نزاع عائلي بين مهاجرين عرب في فرنسا يتحول إلى قضية قومية

الأحزاب السياسية والمنظمات الإنسانية في صراع لاحتواء 5 ملايين مسلم يعيشون في البلاد

TT

كانت السعادة غامرة عندما وافقت العائلتان على زواجهما. العريس مهندس كومبيوتر والعروس طالبة بالتمريض، والاثنان ينتميان إلى عائلات مهاجرين مغاربة حققت نجاحاً كبيراً في فرنسا. أقيم العرس على الطريقة المغربية وبدا وكأنهما يحتفلان وسط أهلهما. غير أن المأساة بدأت في ليلة الزفاف، عندما اكتشف الزوج أن عروسه ليست عذراء كما ادعت، فاندفع خارجاً من الغرفة، وهاج الأب هو الآخر ليقول إن الزواج باطل، وأعاد الفتاة الشابة إلى منزل عائلتها.

كان من الممكن أن تظل هذه المأساة التي وقعت في أوساط تلك الطبقة المتوسطة من المهاجرين في الضاحية الشرقية لمدينة ليل في فرنسا، مسألة عائلية. إلا أن المسألة تحولت إلى نزاع قضائي، على عكس ما كان يرغب فيه أبطال تلك المأساة، بين المعارضة القوية للأحزاب السياسية وانفجار غضب الناشطين في وسائل الإعلام في باريس. وفي النهاية أصبحت القصة رمزا للمشكلات التي تعانيها فرنسا في احتواء 5 ملايين مسلم يمثلون حوالي 8 بالمائة من السكان.

وكنوع من البحث عن الذات والهوية، اعترف قادة فرنسا وبصراحة تامة، بحاجة البلاد إلى بذل المزيد من الجهد لدمج المسلمين وأبناء المهاجرين الآخرين في المجتمع. فرشح الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي رجل الأعمال الجزائري الأصل، يزيد ساجب، لكي يترأس الإدارة الحكومية الخاصة بترشيح عدد من المهاجرين للعمل بالسياسة، وكذلك عدد من الطلاب للالتحاق بالأكاديميات الفرنسية المرموقة التي تعمل على تخريج صفوة قادة فرنسا من السياسيين. وقال ساركوزي تعليقا على الامر: «لا بد وأن نتغير».

يقول رئيس الجامعة الإسلامية في الشمال عمار الأصفر، إن المشكلة ترجع في جزء منها إلى القادة الفرنسيين الذين لم ينتبهوا إلا الآن، إلى فكرة أن الكثير من المسلمين لم يعودوا عمالاً مهاجرين مؤقتين وإنما أصبحوا مواطنين، مثل هذين الزوجين اللذين قررا قضاء بقية حياتهما في فرنسا. وقال في خطبة في مسجد ليل الذي يعمل فيه خطيباً: «لم يكن أحد على استعداد لذلك الأمر».

نماذج نجاح المهاجرين في فرنسا عديدة، وأشهرها ساركوزي نفسه. فهو ابن مهاجر مجري، وقد ارتقى ووصل إلى مناصب لم يصل إليها أسلافه. وهناك رشيدة داتي وزيرة العدل ذات الأصول الجزائرية، وكذلك فضيلة عمارة الجزائرية الأصل وزيرة لشؤون البلديات، وهناك راما يادي التي ولدت في السنغال وهي وزيرة تعزيز حقوق الإنسان في الخارج. وتعد رشيدة داتي أول مواطنة من بين الأقليات ذات الأصول الشمال أفريقية التي تحصل على منصب رفيع كهذا. على الرغم من أن كل المهاجرين في فرنسا ليسوا مسلمين، إلا أن الجالية الإسلامية قد أظهرت أكثر المشكلات حساسية خاصة في الوقت الذي تواجه فيه الدولة المتطرفين الإسلاميين الذي يستقون أفكارهم من القاعدة. ففي ذات الوقت الذي أعلن فيه ساركوزي عن مبادرته لدمج المهاجرين، اعتقلت الشرطة الفرنسية سبعة أشخاص يشتبه في انتمائهم لجماعات إسلامية راديكالية، من بينها فرع القاعدة في شمال أفريقيا. اضافة الى ذلك، فإن هناك حالة من رفض الاندماج بين المهاجرين. فحتى المسلمون المولودون في فرنسا يتمسكون بالعادات والتقاليد التي تعيق تلك العملية. وبعد عدة سجالات سياسية واسعة وعدد من الأحكام القضائية خلال العقد الماضي، تم حرمان الفتيات المسلمات من ارتداء الحجاب الإسلامي في المدارس العامة. وقال الأصفر إن الحل هو أن يتقبل الفرنسيون تلك التقاليد الإسلامية كإضافة إلى مجتمعهم وليس تهديداً. ويتفق إسماعيل كواشي، الذي ينتمي إلى عائلة جزائرية مهاجرة، والذي يلقب نفسه بـ «المسلم العصري»، مع الأصفر، لكنه يشير إلى ضرورة احترام ثقافة البلد الذي نوجد به.

تلك المبادرات في احتواء الحالية المسلمة التي طبقها ساركوزي، لم يتقبلها الجميع في فرنسا. فقامت مجموعة من المخربين بإضرام النيران في مدخل أحد المساجد في ليون يوم السبت الماضي، كما تم تدنيس 500 شاهد قبر لمحاربين مسلمين في صفوف الجيش الفرنسي في مقابر نوتردام دي لوتري بالقرب من الريس، بكتابات عنصرية من بينها إهانات موجهة إلى رشيدة داتي.

