بيروت.. مدينة تغرق بالسيارات

سكانها يعالجون زحمة السير بالنعاس أو الغضب

لقطة معبرة عن زحمة السير في بيروت وضواحيها (أ ب)
TT

لو أتيح لك أن تتأمل بيروت من طائرة تحلق فوقها لاعتقدت أن العاصمة اللبنانية تحوّلت الى موقف كبير للسيارات. وكذلك الأمر بالنسبة الى الاوتوستراد الساحلي الممتد من بيروت حتى مدينة جبيل شمالاً. وقد بدأ هذا المشهد بالتكرار اليومي منذ مطلع شهر ديسمبر (كانون الأول)، بل منذ ما قبله، بحيث تحتاج لقطع كيلومتر واحد داخل العاصمة إلى أكثر من ساعة في أي وقت من أوقات النهار. وقد تحتاج لقطع المسافة بين جبيل وبيروت أحياناً الى ساعات قد تسبب لك النعاس أو تثير الغضب... تبعاً لما تتمتع به من متانة أعصاب.

مثل هذه المعاناة اليومية تحصل سواء كنتَ في سيارتك الخاصة، أو كنت تنتقل بسيارة الاجرة (التاكسي)، أو بالحافلات صغيرها وكبيرها. ومن الصعب عليك أن تحدّد الوقت الضائع بين خروجك من المنزل وبلوغك الجهة التي تقصدها، سواءً كانت مركز عمل، أو عيادة طبيب، أو متجراً.

وإذا كان المواطن هو الذي يعاني من «طريق العذاب» اليومية، فإن وزير الداخلية المحامي زياد بارود لم يبقَ بعيداً عن هذه المعاناة، فلم يقف مكتوف اليدين، بل حاول ويحاول القيام بما يتوفر لديه من إمكانات، لا لحل أزمة السير، بل للتخفيف من حدّتها، باعتبار ان الحل الجذري يحتاج لخطة طويلة الأجل يستحيل على وزير في «حكومة انتقالية» إرساء قواعدها وتطبيقها.

ولعل أبرز ما أقدم عليه وزير الداخلية هو إضافة نحو 800 عنصر من رجال الأمن لتولّي تنظيم حركة السيارات، وقمع المخالفات التي تساهم الى حد كبير بأزمة السير والازدحام الخانق الذي تشهده شوارع العاصمة وأزقتها، والاوتوستراد الساحلي شمال العاصمة. ومن الإجراءات الأخرى تنظيم مواعيد مرور الآليات على الأوتوستراد الساحلي، واعتماد الرادارات في ملاحقة السرعة، ولو بشكل محدود، فضلاًً عن فرض استعمال حزام الامان، والتشدّد في قمع المستهترين في هذا المجال، خصوصاً، بعدما سجلت ضحايا السير أرقاماً عالية جداً، بلغت، بحسب زياد عقل مؤسّس «اليازا» (مؤسسة السلامة العامة) 870 ضحية في العام 2007. أي نحو ثلثي الذين سقطوا في حرب يوليو (تموز) 2006 الاسرائيلية على لبنان، أو ما يساوي 13 ألف ضحية في فرنسا مثلاً».

ويضيف عقل: «مثل هذا الرقم يسقط حكومات في الخارج، ولكن عندنا لا يستدعي سوى التذمر والتفرج. وعندما اعتبرنا أن العام 2006 شهد 550 ضحية، وأن الرقم مرشح للازدياد بنسبة 25% لم يحرك أحد ساكناً. ولانزال نطلق أجراس الإنذار معتبرين انه لو وضع كل رجال الامن في السير لما امكننا حل الازمة، بل يفترض حصول تغييرات في سلوك السائقين وفي التشريعات وفي البنية التحتية».

للتدقيق في أسباب الزحمة الخانقة يلاحظ وجود نوعين من الأسباب: أسباب آنية، وأسباب بنيوية. الآنية تعود الى كون شهر ديسمبر (كانون الاول) شهر الأعياد (الميلاد، ورأس السنة الميلادية ـ وصدف هذا العام الأضحى أيضاً) وهو بالتالي الأكثر مدعاة للحركة من أجل التبضع وشراء الهدايا، والأكثر استقبالاً للسياح والزائرين من مغتربين وعرب وأجانب، بدليل ما أكده بيار الأشقر، رئيس اتحاد النقابات السياحية، لجهة تخطي نسبة الاشغال الفندقي في العاصمة لموسم الاعياد 90%. ومن الاسباب الآنية أيضاً إقامة ورش جسور وأنفاق على التقاطعات داخل بيروت كمستديرة المتحف الوطني والطرقات المتفرعة منها، وعلى مداخلها، ولاسيما عند مستديرة «الطيونة»، وعند مستديرة الشياح على طريق دمشق الدولية. ومن تلك الاسباب أيضاً تغيير أوقات المرور على الطريق البحرية من بيروت الى ضبيّة شمالاً، من دون الإعلان الكافي عن هذا التغيير، ولا شك في ان اخفاض سعر صفيحة البنزين خلال شهر الأعياد زاد الرغبة في التنقل بين الأسواق.

أما الأسباب البنيوية فهي تحتاج الى مجلد اذا أريد الاستفاضة حولها. ولكن أحد أعضاء «اليازا» يحددها على الشكل الآتي:

1- تزايد اعداد السيارات على نطاق واسع، بحيث سجلت الاشهر التسعة الاولى من العام 2008 زيادة في مبيعات السيارات الجديدة بلغت نسبتها أكثر من 90%، في حين ارتفع عدد السيارات المستوردة عبر مرفأ بيروت نحو 184% في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أي 14068 سيارة، مقابل 4955 سيارة في الشهر نفسه من العام السابق.

2- عدم وجود شبكة إشارات كهربائية في العاصمة، مما جعل حركة السير تحت رحمة أمزجة رجال قوى الامن أو الشرطة أو تحت رحمة السائقين أنفسهم في حال غياب قوى الامن والشرطة.

3- تعدّد المنافذ على الأوتوسترادات والطرقات الرئيسية بشكل عشوائي وغير منظم.

4- التوقف على جوانب الطرق وعلى الجانبين، وفي أحيان كثيرة على أكثر من صف.

5- ضآلة المواقف العامة، ولاسيما في الشوارع التجارية وفي قلب العاصمة.

6- حركة الحافلات الكبيرة والشاحنات الكبيرة على طرقات قليلة الاتساع وغير مؤهلة لهذا النوع من المركبات.

7- وجود المخازن الكبرى في قلب العاصمة وعند مداخلها بشكل غير مدروس، بحيث تحولت الطرقات المحيطة بها إلى «أحزمة» خانقة تهدر الوقت والأعصاب.

8- تحوّل شوارع بيروت عند كل هطول مطر الى أنهار تؤدي إلى تعطيل العديد من السيارات وسط الطرق، وما يفاقم هذا التعطيل تكاثر الحفريات، وبقاء الحفر لفترات طويلة من دون ردم ولا تزفيت.