عائلات معتقلي «السلفية الجهادية» في المغرب تطالب بإطلاق ذويها

جمعية النصير: كنا نطمح أن نسمع ردا حول الحوار مع المعتقلين.. لكن الدولة التزمت الصمت

TT

وقفت الطفلة نهى، 4 سنوات، رافعة فوق رأسها صورة والدها، رضا بنعثمان، المعتقل في سجن مدينة القنيطرة (شمال الرباط) على خلفية أحداث إرهابية، أمام مقر المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بالعاصمة السياسية للمغرب، أول من أمس، بمناسبة الذكرى الستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

بدت نهى، في منتهى البراءة والدهشة، وهي تتطلع حولها بعينين واسعتين تمسحان المكان الذي كان يضج بأصوات عائلات معتقلي السلفية الجهادية، التي تطالب بإطلاق سراح أقاربها، مرددة في وقت واحد، وبصوت واحد، وسط التهليل والتكبير، شعارات تدعو إلى ضمان «الكرامة والعدالة للمعتقلين الإسلاميين، ووضع حد للاختطاف والتعذيب».

وربتت جدة نهى، على كتف حفيدتها بحنان، وهي تقول لها: «سوف تتعلمين النضال من أجل حقوق الإنسان منذ صغرك»، فيما صرحت لـ«الشرق الأوسط»: «إن والد نهى تم اعتقاله ومحاكمته بشبهة تشجيع الإرهاب، لا لشيء سوى لأنه عبر في الانترنت عن مناصرته ودعمه لجهاد العراقيين ضد الاحتلال الأميركي».

وشاركت أجيال مختلفة في الوقفة الاحتجاجية التي دعت إلى تنظيمها جمعية «النصير للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين» أول من أمس، تحت شعار: «من أجل حوار جاد وإيجابي ومسؤول مع المعتقلين الإسلاميين بالسجون المغربية». كانت هناك الوالدة المسنة، والزوجة المنقبة، والأخت الشابة المرتدية لمعطف وسروال «جينز» وحذاء رياضي خفيف، لكن القاسم المشترك بينهن جميعا، هو ما يعشنه من معاناة، نتيجة اعتقال أبنائهن أو أزواجهن أو إخوانهن. كن يترقبن حلول عيد الأضحى بكل شوق، كما عبرن عن ذلك، أملا ورغبة في اقتسام لحظاته مع أقربائهن، في ضوء تواتر الأخبار عبر وسائل الإعلام المغربية عن مشروع العفو عنهم، بعد فتح الحوار معهم من لدن الجهات المعنية، «لكن الفرحة لم تكتمل، ولم يتحقق أي شيء حتى اللحظة»، تقول إحدى النسوة.

وانبرى عبد الرحيم مهتاد، رئيس جمعية «النصير»، ليعرب في كلمة ألقاها بالمناسبة، عن الإحساس بالخيبة، قائلا: «كنا نطمح لأن نسمع ردا رسميا حول موضوع الحوار من لدن الدولة، ولكنها ما زالت تلتزم الصمت». وأعلن مهتاد عن عدم استفادة السجناء في العيد من بعض الامتيازات التي اعتادوا أن يحظوا بها في مثل هذه المناسبات، متسائلا عن السر الكامن وراء ذلك.

ووصف الوضع داخل السجون المغربية بالكارثي، الذي نتج عنه إصابة العديد من السجناء بأمراض، استوجبت نقل بعضهم إلى المستشفيات، في حالة صحية حرجة. وأشار مهتاد إلى ما وقع أخيراً عشية العيد من اعتداء حين أقدم أحد سجناء الحق العام بسجن مدينة سلا، المجاورة للرباط، «على طعن مدير السجن لحسابات شخصية بينهما»، على حد تعبيره. وأوضح مهتاد أن هدف الوقفة الاحتجاجية لجمعيته هو دعوة الدولة إلى الانخراط الفعلي في حوار حقيقي، من اجل طي هذه الصفحة، «ووضع حد لمأساة أبناء المعتقلين الإسلاميين المعرضين للضياع». وتحدثت بعض أمهات وزوجات المعتقلين لـ«الشرق الأوسط» عن فصول درامية في حياتهن، واسترجعن اللحظات التي تم فيها توقيف أبنائهن أو أزواجهن، بعد تفجيرات 16 مايو (ايار) بمدينة الدار البيضاء.

وبنبرات صوتية حزينة، قالت رقية خرموز، والدة سعيد بن كيران، الذي قضت المحكمة بسجنه مدة 20 سنة، أمضى منها حتى الآن خمس سنوات، إنه كان مسالما، ويشتغل في سوق الخضر المركزي بمدينة الدار البيضاء، وأنه هو معيلها الوحيد، بعد وفاة والده، وتأمل في أن تراه خارج أسوار السجن قريبا، قبل رحيلها من هذه الدنيا.

أما شامة الصوفي فهي والدة أخوين شابين، هما خالد وسعيد نقيري، يقضيان معا حكما بالمؤبد، الأول كان يمارس التجارة في أحد محلات البقالة، والثاني كان عاملا في إحدى الوحدات الصناعية، وتقول إنهما ينبذان العنف، ولم يتم العثور لديهما على أي دليل يمكن إدانتهما به، حسب قولها. وحكت نورا كودير، وهي أيضا من مدينة الدار البيضاء، كيف أن زوجها مهم عبد الحق، ومهنته صباغ، المحكوم بالمؤبد، «مستعد للوقوف أمام أكبر قضاة العالم لتبرئة ذمته من شبهة الإرهاب». وذكرت نورا أن ابنته سلمى، 12 سنة، تنتظر الإفراج عنه بفارغ الصبر، وكذلك ابنه عبد الحميد، 5 سنوات، والذي اعتقل والده عبد الحق لحظات قليلة بعد مولده، وتعرض للاعتقال في اللحظة التي كان يستقبل فيها وليده، مما ترك في نفسها حزنا عميقا.