وكانت داتي، الشخصية البارزة المولعة بارتداء الأزياء العصرية والحلي الثمينة، في وسط تلك العاصفة التي أثيرت بشأن ذلك الزواج التعيس في مونسنبارويل. فقد عملت قراراتها بشأن القضية كعامل مساعد في تحويلها من نزاع عائلي إلى قضية قومية. وتم الزواج في الثامن من يوليو (تموز) 2006، وبعد ثلاثة أسابيع توجه الزوج إلى المحكمة طالباً إلغاء الزواج وبنى دعواه على أساس القانون الفرنسي الذي يشير إلى إلغاء الزواج في حال حدوث خطأ يتعلق «بالمقومات الأساسية» لأحد الزوجين. وقالت الزوجة، فرنسية المولد، إنها ترغب في إتمام الطلاق وسط كل تلك الفوضى. الملاحظ أن تلك الإجراءات مرت دون أن تلفت الأنظار حتى أبريل (نيسان) من هذا العام حيث حكمت المحكمة بإلغاء الزواج. فقال القضاة إن الزوج يعتبر مسألة العذرية مقوماً أساسياً في زوجته. وقال خافيير لابي، محامي الزوج، إنه يجب ألا يعمد الآخرون إلى إثارة الأمور، خاصة أن الأسرتين تعتبران الحكم أفضل النتائج الممكنة في ظل الظروف الحالية. وأشار إلى أن الزوجين اللذين لم يكشف عن اسميهما حران في متابعة حياتهما منفصلين. غادر الزوج ليل متوجهاً إلى مدينة صغيرة في جبال الألب حيث يمارس عمله بهدوء. أما الزوجة فهي على وشك التخرج لتعمل كممرضة في باريس، وقامت إحدى الدوريات القضائية بنشر تحليل للحكم. وكانت داتي التي تعرضت من قبل لفسخ زواجها عندما كانت شابة، والتي توشك أن تضع مولودها مع أنها غير متزوجة، قد صرحت بأن القرار مقبول لأنه لا يتعلق بالإسلام، وقالت إن «كلا الطرفين يرغبان في إنهاء الزواج، واعتقد أن الزوجة الشابة كانت ترغب في إنهاء الزواج بأسرع ما يمكن». إلا أن الحكم لم يرض الناشطين السياسيين ودعاة الحقوق المدنية الذين قالوا إن الحكم أعطى موافقة قانونية فرنسية لمطلب المسلمين بضرورة أن تكون الزوجة عذراء. وقالت إليزابيث بيرناديت، الناشطة في مجال حقوق المرأة إنها تشعر «بالخزي» من حكم المحكمة الذي يمكن أن يتم الاستدلال به في باقي المحاكم الفرنسية. ووصفت لورانس روزينجل، سكرتيرة الحزب الاشتراكي لحقوق المرأة، القرار بأنه «مثير للدهشة». وقالت: «إنه ينتهك المبادئ الأساسية للدستور التي تقوم على المساواة بين الرجل والمرأة من عدم التمييز، لأنه لا يمكن إقامتها إلا ضد المرأة». وأضافت «إنه من حق النساء في التصرف بأجسادهن والتمتع بالحرية الجنسية التي يمارسها الرجال». وانتقدت داتي حتى من قبل حزب الرئيس ساركوزي، الاتحاد من اجل الحركة الشعبية، حيث وصف باتريك ديفيدجان السكرتير العام للحزب القرار بأنه إعادة تقديم العادة الإسلامية المعروفة بالبكارة في القانون الفرنسي، وأوضح فاليري ليتارد أن الحكم «صفعة ضد دمج النساء في المجتمع». وقال فرانسوا فيلون رئيس الوزراء الفرنسي، إنه لا يرغب في أن يكون الحكم حكماً مسلّماً به وأشار إلى انه من الممكن أن يتوجه إلى المحكمة العليا إذا تطلب الأمر إلغاء الحكم. ولدى مواجهتها بكل تلك الصيحات، طلبت داتي من المدعين العامين استئناف الحكم، وقالت في بيانها «إن إلغاء الزواج من قبل المحكمة العليا في ليل كان سبباً في إثارة العديد من النقاشات حول مجتمعنا، فالقضية تتخطى مجرد العلاقة بين شخصين، فهي تحظى باهتمام الشعب الفرنسي وخاصة النساء». وتماشياً مع التوجه السياسي والطلب الشعبي القائم، قامت محكمة دوي للاستئناف الشهر الماضي برفض القرار قائلة إن العذرية يجب ألا تعتبر مقوماً أساسياً في الزوجة بموجب القانون الفرنسي، ومن ثم تمت إعادة تزويجهما.

ويبدو أن محكمة الاستئناف العليا أرادت أن تثبت عدم جدوى ذلك الجدل السياسي، وأن المسار القانوني المناسب، كما يصفه أحد أساتذة القانون، هو الطلاق الذي قال عنه المحامون إنه يمكن أن ينهي الزواج بسرعة مرة أخرى. لم يعلن الزوجان عن نيتهما، لكن موقف الزوج القانوني تعقد بعد أن تزوج مرة أخرى عقب صدور الحكم بإلغاء الزواج. وقال الأصفر إن الزوجة رفعت قضية تشهير ضد زوجها عندما أعلن عن عدم عذريتها. وكان لابي قد أعرب في محادثة هاتفية عن أن تلك الصرخات من الناشطين السياسيين والمدنيين دمرت حياة شابين كانا يرغبان في خوض حياتهما بعد انتهاء تلك التجربة دون تعليقات رنانة من أشخاص لا يدركون ما يتحدثون عنه.

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الاوسط»