معركة ملاكمة بين سياسي ومحاور تلفزيوني

في فيلم «فروست / نيكسون»

مشهد من فيلم «فروست / نيكسون» (رويترز)
TT

ربما يشعر معظم المؤلفين بفرحة الفوز في مكاتب وكلائهم إذا نالت مسرحية من تأليفهم إعجاب مخرجي الأفلام. ولكن في حالة «فروست/ نيكسون»، لم يكن بيتر مورغان متأكدا ـ في البداية ـ مما إذا كان اهتمام هوليوود بقصته يعتبر من قبيل المجاملة.

يشتهر بيتر مورغان ـ في الأساس ـ بأنه مؤلف سينمائي (ومن أعماله آخر ملوك اسكتلندا، والملكة). وقد كانت لديه استراتيجية عمل في تناول قصة مواجهات ديفيد فروست التلفزيونية في عام 1977 مع الرئيس الراحل ريتشارد نيكسون لتعرض على خشبة المسرح. وتظل مسارح بريطانيا أول موقع رئيس لعروض مؤلفي الحوار المسرحي. وقد أراد مورغان الاثنين معا: أن ينال التصديق على عمله، وأن يجد خيارا إضافيا في مهنته كذلك. قال مورغان ،45 عاما، في حوار أجري في غرفته في فندق جورج تاون: «لم أرد أن يظن الناس أنني كنت أعمل في ورشة عمل في المسرح من أجل سيناريو الفيلم».

ومن الواضح أن مورغان تجاوز الأمر. ويبدأ عرض نسخة الفيلم من قصة «فروست/ نيكسون»، من إخراج رون هوارد وبطولة مايكل شين وفرانك لانجيلا وهما نجما تمثيل مسرحي ويست إيند وبرودواي، يوم الجمعة. ولكن، وسط مخاوف مورغان، يوجد خط متواز مثير للاهتمام في تصوير فروست، المحاور الشهير الذي يتحول إلى مساحة من وظيفته تحمل توقعات قاسية، ويتساءل عما إذا كان يستطيع أن يحقق نجاحا.

والقضية التي تدور حولها النسخة المسرحية والسينمائية هي ما إذا كان فروست اللطيف يستطيع أن يصل فعلا إلى نيكسون المراوغ ويجبره بعد أعوام من الهرب وخداع الذات على الاعتراف بدوره في التستر على فضيحة ووترغيت. وبذلك، يتناول الفيلم ـ مثل المسرحية ـ مجموعة من اللقاءات التلفزيونية التي أجراها فروست مع نيكسون في كاليفورنيا، في ربيع عام 1977، وكأنها مباراة حياة أو موت. وكانت الهزيمة لجهود أحد الرجلين في تبرئة سمعته وربما استعادة دور عام جديد لنفسه.

وحتى يصبح لذلك معنى للمشاهدين في العصر الحالي، كان بعض التعقيد ضروريا من أجل تصوير الرجلين من الناحية الإنسانية في صميم القصة. ويقول الكاتب إن شين، الذي قام بدور رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير في فيلم «الملكة»، كان موهوبا في تمثيله لشخصية فروست في الفيلم. وعلى الرغم من أنه كان هناك بعض المناقشات بين مديري شركة يونيفرسال بيكتشرز حول إحضار نجم كبير ـ كما يضيف مورغان ـ إلا أن لانجيلا أصبح الخيار الحتمي بعد أن فاز بجائزة توني المسرحية عن هذا الدور.

وتعني إتاحة معرفة دوافع رجل ما ـ بالإضافة إلى عزلته المؤلمة ـ إيجاد صلة بينه وبين الجمهور. وهذا هو ما حدث إلى حد ما عبر أداء لانجيلا لشخصية نيكسون، وهو بلا شك من أكثر الأسماء المشوهة في التاريخ السياسي الأميركي.

وقد أشارت ملاحظات مبكرة حول الفيلم إلى تلك الظاهرة، ومن بين الذين أبدوها ناقدة نيويورك تايمز مانولا دارغيس، التي قالت إن الفيلم يظهر نيكسون «في صورة مصممة لإثارة دمعة أو دمعتين مع الحصول على بعض التماثيل الصغيرة». (وكان هناك بالفعل بعض الأحاديث عن احتمالات الترشيح لجوائز الأوسكار، وخاصة للانجيلا).

ويقول صنّاع الفيلم، من جانبهم، إنهم أرادوا أن يصوروا نيكسون كبشر، ولكن إلى درجة معينة. ويوضح هوارد الذي يبلغ من العمر 54 عاما، وحصل على جائزة الأوسكار عن إخراجه لفيلم «عقل جميل»: «لم نرد مطلقا أن يكون في ذلك اعتذار أو تماد في التعاطف معه، بينما المطلوب هو معرفة دوافعه».

ويبدو مورغان منزعجا قليلا من فكرة أن الفيلم يحث على الإشفاق على نيكسون. ويقول إن نقاشا مماثلا دار حول تجسيد هيلين ميرين لشخصية الملكة إليزابيث الثانية في فيلم «الملكة»، الذي أنتج عام 2006 وأخرجه ستيفن فريرز، وهو يتناول شخصية عامة تمر بلحظة عصيبة، عندما كان هناك تبادل للاتهامات بعد حادث مقتل الأميرة ديانا.

ويقول مورغان: «شعرت أنا وستيفن فريرز بانزعاج شديد من رد الفعل. ولو كنا نعرف أنه سيبعث على الكثير من التعاطف، لما كنا كتبناه».

