راوول كاسترو يحذر من تدهور الأوضاع الاقتصادية.. ويدعو الكوبيين إلى تعديل أحلامهم

قبل أيام من إحياء الذكرى الـ50 للثورة في سانتياغو

كوبيون يعزفون على آلة محلية في سانتياغو ضمن احتفالات مبكرة بالذكرى الخمسين للثورة الكوبية (رويتز)
TT

تستعد كوبا للاحتفال بالذكرى الخمسين للثورة الكوبية في الاول من يناير (كانون الثاني) المقبل، في ظل تراجع اقتصادي حاد تعاني منه الجزيرة التي تفرض الولايات المتحدة عليها حصارا منذ 46 عاما، دفع برئيس البلاد راوول كاسترو الى التحذير من الإنفاق والاعلان عن حزمة من الخطط التي تهدف الى الحد من تدهور الأوضاع.

وقبل ايام من احياء ذكرى الثورة، دعا الرئيس الكوبي أمس لتنفيذ اجراءات تقشف من بينها تقليص الدعم المقدم للعمال، وادارة أكثر صرامة لانتشال البلاد من ضائقة اقتصادية ساهم في تفاقمها هذا العام ثلاثة اعاصير والازمة المالية العالمية.

وقال راوول في اجتماع للجمعية الوطنية بمناسبة نهاية العام، إن الحكومة ستخفض الرحلات الرسمية الى الخارج بنسبة 50 في المائة وتلغي البرامج التي تكافئ العمال الكفوئين برحلات مجانية في العطلات والتي تكلف الحكومة 60 مليون دولار سنويا. وتابع كاسترو: «الحسابات غير منضبطة. ينبغي ان نتصرف بواقعية وان نعدل احلامنا وفق الامكانات الحقيقية».

ومنذ توليه المنصب، نفذ راوول كاسترو اصلاحات شملت السماح ببيع اجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة للكوبيين وبدخولهم فنادق ومتاجر كانت مخصصة فقط للاجانب من قبل، ولكنه ذكر ان المشاكل الاقتصادية للبلاد ستؤجل بعض التغييرات مثل اعادة هيكلة مزمعة للحكومة. وتحدث أمس عن الآثار الاقتصادية للاعاصير جوستاف وايك وبالوما التي ضربت الجزيرة في شهر سبتمبر (أيلول)، سببت خسائر بلغت عشرة مليارات دولار وحذر من ان احدا لا يمكنه توقع مدى سوء المشاكل الاقتصادية العالمية.

ويأتي ذلك في وقت تستعد فيه كوبا لاحياء ذكرى الثورة التي قادها فيديل كاسترو البالغ من العمر اليوم 82 عاما منذ نصف قرن من الزمن، من دون حضور قائد الثورة على الارجح، بعد أن تنحى عن السلطة لاسباب صحية لصالح شقيقه راوول الذي يصغره بخمس سنوات. ويكاد يكون من شبه المؤكد ان فيديل كاسترو سيكون الغائب الاكبر عن هذه الاحتفالات بعد ابتعاده عن الظهور العام منذ نهاية يوليو (تموز) 2006. وخضع فيدل كاسترو لعملية جراحية خطيرة لسبب بقي طي الكتمان كأحد اسرار الدولة ما اجبره على الابتعاد عن الحكم بشكل مؤقت في البداية قبل ان يبتعد نهائيا عن الساحة السياسة نهاية نوفمبر (شباط) الماضي.

وقد يحضر الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز «الابن الروحي» لـ«القائد» الذي هزم على جزيرته عشرة رؤساء أميركيين، الى جانب راوول كاسترو الاحتفالات التي ستنظم في مدينة سانتياغو الكوبية، مهد حركة التمرد التي قادها كاسترو في جنوب شرقي البلاد. وستقام الاحتفالات مساء الخميس المقبل في حديقة ثيسبيدس التي اعلن فيها فيدل كاسترو في الثانية والثلاثين من عمره «انطلاق الثورة» بعد فرار «الديكتاتور» فولخانسيو باتسيتا الى الخارج ودخول الثوار العاصمة هافانا.

وحملت الثورة التي شارك في ارسائها الاسطورة الارجنتيني أرنستو تشي غيفارا، الصبغة الماركسية في مايو (أيار) 1961، وذلك بعد شهر واحد من محاولة المنفيين الكوبيين العودة الى السلطة بدعم من وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية في عملية عسكرية فاشلة نفذت في «خليج الخنازير». وفي فبراير (شباط) 1962، اعلن الرئيس الاميركي جون كنيدي فرض حظر على كوبا قبل اندلاع ازمة الصواريخ السوفياتية التي اوشكت ان تقود الى مواجهة نووية. وتحول كاسترو بسيجاره المشهور ولحيته الطويلة، الى رمز لمقاومة «الامبريالية» الاميركية للبعض. وهو اليوم يتابع عن كثب التطورات السياسية في كوبا والعالم منذ «تقاعده بسبب المرض».

ويرغب راوول كاسترو في الانفتاح الاقتصادي من اجل الحفاظ على مكتسبات الثورة والطبابة والتعليم بينما يؤكد شقيقه الاكبر في تعليقاته التي تنشرها الصحف المحلية عدم التحول نحو النظام «الرأسمالي». ويدور تجاذب في صفوف الحزب الشيوعي الحاكم في كوبا بين الرافضين للتغيير كفيديل كاسترو، والراغبين في اللحاق بالانفتاح الاقتصادي في الصين حيث تسيطر الدولة على 90 بالمائة من الاقتصاد.

وقالت السلطات الكوبية ان البلاد فقدت عشرة مليارات دولار، اي ما يوازي 20 بالمائة، من اجمالي ناتجها القومي بسبب تعرضها لثلاثة اعاصير عام 2008. وكوبا التي تقول انها «تنعم بفترة خاصة من السلام» منذ انهيار الاتحاد السوفياتي في العام 1991، عانت من موجة هجرة لأثريائها الى الخارج خاصة باتجاه ولاية فلوريدا الاميركية. ووجدت كوبا نفسها في شراكة مع دول جديدة، كفنزويلا التي تزودها بمائة الف برميل من النفط يوميا بأسعار خاصة، اضافة الى علاقتها المميزة مع «شقيقتها» الشيوعية، الصين. وتبقى مسألة حقوق الانسان وحرية التعبير من المسائل الحساسة في كوبا حيث تبقى حرية التعبير وحرية السفر من القضايا الاشكالية بالنسبة لغالبية الشعب الكوبي وان كان القمع لم يعد يطال بالدرجة نفسها المؤمنين والرجال الشاذين جنسيا. ويبدو المنشقون الكوبيون المتهمون بالعمالة للولايات المتحدة منقسمين بدون زعيم حقيقي وغير معروفين كثيرا في الجزيرة التي تخضع الاتصالات وخدمة الانترت فيها للرقابة. ويقول المنشقون ان السجون الكوبية تضم 219 سجينا سياسيا.