أوروبا 2008: «لا» آيرلندية عقدت مسيرة الاتحاد.. وحرب جورجيا أعادت أجواء الحرب الباردة

تضامن أوروبي إزاء الاعصار المالي.. ونجاح تأسيس الاتحاد من أجل المتوسط

TT

تنزع أوروبا آخر أوراق روزنامة عام 2008 من غير أسى. فالتحديات التي واجهتها كانت كبيرة ومؤلمة، والاخطر فيها أنها شهدت حربا جديدة على أراضيها، كادت تعيد العالم سنوات الى الوراء، لا بل إنها أعادت الى الاذهان أيام الحرب الباردة. وقبل ذلك، أصيب البناء الاوروبي بنكسة جديدة. فبعدما طوى بصعوبة صفعة رفض التصديق على الدستور الاوروبي عام 2005 وبنى مدماكا فوق مدماك حل بديل، جاء رفض الناخبين الايرلنديين التصديق على «معاهدة لشبونة» ليعيد الاتحاد الاوروبي سنوات الى الوراء وليدخل الشك في أذهان الاوروبيين حول قدرة ما يوصف بـ«عجيبة القرن العشرين»، في التقدم الى الامام لبناء «الدول المتحدة الاوروبية». وأبعد من العصيان الايرلندي وحرب القوقاز، جاءت أزمة الاسواق المالية، التي انطلقت من وراء الاطلسي ووصلت سريعا الى «القارة القديمة» لتضع أوروبا في حالة صعبة اقتصاديا واجتماعيا. وكانت الهبة الساخنة التي ضربت اليونان في الاسابيع الاخيرة بمثابة مؤشر على عمق الازمة التي تعاني منها دول الاتحاد والخوف من تمددها الى دول واصقاع اخرى.

في الاول من يناير (كانون الثاني)، كان الاتحاد الاوروبي المكون من 27 دولة يعد 497 مليون نسمة، أي ما يعادل 8 بالمائة من سكان العالم ويشغل 4.3 مليون كلم مربع. وفيما تشكل الصين خمس سكان العالم والهند 17 بالمائة منهم، فإن الولايات المتحدة الاميركية لا تتجاوز سقف الـ5 بالمائة. وبالنظر الى مستوى التنمية والقدرة الشرائية في دوله، فإن الاتحاد الاوروبي يشكل أكبر سوق في العالم. وبانتظار أن يستأنف توسيعه، بحيث يضم دولا مثل كرواتيا ودول البلقان الاخرى، فإن الاتحاد الاوروبي يجهد لترسيخ أساساته وبناء مؤسسات ثابتة. وعندما ستقر معاهدة لشبونة، فسيكون للاتحاد الاوروبي رئيسا لولاية من عامين ونصف العام، وقواعد تعامل جديدة واساليب أكثر ليونة في اتخاذ القرارات، ما سيؤهله مجددا لاستئناف مسيرة توسيعه وبناء سياسة خارجية ودفاعية موحدة، والتحول الى قوة يحسب لها حساب في العالم، ليس فقط كدول، بل كمجموعة متماسكة ومتحدة.

* التحدي الآيرلندي

* في 12 يونيو (حزيران) الماضي، صوت الايرلنديون في استفتاء عام ضد معاهدة لشبونة بأكثرية مريحة بلغت 53.4 بالمائة. أقل من 1 بالمائة من سكان الاتحاد الاوروبي نسفوا عملية التصديق على معاهدة لشبونة التي كان الغرض منها الخروج من المأزق الذي دفعت اليه أوروبا عندما صوت الفرنسيون والهولنديون في صيف عام 2005 ضد الدستور الاوروبي. ومعاهدة لشبونة التي تعود فكرتها الى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قامت على «تبسيط» الدستور الاوروبي، وتبني الفقرات التي لا تطرح مشاكل حادة من أجل تبنيه. وبما أن القاعدة المعمول بها حتى الان تقوم على مبدأ الاجماع، فإن رفض أي عضو من الاعضاء الـ27 الموافقة على المعاهدة المذكورة يعني تجميدها.

