الصومال: الرئيس الانتقالي يعزل رئيس حكومته.. وعدي يرفض وينتظر قرار البرلمان

اتهمه بالعجز والإخفاق في تحقيق أي إنجاز.. ومخاوف من انهيار السلطة الانتقالية

الشيخ مختار أبو منصور المتحدث باسم حزب الشباب المسلم في الصومال يتعهد لوسائل الإعلام في مؤتمر صحافي بأنه لن يقوم بأي أعمال ضد الحكومة أو القوات الأجنبية في مقديشو أمس (رويترز)
TT

أطلق الرئيس الصومالي عبد الله يوسف أمس بشكل مفاجئ رصاصة الرحمة على رئيس حكومته العقيد نور حسن حسين (عدي) وأطاح به، بعدما اتهمه في خطاب علني أمام أعضاء البرلمان المجتمعين في معقل السلطة الانتقالية في مدينة بيداوة الجنوبية، بالعجز والإخفاق في تحقيق أي انجاز يذكر، رغم مرور عام على توليه منصبه.

واستنفرت القوات الإثيوبية حشودها العسكرية في مختلف أرجاء الدولة، التي تعانى منذ عام 1991 حربا أهلية وقوى سياسية غير محدودة، فور انتهاء خطاب يوسف، وسط تكهنات بأن قراره بإطاحة رئيس وزرائه يعنى المزيد من تدهور العلاقات مع رئيس الوزراء الإثيوبي ميلس زيناوي، الذي كان يعتبر عدي حليفا مقربا لبلاده.

ولم يصدر على الفور أي تعقيب رسمي من إثيوبيا، التي تعتبر الحليف الابرز سياسيا وعسكريا لترويكا الحكم الثلاثية في الصومال (الرئيس والحكومة والبرلمان)، فيما تعيد الأزمة بين يوسف وعدي إلى الأذهان الجدل الذي تابعه الصوماليون بين يوسف ورئيس حكومته السابق علي محمد جيدي، الذي اضطر في نهاية المطاف إلى الاستقالة من منصبه، بعدما رفض البرلمان منحه الثقة.

وقال مصدر صومالي رفيع المستوى لـ«الشرق الأوسط»، إن الرئيس الانتقالي لن يعين مرشحا مؤيدا لإثيوبيا خلفا لعدي، مشيرا إلى أن الرئيس الصومالي رفض الخضوع لكافة الإغراءات والتهديدات الإثيوبية ضده إذا ما رفض التراجع عن موقفه الخاص بإطاحة عدي.

وكشف المصدر النقاب عن أن تلويح إثيوبيا بسحب قواتها العسكرية الموجودة في الصومال منذ نهاية عام 2006، قبل مطلع العام المقبل، كان محاولة للضغط على يوسف عبر التلويح بإمكانية أن تسقط السلطة الانتقالية التي يقودها، إذا ما تخلت إثيوبيا عن دعمها وحمايتها عسكريا في مواجهات جماعات المعارضة المناوئة لها. يشار إلى أن زيناوي أخفق عدة مرات في إصلاح ذات البين بين يوسف وعدي، بينما تصاعدت الخلافات بينهما عقب قرار عدي الإطاحة بمحمد عمر ديري حليف الرئيس من منصبه عمدة للعاصمة الصومالية مقديشو. وخلال شهر سبتمبر (أيلول) الماضي قدم 12 وزيرا يمثلون ثلثي الحكومة المكونة من 18 وزيرا، استقالاتهم من مناصبهم، بعدما اتهموا عدي بارتكاب مخالفات دستورية ومالية والانفراد بتسيير شؤون الحكومة، لكن عدي رفض التخلي طواعية عن منصبه.

وشن الرئيس الصومالي، الذي لديه خلافات شخصية حادة مع عدي منذ بضعة شهور، هجوما عنيفا على الأخير، واعتبر أنه لم يعد رسميا يشغل منصب رئيس الحكومة، فيما قالت مصادر صومالية مطلعة إن الرئيس يوسف بدأ بالفعل استمزاج اراء النواب حول إمكانية تعيين وزير الداخلية السابق محمد محمود جعمديري (ذي اليدين الطويلتين) مكان نور عدي.

