بساتين الرمان في قرية البوطعمة بديالى عبقة برائحة الموت

«القاعدة» استخدمتها لدفن ضحاياها

TT

البوطعمة (ديالى) ـ أ.ف.ب: تعثر الشرطة العراقية بشكل شبه يومي تقريبا على المزيد من الحفر التي تضم رفات اشخاص قتلهم تنظيم القاعدة في بساتين الرمان في قرية البوطعمة التابعة لمحافظة ديالى المضطربة شمال شرقي بغداد.

وتحيط الورود البرية بالطريق الترابي المؤدي الى الحفر ويهتز سعف النخيل من نسمة باردة تهب في الاجواء كما تزدان مراعي الابقار بزهور بنفسجية، فالمكان يوحي بالطمأنينة غير انه عبق برائحة الموت.

ويقول العميد في الشرطة ابراهيم عبيدي العنبكي «كانوا يفلتون الكلاب عليهم لكي يحفروا قبورهم بسرعة أكثر ومن ثم يعصبون أعينهم ويقيدون أياديهم وأرجلهم قبل ان يطلقوا رصاصة في الرأس». وشاهد صحافي في وكالة الصحافة الفرنسية عملية إخراج جثتين فلاحظ ثقبا في جمجمة كل منهما من ناحية الصدغ وعصبة على العينين وقيودا في اليدين والرجلين. واعتبارا من منتصف أغسطس (آب) 2008، تمكنت القوات الاميركية والعراقية من طرد المتطرفين من الاماكن التي احتلوها في هذه الناحية المعروفة، للمفارقة، باسم «السلام». وقد عثرت الشرطة منذ ذلك الحين على 87 جثة بينها عشرون في أقل من أسبوع، بعضها يعود لأطفال ونساء. ويضيف العميد العنبكي الذي يرتدي بزة عسكرية سوداء وقبعة مماثلة تحمل شارة النسر «هناك جثث اخرى قد يصل عددها الى الخمسين وربما المائة».

من جهته، يروي عضو المجلس البلدي هادي حسن عباس (31 عاما) ان مقاتلي «القاعدة» هاجموا البوطعمة في الخامس من مايو (ايار) 2007 من الشمال والجنوب، وسقطت بعد خمسة أيام من القتال. ويضيف «لقد جاءوا من أراض تملكها عائلة النائب السابق للرئيس عزة ابراهيم الدوري»، الوحيد الذي لا يزال فارا من أعوان الرئيس السابق صدام حسين. وسرعان ما بسط مقاتلو «القاعدة» سيطرتهم على 13 قرية شيعية أضافوها الى المناطق السنية التي كانوا يسيطرون عليها لإقامة «دولة العراق الاسلامية» في شمال ديالى و«عاصمتها» البوطعمة. وهذه المنطقة كانت استراتيجية خصوصا وانها تجاور محافظة صلاح الدين، احد معاقلهم الأخرى. وقد لقي زعيم القاعدة في العراق ابو مصعب الزرقاوي مصرعه في هبهب الى الغرب من البوطعمة في يونيو (حزيران) 2006. ويوضح العنبكي «كان عددهم بحدود الألفين، بعضهم من الاجانب لكن غالبيتهم من العراقيين وخصوصا البعثيين من أتباع صدام».

وتؤكد الشرطة انهم كانوا يتحركون بكل حرية وخصوصا اقامة حواجز تفتيش على الطريق الذي يربط بين الخالص والمنصورية من اجل خطف الركاب وذبح عناصر الشرطة والجيش، مشيرة الى ان الشيعة كانوا يتلقون رصاصة في الرأس قبل دفنهم في مقابر جماعية. وداخل القرية، هناك مبنى من طابقين أحدث فيه القصف الجوي الأميركي حفرة كبيرة اثناء معارك اسفرت عن استعادة المنطقة صيف عام 2008.

ويقول شقيق احد الناجين من قبضة «القاعدة» ان «المحكمة الشرعية كانت في هذا المبنى الذي لم يعرف قضاته إلا حكما واحدا وهو الاعدام. كانت تلك الخطوة الاخيرة قبل الموت والدفن في مقابر جماعية». وقرب مقر «المحكمة الشرعية»، ما تزال بقايا سيارات مسروقة جاثمة في المكان. ويؤكد عباس «لم نجد شيئا لدى عودتنا بعد سنة (...) فقد دمروا جميع المنازل والممتلكات قبل فرارهم».

من جهته، لا يقترب عادل عباس (40 عاما) من املاكه. ويقول المزارع الذي يرتدي (دشداشة) لونها بني فاتح «لن أقطف الثمار طالما ان جثثا مدفونة هنا، فسيكون لها طعم الموت. اما بعد ذلك، فسأقرر في حينها».