وبسبب رفض ايرلندا الشمالية التصديق على المعاهدة، دخل الاتحاد الاوروبي في أزمة مؤسساتية ودستورية حادة. وبسبب ذلك، فإن المعاهدة التي كان من المفترض أن تدخل حيز التنفيذ في الاول من يناير 2009 جمد العمل بها الى أجل غير مسمى وبانتظار موافقة ايرلندية عبر استفتاء جديد. وقد التزم رئيس الوزراء الايرلندي بريان كوين، في قمة الاتحاد الاخيرة في بروكسل في الحادي عشر والثاني عشر من ديسمبر (كانون الاول)، بتنظيم استفتاء جديد قبل نهاية عام 2009، وذلك بعد حصوله من نظرائه رؤساء الدول والحكومات الاوروبية على «امتيازات» يتمسك بها الايرلنديون ومنها وضعية الحياد والنظام الضرائبي والاستثماري والنظام العائلي (الاجهاض ممنوع في ايرلندا الكاثوليكية) واحتفاظها وكل دولة من دول الاتحاد، بمفوض لها في إطار المفوضية الاوروبية، ما يمكن أن يشكل ضمانة للمحافظة على مصالحها والدفاع عنها. وبما أن بريان كوين ربط قبول حكومته بطرح معاهدة لشبونة على استفتاء جديد قبل نهاية عام 2009 بحصوله على «الامتيازات» المذكورة، فلم يجد القادة الاوروبيون بديلا عن خضوعهم للاملاءات الايرلندية كسبيل وحيد متاح للخروج من الازمة المؤسساتية وإعادة إطلاق البناء الاوروبي.

وبالفعل، فإن الرئاسة الفرنسية التي بدأت في الاول من يوليو (تموز) على وقع الزلزال الايرلندي، نجحت في طرح مقترحات مقبولة. واليوم يبدو المشهد الاوروبي على الشكل التالي، 24 دولة من أصل 27 دولة قامت بالتصديق على المعاهدة، ولم يبق خارجها سوى ايرلندا وبولندا وتشيكيا. وفي خطابه الختامي أمام البرلمان الاوروبي في ستراسبورغ، قال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، الذي انتقلت منه الرئاسة الى تشيكيا، إن رئيس الوزراء البولندي التزم بطرح المعاهدة على التصديق في بلاده، كما أن المجلس الدستوري التشيكي سمح للحكومة بطرح المعاهدة على التصديق، ما يعني أن مصير المعاهدة عاد مجددا الى ايدي الناخبين الايرلنديين، الذين سبق لهم أن لعبوا لعبة مماثلة مع معاهدة نيس 2001 التي رفضوها، ثم صوتوا لصالحها بعد عام. ويأمل المتفائلون أن تكون أوروبا قد خسرت عاما واحدا فقط، بحيث ما كان يفترض أن يعمل به بداية عام 2008 سيدخل حيز التنفيذ بداية عام 2009.

* حرب القوقاز

* عندما هاجمت قوات جورجيا الجوية والبرية بدعم من خبراء اميركيين وإسرائيليين وغربيين، مواقع الانفصاليين في أوسيتيا الجنوبية فجر السابع من أغسطس (آب) الماضي، أي يوم واحد من بدء الالعاب الاولمبية في بكين، كان الرأي السائد في تبليسي، العاصمة الجورجية، أن العملية العسكرية الخاطفة التي أمر بها الرئيس ساكاشفيلي ستتيح له «توحيد» جورجيا واستعادة الاراضي التي أعلنت انفصالها قبل عامين، ووضع الروس أمام الامر الواقع. وبالفعل، نجحت قوات الكوماندوز الجورجية ودباباتها في الاستيلاء على العاصمة الاقليمية وتدمير جزء كبير من قوة الميليشيات الانفصالية، لكن مع وقوع كثير من الضحايا المدنيين وحصول تدمير واسع.

لكن ما لم يحسب ساكاشفيلي حسابه هو ردة الفعل الروسية. وفي لقاء ضمه الى الرئيس الفرنسي في بكين، قال فلاديمير بوتين، رئيس الحكومة الروسية، إنه «سيؤدب» ساكاشفيلي الذي عليه أن «يدفع ثمن» فعلته. ولم تتأخر ردة الفعل الروسية، خصوصا أن موسكو تعتبر سكان أوسيتيا الجنوبية مواطنين روسا يحملون الهوية الروسية وتحميهم «وحدات حفظ سلام» روسية أرسلت الى المنطقة الانفصالية قبل عامين للفصل بينها وبين جورجيا بانتظار حل ما.