وأشارت المصادر إلى أن جعمديري يحظى بثقة الرئيس الانتقالي ولديه تأييد كبير داخل أعضاء البرلمان، وأن عشرات البرلمانيين أبلغوا يوسف أنهم لن يصوتوا لتأييد مرشحه لشغل منصب رئيس الوزراء الشاغر، اذا اختار شخصا آخر بخلاف جعمديري.

وقال محمد طلحة نائب رئيس البرلمان الصومالي لـ«الشرق الأوسط» إن البرلمان سيجتمع في غضون اليومين المقبلين تمهيدا لمناقشة مصير حكومة عدي، مشيرا إلى أن قرار الرئيس الانتقالي لطرده من منصبه لا زال يحتاج إلى موافقة أعضاء البرلمان.

واعتبر طلحة أن استمرار التجاذبات والخلافات الشخصية والسياسية بين يوسف وعدي قد أربكت السلطة الانتقالية التي تشكلت عقب مارثون السلام الذي رعته كينيا عام 2003، موضحا أن أعضاء البرلمان وفقا لنصوص الميثاق الوطني للبلاد هم من سيقررون الموقف النهائي لحكومة عدي وله شخصيا.

وأضاف، «الكرة الآن في ملعب البرلمان وسيتعين عليه بعد مناقشات مطولة قريبا حسم الأمر، إما بإقالة عدي أو رفض قرار الرئيس بإقالته من منصبه».

وسيلقى اليوم رئيس الحكومة المقال خطابا أمام أعضاء البرلمان الصومالي في مدينة بيداوة الجنوبية، بعد يوم واحد فقط من إبلاغ الرئيس الصومالي لنفس البرلمان، أن عدي أخفق في تحقيق أي انجاز خلال عام من توليه منصبه.

وقال الرئيس الصومالي أمام نحو 165 نائبا حضروا جلسة أمس من أصل 275 هم إجمالي أعضاء البرلمان، أنه كرئيس للبلاد يتعين عليه التدخل لوقف ما أسماه بالتدهور السياسي والأمني، مؤكدا عزمه على المضي قدما في عملية السلام والمصالحة الوطنية التي ترعاها جيبوتي ومنظمة الأمم المتحدة.

وأضاف يوسف، «عندما أمرت رئيس الوزراء بتشكيل وزراء الحكومة رفض، انتهى الوقت اللازم الآن ويدخل هذا المرسوم حيز التنفيذ اعتبارا من اليوم».

وكان يوسف يشير إلى رفضه الموافقة الشهر الماضي على قائمة الحكومة الجديدة التي قدمها له عدي خلال لقاء جمعهما في العاصمة البريطانية لندن، على هامش خضوع يوسف لفحوصات طبية اعتيادية.

واعتبر أن حكومة عدي عجزت عن انجاز مهمتها، فيما رفض رئيس الحكومة المقال هذا لقرار وقال لـ«الشرق الأوسط» أمس من بيداوة عبر الهاتف، إنه لا يعترف بقرار إقالته وإنه مازال رسميا وفعليا يشغل منصب رئيس الحكومة.

وشدد على أن البرلمان هو وحده المنوط بتحديد ما إذا كان رئيسا للوزراء أم لا، فيما اعتبرت مصادر دبلوماسية وغربية أن تصاعد الخلافات بين عدي ويوسف أعطى فرصة لحركة الشباب المجاهدين المناوئة للسلطة الانتقالية وللوجود العسكري في الصومال إلى التقدم إلى مشارف العاصمة مقديشو بعدما سيطرت على معظم مدن وسط وجنوب الصومال.

وقال دبلوماسي غربي على صلة بالملف الصومالي لـ«الشرق الأوسط» هاتفيا من العاصمة الكينية نيروبي، إن هذه التطورات المؤسفة من شأنها منح الإسلاميين فرصة لتحقيق مكاسب سياسية قد تؤدى في نهاية المطاف إلى تحقيق المخاوف التي تنتاب العالم بشأن قدرتهم على السيطرة على العاصمة مقديشو واحتلالها مجددا، كما فعلت عناصر تنظيم المحاكم الإسلامية عام 2006.

وستعقد مجموعة الاتصال الدولية الخاصة بالصومال اجتماعا غدا في مدينة نيويورك بمشاركة الدول المعنية بالأزمة الصومالية، في محاولة لوضع تصور دولي بشأن كيفية إنهاء هذه الأزمة وإيجاد حلول عملية لمكافحة القرصنة البحرية قبالة السواحل الصومالية وفي منطقة المحيط الهندي وخليج عدن.