ويرى مورغان أن ميزة فيلم «فروست/ نيكسون» تتجلى في أنه لا يتخذ جانب أي من الشخصيتين. وربما يتعلق ما يلتقطه المشاهدون من الفيلم إلى درجة كبيرة، بآرائهم الخاصة حول العصر الذي تدور فيه الأحداث. فعلى سبيل المثال، من بين الأشياء التي أثارت اهتمام مورغان أن المسرحية أصبحت مثل الاختبار الثقافي: ففي لندن، تلقى الجمهور المسرحية على أنها تدور حول فروست، إحدى الشخصيات البارزة في التلفزيون في الجزر البريطانية. ويذكر مورغان: «في إنجلترا، كانت مقالات النقد المسرحي تدور غالبا حول مايكل»، وذلك على النقيض مما حدث في برودواي مع لانجيلا.

وعلى الناحية المقابلة من المحيط الأطلسي، يمثل الرئيس الذي لحق به العار ذكرى قاتمة، «ولا يشعر أي شخص تحت عمر الأربعين بأزمة ريتشارد نيكسون. وقد فتحنا بابا لتلقي الأسئلة والإجابة عليها، وعلى مدار ساعة كاملة، لم يرد لنا سؤال واحد عن نيكسون».

وكان للاختلاف بين جانبي المحيط دور عند اختيار مخرج الفيلم، وهي العملية التي يقول مورغان أنه كان له رأي حاسم فيها. كانت فكرته تتلخص في أن المخرج يجب أن يتمكن من إضفاء «منظور عاطفي» على أحداث السيناريو. ويقول مورغان: «كنت أريد مخرجا أميركيا، بحيث تعني تلك الأحداث شيئا بالنسبة له. وهل هناك أميركي أكثر من رون هوارد؟ لقد شعرت أنه يستطيع أن يرى الأحداث بحياد يحتاج إليه الفيلم». وقد كان هوارد ومورغان يعرفان بعضهما الآخر وتحدثا معا من قبل حول التعاون في عمل مشترك. وفي الفترة الحالية، أصبح مورغان متخصصا في رسم شخصيات من العناوين الرئيسة والتاريخ الحديث في المسرحيات والأفلام. ويسلط عمله القادم على الشاشة، «علاقة خاصة»، الكاميرات مجددا على توني بلير، وتعامله مع الرئيس السابق بيل كلينتون.

وخلاصة القول، لم يشعر هوارد أن الدراما التي تدور حبكتها حول مقابلة تلفزيونية كافية من أجل العرض السينمائي. ويقول هوارد: «لا شك في أنني لم أجدها مشوقة أو عاطفية أو مسلية. ولكن عندما قرأت المسرحية، شعرت باهتمام على الفور، وأعجبتني وفاجأتني. وبعدها شاهدت المسرحية، وأدهشتني مجددا». كانت أول خطوة يقوم بها مورغان من أجل إعداد الفيلم هي التخلص مما يعد البنية الأساسية للمسرحية، الرواية التي يقصها عضو من كلا المعسكرين الذين يعدان الرجلين للمقابلات: وكان الراوي من جانب نيكسون هو الكولونيل جاك بيرنان (الذي لعب دوره في الفيلم كيفن باكون)، ومن معسكر فروست المؤلف الأميركي وخصم نيكسون، جيمس ريستون، الذي مثل دوره سام روكويل.

ولكن من أجل إضافة ثقل إلى المواجهات الفعلية، كانت هناك حاجة إلى إضافة الكثير من الأحداث، فقرر مورغان أن يتركها عبر عناصر القصة. وكان التغيير في أن المزيد من أفراد العمل يقدمون الرواية، ويتحدثون إلى محاور خلف الكاميرا، مما يضفي على الفيلم شعورا بأنه شبه تسجيلي. ويقول هوارد: «كنت أريد أن أعزز من أدوار الشخصيات الثانوية، لأرى ما الذي كان يشعر به المساعدون في أركان الحلبة»، مستخدما ذلك التعبير من فيلمه «رجل سندريلا» الذي يدور عن الملاكمة، ليصف الرجال الذين ينصحون ويهدئون من مشاعر اللاعبين في الحلبة. وإذا كان فيلم «فروست/ نيكسون» يقدم تنويهات مجازية عن مباراة ملاكمة للمحترفين تفوق عقل المشاهد، يعتقد مورغان أن الفيلم يدعو أكثر إلى التأمل في ضعف هؤلاء الذين يسعون إلى السلطة. ويضيف: «تتناقض الطبيعة البشرية مع حسن إدارة منصب رفيع، لأننا مخلوقات بها عيوب وتميل إلى الفساد». وفي لحظة خاصة تظهر في كل من المسرحية والفيلم، يقول نيكسون لفروست إنه كان من الواجب أن يتخذ كل منهما طريق الآخر، فكان ينبغي على مذيع البرامج الحواري المحبوب أن يصبح سياسيا، كما يؤكد نيكسون، وكان عليه هو شخصيا، بقوته الفكرية، أن يصبح محاورا رائعا. وعلى الرغم من أن مورغان وضع هذه الكلمات على لسان لانجيلا، إلا أنها في صميم ما يريد قوله حول كيف أدى اختلاف المسارين إلى تطور أحداث فيلمه.

وينهي المؤلف السينمائي حديثه قائلا: «إنها مأساة رجل اختار مهنة تعتمد تماما على أن يكون محبوبا».

* خدمة «واشنطن بوست» - خاص بـ «الشرق الاوسط»