ويعود الفضل في تقسيم أوسيتيا الى شمالية وجنوبية في عام 1922 الى جوزيف ستالين الدكتاتور السوفياتي المولود في جورجيا، وتحديدا في مدينة غوري، التي احتلتها القوات الروسية في زحفها على الاراضي الجورجية. وفي خطاب له أمام البرلمان الاوروبي في 16 ديسمبر، المخصص لاجراء جردة لمحصلة عمل فرنسا على رأس الاتحاد طيلة الأشهر الستة المنقضية، قال ساركوزي إن «الدبابات الروسية كانت على بعد 40 كلم من العاصمة تبليسي، وإن الهم الاول للرئاسة وبالتالي لاوروبا كان إيقاف الحرب عن طريق تحمل أوروبا لمسؤولياتها». وأضاف ساركوزي، «كان علينا أن نتفادى إعادة إنتاج ما حصل في حرب كوسوفو، حيث بقيت أوروبا غائبة، فيما تولت الولايات المتحدة الاميركية تحمل المسؤولية». وبالفعل، استفاد ساركوزي من غياب الدور الاميركي لسببين متلازمين: الاول، وجود أميركا في قلب الحملة الانتخابية الرئاسية، والثاني، تحالف واشنطن ودعمها اللامحدود للرئيس الجورجي، ما حرمها من أن تلعب دور الوسيط وفتح الباب واسعا للاتحاد الاوروبي أن يؤكد حضوره، وأن يهتم بحرب تجري داخل البيت الاوروبي. وكان واضحا أن الاسابيع والاشهر التي سبقت اندلاع حرب القوقاز الجديدة والخلاف الاميركي ـ الروسي على نشر رادارات أميركية وشبكة صواريخ اعتراضية في تشيكيا وبولندا، ونية واشنطن تسهيل انضمام جورجيا وأوكرانيا الى الحلف الاطلسي، كل ذلك شكل الخلفية التي استندت اليها روسيا لاستغلال «غلطة» ساكاشفيلي وسحق جورجيا و إعادة ترتيب البيت القوقازي. وكانت النتيجة ان أوسيتيا الجنوبية تحولت الى جمهورية اعترفت بها روسيا كما تحولت أبخازيا، المنطقة المتمردة شمال غرب جورجيا، الى جمهورية مستقلة أيضا تحظى باعتراف موسكو التي أقامت مع الجمهوريتين معاهدة دفاعية. ومن الانصاف القول إن الرئيس ساركوزي، رغم النتيجة النهائية المنتظرة بسبب ميزان القوى بين الطرفين والوضع الجيوـ استراتيجي في القوقاز، نجح في إثبات حضور الاتحاد الاوروبي. ففي زيارة أولى الى تبليسي وموسكو نجح في التوصل الى اتفاق وقف إطلاق النار في 12 أغسطس، فيما زيارته الثانية 8 سبتمبر (ايلول)، أفضت الى اتفاق على انسحاب القوات الروسية من الاراضي الجورجية، باستثناء الاراضي التي تعتبرها موسكو جزءا من أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا. أوروبا نجحت في المحافظة على وحدة بلدانها الـ27، رغم أن أحداث جورجيا أعادت إحياء التجربة المرة لبلدان أوروبا الشرقية مع الاتحاد السوفياتي واستخدام هذه الوحدة لكبح جماح روسيا ومنعها من استمرار السير بمنطق القوة عبر التلويح بوقف حوارها الاستراتيجي ووقف تعاونها الاقتصادي معها.

