يوليوس قيصر يعود ظافراً إلى روما.. في معرض تاريخي

شاركت فيه متاحف عالمية بينها الكابيتول والفاتيكان واللوفر و«البريطاني»

لوحة تصور يوليوس قيصر في إحدى المعارك («الشرق الأوسط»)
TT

عاد القائد العسكري الفذ يوليوس قيصر إلى عاصمته روما حاضرة الامبراطورية الرومانية التي أسسها وأصبح أول ديكتاتور شرعي لها مدى الحياة بعد غياب دام 2064 سنة، فأقيم له معرض بمتحف كيوسترو ديل برامانته خلف ساحة نافونا الشهيرة في روما جمعت لأول مرة في العالم المحفوظات الأثرية والتحف النادرة منذ ولادته عام 100 قبل الميلاد حتى وفاته بعد طعنه بثلاث وعشرين طعنة خنجر في مجلس الشيوخ عام 44 قبل الميلاد. وكان المعرض من أنجح المعارض في روما في السنوات الأخيرة. وشاهدنا التاريخ يمر أمامنا في ساعات قلائل، ليكشف عن أكبر الامبراطوريات في تاريخ العالم القديم التي انتشرت من بلاد العرب في الشرق الى انجلترا في الشمال مرورا بالبحر المتوسط واوروبا. وشعرنا بجحافل جيوش الرومان التي قادها قيصر تدوس الأرضَ وتلقبه بالقائد الزعيم الفاتح المنتصر «الدوتشي» المشرع راعي الفنون، المخطط للمدن وللانتصارات العسكرية والعاطفية. لأول مرة تشارك أهم المتاحف العالمية في مثل هذا المعرض، وبينها متحف الكابيتول بروما والمتحف الأثري بنابولي ومتحف الفاتيكان ومتحف اللوفر بباريس والمتحف البريطاني بلندن ومتحف الدولة في برلين ومتحف التاريخ بفيينا كما قدمت المتاحف والمجموعات الخاصة لوحات باهرة لكبار الفنانين عبر التاريخ الذين صوروا يوليوس قيصر مثل روبنز في لوحة تقديم رأس خصمه بومبي المقطوع وتييبولو صاحب لوحات أنطونيو وكليوباتره والرسام الفرنسي ريكسنز الذي صور موت كليوباترة في لوحة معروفة. وسيبقى المعرض مفتوحاً لزوار العاصمة الايطالية حتى أوائل شهر مايو (ايار) المقبل. وكان يوليوس قيصر شخصا استثنائيا جبارا بكل معنى الكلمة. وكان يشيع الاسطورة المتداولة بأنه من سلالة رمز الجمال فينوس (أو أفروديت الإغريقية)، فأبوه هو ابن الأمير بطل طروادة الذي تمكن من الفرار بعد غلبتها وتدميرها، وانتهى به المطاف في ايطاليا. علمته أمه حتى سن السابعة ثم تلقفه أبوه واساتذته ودربوه على قواعد اللغة اللاتينية والخطابة والبيان والمنطق والجدل ومبادئ العلوم المعروفة آنذاك، ثم شب يوليوس أثناء فترة الاضطرابات والحروب الأهلية. وكان شجاعاً في المعارك، ويُروى أنه قتل فيلاً ودخل معترك السياسة كقائد عسكري بعدما خطفه القراصنة قرب جزيرة رودس اليونانية وطلبوا 20 قطعة نقدية لفك سراحه، لكنه اعتبر أنهم لم يقدروا ثمنه بما فيه الكفاية وتحداهم قائلا إنه سيدفع 50 قطعة وسيعود إليهم، ويقضى عليهم، وهذا ما جرى بالفعل إذ أعد جيشا وهاجمهم وانتصر عليهم ثم صلبهم. يُعرف أنه شارك في الغزوات الرومانية وهيأ لها سبل الانتصار ثم التقى كليوباتره في الاسكندرية بمصر وارتبط معها بعلاقة غرامية ثم دعاها إلى روما حين أصبح أحد «القيادة الثلاثية» في عهد الجمهورية الرومانية. ويقال انه أنجب منها صبيا يدعى قيصرون (أي القيصر الصغير).

