الخوف يسيطر على أهالي غزة وسكان البلدات اليهودية المتاخمة للقطاع

رغم التفاوت الكبير في عدد الضحايا ونوعية الهجمات الصاروخية

TT

لم تتمكن أسرة أم شادي البردويل من النوم طوال الليل بسبب أصوات القصف الجوي الإسرائيلي والتفجيرات وصفارات سيارات الإسعاف وصرخات أشخاص خارج منزلهم الواقع قرب معسكر الشاطئ للاجئين داخل قطاع غزة، مما أدى إلى حرمان الأسرة بأكملها من النوم حتى الساعات الأولى من صباح اول من امس. مع بزوغ أول ضوء في الفجر، أرسلت الأم، أحد أبنائها الخمسة إلى المخبز لشراء خبز. وراودت الفكرة ذاتها مئات الفلسطينيين، مما أدى إلى انضمامه لصف طويل بدا وكأنه لا نهاية له. وأوضحت البردويل: «ليس هناك طعام في السوق». أما نجلها، فلم يعد إلى المنزل حتى حلول الظلام. ثم جاءت ضربة جوية بالقرب من المخيم الذي يقطنونه، أسفرت عن اهتزاز المنزل بشدة وتحطم النوافذ. وسردت البردويل الحادث بقولها: «بدأ أطفالي في صراخ هيستيري. وبعد كل ضربة، كان ابني يسألني.. لماذا يستهدفوننا؟ هل يمكن ان يعتقلونا؟ لماذا يتعقبوننا؟ أما أنا فكنت أطلب منهم ألا يخافوا او يرتبكوا. وأقول إننا بعيدون عن القصف. ولكن لاحقاً في هذه الليلة، وصل القصف إلى أعتاب منزلنا». وتشعر البردويل بالقلق من أن يكون منزلها على خط النار. وأكدت: «نشعر بخوفٍ بالغٍ من أن يتضررَ منزلنا. إننا لا نخشى على أنفسنا، وإنما على أطفالنا. ليس هناك اختلاف بين من قتلوا وبيننا. إننا موتى بالفعل». في يوم الأحد الماضي، وفي داخل مدينة غزة، سقط أبو هشام الريس، الذي يعمل بإحدى محطات الوقود، تحت وطأة صدمة مقتل نجليه وابن شقيقه خلال القصف الجوي يوم السبت. جلس أبو هشام داخل منزله يستقبل في صمت المعزين على امتداد ثلاثة أيام. ووضع الريس أمامه وحول المنزل صور نجليه ونجل شقيقه. وكلما طافت بذهنه ذكرى رحيلهم، اغرورقت عيناه، وأحياناً يجهش بالبكاء. تعرض الشبان الثلاث للقتل خارج أحد المحال الصغيرة. وعندما هرع الريس لمستشفى الشفاء، كان أول ما رأى نجله الأكبر، هشام، 23 عاماً. ووصف المشهد بقوله: «كان جسده مليئا بالشظايا». ثم أخبره مسؤول بالمستشفى أن نجله الآخر، علام، 18 عاماً، قتل هو الآخر، وكذلك ابن شقيقه، عبد الله، 21 عاماً. وأضاف أبو هشام: «أصبت بانهيار عصبي. تحطمت». ويلقي أبو هشام باللوم على كل من حركتي حماس وفتح، الفصيلين السياسيين اللذين يسيطران على المناطق الفلسطينية. وقال: «إننا بحاجة لحزب باستطاعته السيطرة على الوضع في غزة». وفي الوقت ذاته، دعا أبو هشام إلى الانتقام من إسرائيل، قائلاً: «أدعو كافة الفصائل الفلسطينية لأن ينتقموا من إسرائيل. وأطلب من الفرق الفلسطينية أن تقتل مدنييهم كما يقتلون مدنيينا. وأدعو الفصائل الفلسطينية لأن تنفذ عمليات استشهادية ضدهم». وقال: «انفطر قلب زوجتي كمداً. لقد عكفت على تربية ابنيها على مدار 23 عاماً. والآن، فقدتهما». على الجانب الآخر، وداخل كيبوتز إسرائيلي قرب الحدود مع غزة، انتاب القلق أورنا شوارتز، 48 عاماً، ممرضة وأم لأربعة أطفال. وشرحت السبب بالإشارة إلى أن من بين 320 مقيماً داخل الكيبوتز، رحل ما يزيد على النصف بحلول صباح اول من امس، بينهم 30 أسرة لديهم أطفال. وقالت وهي تشير باتجاه غزة الواقعة على بعد ما يقل عن ميل واحد: «ليس من الإنصاف أن ينصب الحديث دوماً عما يدور هناك وليس ما يجري هنا. لقد عشنا تحت هذا الوضع لمدة ثماني سنوات». وأعربت عن ثقتها بأن الفلسطينيين الذين يقضون نحبهم جراء الضربات الجوية ليسوا من المدنيين. وقالت: «علينا أن نواسي أنفسنا بأن من ماتوا كانوا يرتدون زياً رسمياً. لقد شاهدتهم على شاشات التلفزيون. كانوا يرتدون زياً رسمياً أزرق اللون». ومثلما هو الحال مع 90 مقيماً آخر في الكيبوتز، تقوم شوارتز ببناء ساتر خرساني للحماية من القنابل يبلغ سمكه 15 بوصة حول منزلها. وتحملت وزارة الدفاع الإسرائيلية مصاريف بناء جميع السواتر. وقالت شوارتز، «الأسبوع الماضي، وقع صاروخ بالقرب مني. وعجزت عن الحركة. فقد انتابني خوف بالغ». وأضافت: «أشعر بالضيق. فعلي أن أشرح لأطفالي لماذا نعجز عن الحياة بصورة طبيعية. اعتدت كل يوم السير لمسافة خمسة كيلومترات حول الكيبوتز. اليوم، لا أفعل ذلك، لشعوري بالخوف». وقال طه حسين، 43 عاماً وهو فلسطيني من مدينة الناصرة داخل الخط الاخضر، بينما كان يعمل، بجد في بناء الملجأ: «يتحمل قادة إسرائيل وحماس اللوم. هذه هي الحقيقة. كلا الجانبين على خطأ». وداخل مدينة نيتفوت الإسرائيلية، ووري جثمان الإسرائيلية الوحيدة التي قتلت جراء صواريخ حماس التراب يوم الأحد الماضي. وأعلن رئيس بلدية المدينة، يهيل زوهار، أمام الجمع الذي شارك في الجنازة: «من هنا، نبعث بالمباركة للحكومة الإسرائيلية والجنود للشد من أزرهم والمضي قدماً فيما يقومون به لتحقيق السلام بالمنطقة بحيث نتمكن من العودة لممارسة حياتنا». وأبدى بعض المقيمين بالمدينة مشاعر متباينة تجاه الهجمات. وما زالوا يتحسرون على الفترات التي تعايشوا بسلام خلالها مع الفلسطينيين، وغالباً ما كانوا يتنقلون إلى غزة لتناول الغداء وزيارة أصدقائهم. وقال تمار فاكنين: «لا أشعر أنني على ما يرام. أقول لنفسي: إنهم أناس مساكين. إنه عار. أود أن تتبدل الأوضاع».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص («الشرق الأوسط»)