وتجلت وحدة الصف الاوروبي في البيان المتشدد الذي صدر عن اجتماع القادة الاوروبيين في بروكسل في الاول من سبتمبر. وساهمت أوروبا بإرسال مراقبين الى مسرح العمليات لتهدئة روع الجورجيين ومراقبة ما يحصل ميدانيا، والتأكد من انسحاب القوات الروسية. ومع هذا النجاح، تكون أوروبا قد تفادت نتائج حرب طويلة المدى في القوقاز، كانت ستعيدها الى حالة من الانقسام. وإذا كانت أوروبا ومعها الاسرة الدولية ما تزال تؤكد سلامة وسيادة جورجيا على كامل أراضيها، غير أنه يبدو أنها «سلمت» بانفصال اوسيتيا الجنوبية وأبخازيا. فالحوار الاستراتيجي مع موسكو استؤنف في قمة نيس الاوروبية ـ الروسية. فكل طرف يحتاج الى الطرف الاخر. أوروبا تحتاج للغاز الروسي ولتعاون موسكو في الملفات الدولية (إيران، أفغانستان، البلقان، الشرق الاوسط...) وروسيا تحتاج للسوق الاوروبية والتكنولوجيا وللانفتاح على الغرب.

* الأزمة المالية والاقتصادية

* قبل أن تطرق حرب القوقاز أبواب اوروبا كانت الاخيرة قد حققت نجاحا سياسيا ودبلوماسيا، تمثل في إنشاء الاتحاد من أجل المتوسط، الذي اطلق في قمة باريس يوم 13 يوليو. صحيح أن فكرة الاتحاد التي أطلقها الرئيس ساركوزي منذ ما قبل وصوله الى الرئاسة في شهر مايو (ايار) 2007. غير أن المشروع المتوسطي عرف تعديلات جذرية. فبعد أن كان مشروعا متوسطيا محضا، أي للدول المطلة على المتوسط، أفضت المعارضة الالمانية الى تحويله الى اتحاد لكل دول اوروبا، بحيث أخذ يضم 43 بلدا. ولعل أفضل تعريف له هو أنه «اتحاد مشاريع من أجل مشروع اتحاد». فمروجو المشروع سعوا منذ البداية الى تفادي أن يقع ضحية النزاعات السياسية في الحوض المتوسطي والشرق الاوسط وخصوصا النزاع العربي ـ الاسرائيلي، الذي عانى منه مسار برشلونة والشراكة الاوروبية ـ المتوسطية. ومع ذلك، تكاثرت الخلافات على توزيع المناصب واختيار مقر الامانة العامة وشخص الامين العام ومساعديه، وحول دور وموقع الجامعة العربية داخله، وعملية السلام في الشرق الاوسط ومرجعياتها. لكن وزراء الخارجية نجحوا في مرسيليا في التغلب على خلافاتهم باستثناء تسمية شخص الامين العام. وبانتظار أن يطلق أول مشروع متوسطي ضمن لائحة المشاريع الطويلة، التي تم تبنيها، بيئة، طاقة، مياه، تربية وتعليم، فقد تكاثرت الاجتماعات من كل المستويات وفي كل القطاعات. لكن السؤال الرئيسي اليوم هو، هل أن الازمة المالية التي تعاني منها اوروبا، كما الدول المتوسطية الاخرى ستوفر الاموال الحكومية والخاصة لتستثمر في المشاريع المتوسطية؟ جاءت ازمة الاسواق المالية، التي كانت أولى تجلياتها أميركيا إنقاذ السلطات الفيدرالية لصندوقي التأمين والتمويل فريدي ماك وفاني ماي وخصوا إفلاس خامس مصرف للاعمال في أميركا «ليمان براذيرز» في شهر سبتمبر الماضي، لتضع أوروبا بمواجهة أسوأ ازمة مالية ـ اقتصادية عرفتها منذ عقود. وبعد انبرز سريعا أن أزمة الرهن العقاري التي تضرب أميركا اجتازت سريعا المحيط الاطلسي، سارع ساركوزي الى جمع الدول الاوروبية الاربع في مجموعة الدول الثماني الاكثر تصنيعا (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا وإيطاليا) في 6 أكتوبر، ثم بعد أسبوع واحد التأمت في قصر الاليزيه مجموعة اليوروـ غروب التي