وتزوج ثلاث مرات. ويُروى أن بروتوس كان ابنه غير الشرعي من إحدى عشيقاته، وأن اكتافيوس كان ابنه بالتبني. وكان يختلط بالشعب ويستمتع معهم بحفلات المصارعة الرومانية مع الأسود في مدرج الكولوسيوم القائم حتى الآن. واعتبر الخطيب الشهير شيشرون خصمه السياسي في مجلس الشيوخ وكانت ضراوة الحياة السياسية الرومانية في ذلك العصر وقدراته اللغوية في اللاتينية ابلغ الأثر في تمييز اسلوبه الخطابي ومراعاة الصور البلاغية حين يؤجج الأحاسيس ولا يتورع عن التجريح بعد أن يعد السامعين بالنبض العاطفي وفكاهة العبارة، لذا تمكن من إقناع المتآمرين على قتل يوليوس قيصر بعد أن أعلن الحكم الاستبدادي وحين طلبوا من قيصر لقاءهم قبل، لكن الرواية تقول إنه لم يقف لاستقبالهم في مجلس الشيوخ بدعوى إصابته بالإسهال لكنهم فهموا معنى الإهانة. فكان اكتافيوس (الذي أصبح فيما بعد الامبراطور اغسطس) وبروتوس ممن خانوا قيصر وطعنوه، فخر مضرجاً بدمه قائلا عبارته الشهيرة «حتى أنت يابروتوس». كما رأينا في فيلم « كليوباتره» التاريخي في الستينات الذي قامت ببطولته اليزابيث تايلور وريتشارد بورتون، في حين أدى ركس هاريسون دور قيصر. ونرى في المعرض الحالي مقعد يوليوس قيصر بدون سند وعدة تماثيل نصفية له من الرخام الأبيض إضافة إلى تمثال مصري له باللون الأخضر وتمثال نصفي لشيشرون ومراسيم قيصر باللاتينية محفورة على صفائح برونزية والسيوف الحديدية لمحاربي الرومان خلال غزوهم لبلاد الغال (فرنسا الحالية) وأوان ودروع فضية وخوذة عسكرية ونقود رومانية عثر عليها في اسبانيا وخواتم وقلادات ثمينة واسورة ذهبية من تلك الحقبة تنتهي برأس حية وتمثال نصفي ليوبا ملك نوميديا (وتعني: غرب قرطاجة أي الجزائر وتونس الحالية) حليف بومبي الذي حاربه قيصر بمصر وكذلك صور جدارية لانتصار اكتافيوس على انطونيوس وكليوباتره التي أغوته مثلما أغوت قيصر وانتحارها عام 32 قبل الميلاد. واستعمل قيصر النقود كدعاية سياسية له وضرب صورته عليها كما روج لاسطورة جدته فينوس وضرب صورتها على النقود الذهبية وشجع على نشر اسطورة التوأم روموس ورومولوس اللذين رضعا من ثدي الذئبة وبنيا مدينة روما. وبقيت الخرافات والقصص الملفقة منتشرة عبر مئات السنين بعد جريمة اغتيال قيصر. واستخدم العديد من الحكام وسائله واساليبه الحربية والسياسية. وكان نابليون بونابرت ثم نابوليون الثالث من أكثر المعجبين بيوليوس قيصر. يذكر أن نابليون الذي توج نفسه امبراطورا كان يردد « يولد الانسان عظيما مثل قيصر لأنه ليس بالإمكان صنع قادة من طرازه». وأصبح لقب القيصر هو اللقب الرسمي لملك روسيا وقيصر ألمانيا والمقصود به ملك الملوك (الشاهنشاه) وحاول موسوليني إعادة أمجاد الامبراطورية الرومانية أثناء الحكم الفاشي في ايطاليا، مستلهما أساليب يوليوس قيصر الذي يعتبر من أكبر القادة العسكريين والحكام عبر التاريخ مثل الاسكندر الكبير.

* يوليوس قيصر شخصية استثنائية

* وما زال الحنين الى أمجاد يوليوس قيصر منتشرا في ايطاليا حتى اليوم وما زال الناس يذكرون أنه كان الفاتح الأكبر بالنسبة لهم.

كما أنه المسؤول عن تعديل التقويم السنوي المستعمل حتى اليوم (مع تعديلات طفيفة أدخلها البابا غريغوري الثامن عام 1582) والمؤلف من 365 يوما مع سنة كبيسة كل أربع سنوات، كما يذكرون عباراته المعروفة بعد عودته ظافرا من اسبانيا وقيام احتفالات النصر واستعراض الجيش حين قال بطريقته الخطابية الوجيزة «أيها الناس تعالوا وشاهدوا وانتصروا» (بالسجع اللاتيني والكلمات الثلاث التي تبدأ بحرف V عنوان النصر). ورغم الاحترام الكبير الذي يكنه الايطاليون لشيشرون حيث اعتبرته الكنيسة «وثنيا صالحا» لكن قلة منهم يذكرون قوله «إلى متى ستستغل صبرنا؟ وإلى متى سيسيء جنونك إلينا ويسخر منا؟ متى ستلجم وقاحتك وتوقف الازدراء بنا؟».