدا نفسية ويتسمون بالتبجح. وهناك من يتعاملون معك كما لو كان لا وجود لك، وهناك من يلقي عليك التحية، وهناك من يصمم على الانتظار حتى يفتح المتجر أبوابه. وآخرون يأتون للمتجر دوماً عند موعد الإغلاق. هناك من يصطدمون بك، وهناك من يوجه إليك الإهانة. من إذن يمكنه الزعم بأن حياة البائع تخلو من الأحداث المثيرة؟». ورغم أن النبرة تظل مرحة على امتداد صفحات الكتاب، فإن بعض المواقف التي تعرضت لها سام بالوصف لا تندرج تحت مسمى المزاح. على سبيل المثال، تم تمديد جداول العمل للبائعات بحيث لم يعد هناك يوم عطلة دون عمل، علاوة على صوت الصفارات الالكترونية التي يجب الإبقاء عليها كي يستمر العملاء في التحرك نحو باب الخروج وبحوزتهم مشترياتهم.

وربما تتمثل أكثر الأحداث التي سردها الكتاب إثارة للشعور بالألم عندما شاهدت سام سيدة تشير باتجاه مكان المحاسبة على البضائع، وتقول لطفلها، كما لو أن سام لا تسمع حديثها «هل ترى يا عزيزي، إذا لم تذاكر دروسك بجد، سينتهي بك الحال في العمل بائعاً مثل هذه السيدة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»