تضم الدول الاوروبية الـ15 التي تبنت العملة الاوروبية الموحدة، وبريطانيا باعتبار أن رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون كان أول من اهتدى الى علاج فعال لمواجهة الازمة، عبر توفير السيولة للبنوك وضمان قروضها. وبالفعل فإن قادة الدول الـ15 ورئيس المفوضية الاوروبية مانويل باروسو، ورئيس البنك المركزي الاوروبي جان كلود تريشيه، توصلوا الى خطة إنقاذ أوروبية لنجدة البنوك قيمتها 1700 مليار يورو، ثم تنادى الاوروبيون الى اجتماع للقادة الـ27 في بروكسل يوم 7 نوفمبر (تشرين الثاني) لاقرار خطة أوروبية شاملة تؤسس لتدابير متماثلة لمواجهة الازمة. وبما أن الازمة عالمية، فقد شددت أوروبا على الحاجة لقمة عالمية من أجل «إعادة تأسيس الرأسمالية المالية» وإيجاد قواعد جديدة للرقابة على الاسواق وتفادي أزمات جديدة. وبالفعل، تحقق ذلك عن طريق قمة العشرين في واشنطن يومي 14 و15 نوفمبر، التي أقرت 47 تدبيرا لمواجهة الازمة ولارساء نظام جديد سيكون عنوانا لقمة جديدة ستعقد في لندن في 2 أبريل (نيسان) القادم. في خطابه أمام البرلمانيين الاوروبيين، أشاد ساركوزي بوحدة أوروبا وتضامنها في مواجهة الازمة. وقال الرئيس الفرنسي الذي انتهى دوره رئيسا للاتحاد الاوروبي، «إن أوروبا طالبت بصوت واحد بقيام رأسمالية من نوع جديد وليس رأسمالية مضاربين، وقالت إنها تريد إصلاح النظام المالي وإنها تريد مكانا أكبر للدول الناشئة وتشذيب ممارسات الرأسمالية». لكن ما يقوله ساركوزي يجمل الواقع الاوروبي بعض الشيء، إذ أن دولا رئيسية مثل المانيا رفضت دائما إقامة صندوق أوروبي لمساعدة المصارف مخافة أن يكون عليها أن تدفع عن الاخرين. بعد الازمة المالية جاءت الازمة الاقتصادية، ومرة أخرى، عرفت دول الاتحاد أن تضع خلافاتها جانبا وتقر خطة لاعادة إطلاق العجلة الاقتصادية الاوروبية في قمتها يومي 11 و12 ديسمبر. وحتى تكتمل الصورة يجب الاشارة الى أن الاوروبيين نجحوا في الاتفاق على موضوع خلافي يتناول التلوث البيئي والغازات المسببة للاحتباس الحراري، فقد أقروا خطة «الثلاثة عشرينات»: خفض انبعاث الغازات بحلول عام 2020 بنسبة عشرين بالمائة، توفير عشرين بالمائة من الطاقة بحلول العام نفسه وأخيرا التوصل الى الحصول على عشرين بالمائة من احتياجات الطاقة عن طريق الطاقة المتجددة، أي غير النفط والغاز. هكذا تلج اوروبا عام 2009 بمفارقة تضرب الابصار: لقد نجحت في إبراز وحدتها وفي لعب دور سياسي رئيسي وفي الاتحاد لمواجهة أسوأ أزمة مالية، وبالتالي ترى نفسها جديرة بالتحول الى لاعب دبلوماسي وسياسي من الطراز الاول.

طموحها لا يذهب الى حد الحلول محل الولايات المتحدة الاميركية. غير أنها تريد أن تكون الى جانبها في مواجهة الازمات واقتراح الحلول لها. حتى الان، كانت أوروبا ماردا اقتصاديا، رجلاه من طين والان تريد أن تكون ماردا بكل معنى الكلمة فهي تصر على قيام سياسة خارجية موحدة ودفاع أوروبي موحد الى جانب الحلف الاطلسي. وترى أوروبا أن الشرق الاوسط يمكن أن يكون الحقل التطبيقي لطموحاتها الجديدة. لكن دون ذلك عقبات، لعل أولها حاجتها للتغلب على انقساماتها الداخلية، التي تلتف عليها عن طريق تبني قواسم الحد الادنى ما يعني غالبا الشلل وغياب القرار.