«عرس» سنوي لحصير فقد الكثير من جلاسه

المهرجان الوطني للحصير في دورته الثالثة بتونس

ما زال الحصير يحتل مكانته في زينة الدار والحوش في المناطق التونسية الجافة («الشرق الأوسط»)
TT

لا يمكن أن تصنع الحصير من دون أن تلتجئ إلى نبتة السمار، المادة الأولية الأساسية لصناعة الحصير في تونس، ولمدينة نابل التونسية الواقعة على مسافة 60 كلم الى الشمال الشرقي للعاصمة، تقاليد في هذه الصناعة التي تتميز بها المدينة إلى جانب الفخار والصناعات الجلدية.

وعلى الرغم من تغيير العديد من العائلات التونسية لعاداتها خلال السنوات الأخيرة، وأصبح إقبالها على المواد المصنّعة أكثر منه على المواد الحرفية، فان الحصير مازال يحتل مكانته في زينة الدار والحوش، بالنسبة للعائلات القاطنة في المناطق الجافة وشبه الجافة، التي لا تحتمل في معظم الأحيان استعمال الزرابي المصنعة، وذلك بسبب كثرة الغبار وسهولة اتساخها.

في إطار المحافظة على هذه الصناعة، التي تعرف صعوبات على مستوى إقناع المستهلك العادي بالإقبال عليها، نظمت المندوبية الجهوية للصناعات التقليدية بنابل بالتعاون مع اللجنة الثقافية المحلية الدورة الثالثة للمهرجان الوطني للحصير بنابل، وهو ما اعتبره جل العاملين في القطاع بمثابة العرس السنوي الذي يجتمع خلاله «الحصايرية»، كما يسمونهم، وذلك في محاولة لإحياء هذه الصناعة وإذكاء جذوتها بعد أن شهدت صعوبات عدة بسبب «الغزو» التجاري للبضائع الأقل سعرا والأقل جودة... وتخلل الدورة الجديدة من هذا المهرجان معرض لإبداعات الحرفيين في صناعة الحصير، تميز بمجموعة من الأشكال الإبداعية إلى جانب ورشات حية، عرض من خلالها الحرفيون مهاراتهم بصفة مباشرة على زوار المعرض، وقدمت أثناء هذا العرض منتجات متعددة مصدرها الأساسي مادة السمار، وشملت القائمة الحصير والسلة والمقاعد والمحفظات والكراسي والحقائب النسائية والمزهريات وهو ما اعتبر بمثابة فتح أبواب جديدة أمام الحرفيين، تجاوزوا من خلاله الحصير إلى مشتقات أخرى لها نفس الأصول... ويعتبر هذا المهرجان مناسبة مهمة للبحث عن نماذج تراثية، ولكنها متجددة مع العصر، وهو فرصة للتمسك بتراث الأجداد، كما قالت فوزية الهيشري رئيسة اللجنة الثقافية المحلية بنابل، منادية بضرورة «إعادة الروح الإبداعية لقطاع الحصير بنابل خاصة من قبل الحرفيين والباحثين وطلبة معاهد الفنون الجميلة»... أما عفيف جراد المندوب الجهوي للصناعات التقليدية بنابل فقد اعتبر المهرجان بمثابة المحطة المضيئة التي يقع من خلالها التعريف بقطاع الحصير والأهمية البيئية والصحية لهذا المنتوج التقليدي... وحث الشباب التونسي على تلقي تكوين في هذا المجال حتى يتسنى للبلاد إيجاد جيل جديد من الباعثين يأخذ المشعل عن الحرفيين الحاليين... ومن ناحيته قال عبد العزيز بن عايدة الحرفي المختص في صناعة الحصير إن القطاع استرجع أنفاسه، وهناك إقبال من السياح والأجانب على هذه الصناعة الحرفية ذات الطابع التقليدي المميز، وقال إن الحل حسب رأيه يكمن في ضرورة المزاوجة بين التراث والحداثة، حتى يتمكن المتسوق من بضاعة مميزة تجمع بين عراقة الصناعات التقليدية وجمالية الصناعات الحالية... أما الفرجاني الهمالي أمين الحصايرية في نابل، فقد أكد على ضرورة تكوين الأجيال الجديدة في هذا الميدان الذي لم يعد ميدان إغراء للشباب كما كان منذ عقود وربما يكون الحل كما يرى الهمالي في إدراج التكوين في قطاع الحصير ضمن اختصاصات مراكز التكوين المهني، وبذلك يكون التكوين معترفا به. الشهادة التي يحصل عليها الشبان يمكن معادلتها ببقية الشهادات... كما يمكن التفكير في إدراج صناعة الحصير في مجال الإبداعات اليدوية حتى لا تبقى هذه الحرفة مبهمة في أذهان الفئات الشابة... ويبقى الحصير مكونا أساسيا من مكونات الدار التونسية العربية، كما تجلت استعمالاته في المناطق السياحية والفضاءات المهيأة لاستقبال الزائرين، مثل المطاعم الفاخرة والمطاعم والمقاهي السياحية.