العراق: عام الانفتاح العربي.. وانكسار القاعدة

إبرام الاتفاقية الأمنية.. وإقرار حزمة قوانين.. وإقالة المشهداني.. وحذاء الزيدي.. الأبرز

طفل عراقي يحمل دمية على هيئة سلاح يقترب من جندي أميركي في بغداد (أ.ب)
TT

باستثناء حادثة الحذاء الشهيرة، التي استقطبت وسائل الاعلام كافة، عندما القى صحافي عراقي حذاءه على الرئيس الاميركي جورج بوش لدى زيارته الوداعية الى بغداد قبل انتهاء ولايته الرئاسية بـ37 يوما، فان ابرام الاتفاقية الامنية بين العراق والولايات المتحدة، التي تمهد لسحب القوات الاميركية من العراق، تعد الحدث الابرز لعام 2008، الذي تميز ايضا باقالة رئيس البرلمان العراقي محمود المشهداني، قبل نحو اسبوع من نهاية العام.

وتوصلت بغداد وواشنطن الى ابرام الاتفاقية الامنية بعد جدل طويل ومفاوضات استغرقت نحو عام كامل، ودارت الخلافات بين الطرفين حول حصانة الجنود الاميركيين والمتعاقدين الامنيين في العراق، وتحديد مواعيد محددة لانسحاب القوات الاميركية. وبحلول يوم 16 نوفمبر (تشرين الثاني) صوت مجلس الوزراء العراقي على الاتفاقية واحالها الى البرلمان العراقي للتصويت عليها. وعلى الرغم من تصويت كتل في البرلمان، وعلى رأسها التيار الصدري ضدها، الا ان الاتفاقية اجتازت العقبة البرلمانية بعد ايام من المداولات، وتم اقرارها بعد اضافة شرط اجراء الاستفتاء عليها. وعموما يعتبر عام 2008، الذي شهد حلول الذكرى الخامسة للاطاحة بالنظام العراقي السابق، استتباب الأمن في البلاد، بعد تنفيذ سلسلة من العمليات الامنية التي نفذتها القوات العراقية بدعم من نظيرتها الاميركية لمطاردة الميليشيات الشيعية والسنية، وكان من اهمها عملية «صولة الفرسان» لمطاردة عناصر ميليشيا جيش المهدي الموالية للزعيم الشيعي مقتدى الصدر في مدينة البصرة (جنوب العراق)، وعملية زئير الاسد في الموصل (شمال العراق) للقضاء على عناصر تنظيم القاعدة.

وشهدت البلاد هذا العام عدة انفجارات دامية اوقعت عشرات القتلى والجرحى، لكن لا يمكن مقارنتها بسنوات سابقة كانت اكثر دموية وشراسة على العراقيين، كما لوحظ بروز ظاهرة جديدة في تنفيذ الهجمات الانتحارية، الا وهي استخدام النساء. وتعتبر المراهقة رانيا ابراهيم، التي القي القبض عليها قبل تفجير نفسها في محافظة ديالى (شمال شرق بغداد) من ابرز الانتحاريات.

ويعزى استتباب الوضع الامني جزئيا الى قوات الصحوة، التي شكلتها عشائر سنية لمحاربة تنظيم القاعدة في العراق. وتسلمت الحكومة العراقية في الاول من اكتوبر (تشرين الاول) ملف مقاتلي الصحوة، وذلك للاشراف على نشاطات افرادها ودفع رواتبهم ودمج اعداد منهم في صفوف قوات الأمن. كما يعزى استقرار الاوضاع الامنية في العراق الى قرار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر بتمديد تجميد نشاطات ميليشيا جيش المهدي الموالية له في فبراير (شباط).

واسفر استتباب الأمن كذلك عن تسليم أمن محافظتين عراقيتين كانتا مسرحا لنشاطات للمسلحين، للقوات العراقية، الاولى الانبار، التي كانت ابرز معاقل تنظيم القاعدة، والثانية الديوانية معقل انصار الصدر.

ومن الاحداث الامنية، ما كان له صلة بدول الجوار، عندما شنت تركيا هجوما على مقاتلي حزب العمال الكردستاني التركي المحظور في شمال العراق في فبراير، الذي استغرق عدة ايام، فيما حازت الغارة التي نفذتها قوات اميركية على قرية سورية انطلاقا من الاراضي العراقي حيزا واسعا من الاهتمام، وكادت تداعياتها ان تلقي ظلالها على ابرام الاتفاقية الامنية وعلاقة بغداد بدمشق.

وسياسيا، فقد حققت حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي نجاحات، مثل عودة جبهة التوافق العراقية الى الحكومة بعد نحو عام على القطيعة، غير ان العملية السياسية شهدت اخفاقات من نوع اخر، تمثلت في اجبار اعضاء البرلمان العراقي، رئيسهم محمود المشهداني على الاستقالة من منصبه في 23 ديسمبر (كانون الاول). وكان المشهداني قد لوح بالاستقالة اثر مشادات حادة نشبت بين الاعضاء حول الصحافي العراقي منتظر الزيدي، الذي رمى الرئيس الاميركي جورج بوش بحذائه. ومع ان المشهداني سحب استقالته الشفوية بعد نحو يومين واعتذر عن «تجاوزاته» ازاء النواب، غير ان نواب الكتلتين الشيعية والسنية في البرلمان اصروا على اقالته.

كما شهدت العملية السياسية اخفاقا من نوع اخر تمثل بتصاعد حدة الخلافات بين بغداد واربيل، بسبب ابرام الثانية عقودا نفطية بمعزل عن الثانية، وتوترات في المناطق المتنازع عليها، مثل بلدتي خانفين وجلولاء في محافظة ديالى، وتشكيل مجالس الاسناد العشائرية واتهام الاكراد للمالكي بالانفراد بالسلطة. ومن جهته، حقق البرلمان العراقي نجاحا بتوصله الى اقرار حزمة من القرارات المهمة، منها قانون اجتثاث البعث والموازنة العامة والعفو العام وقانون مجالس المحافظات. اما ملف اللاجئين العراقيين فقد استحوذ على الاهتمامين الدولي والمحلي في هذا العام، ولم تنجح الحكومة باعادة اعداد كبيرة منهم من مصر وسورية والاردن، رغم الاستقرار النسبي في الوضع الأمني، بل تلقت صفعة عندما نزح مئات من المسيحيين من منازلهم في مدينة الموصل، اثر تلقي تهديدات جماعية بالقتل.

وعلى صعيد العلاقات الدبلوماسية، شهد العراق انفتاحا عربيا عليه بعد اعوام من العزلة دامت منذ الاطاحة بنظام الرئيس العراقي الاسبق، وكانت بوادر هذا الانفتاح الدبلوماسي اعادة افتتاح عدد من السفارات العربية ببغداد اولها الاماراتية، ثم سفارات دول البحرين وسورية والكويت، فيما وعدت دول اخرى كالسعودية ومصر باعادة افتتاح سفاراتها بوقت قريب، فيما توصلت جامعة الدول العربية الى تسمية سفيرها هاني خلاف رئيسا لبعثتها في بغداد.

وزار العراق هذا العام شخصيات بارزة ورؤساء دول، منهم الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد في اوائل مارس (آذار)، في زيارة اثارت الجدل بين العراقيين، والعاهل الاردني الملك عبد الله الثاني، كأول زعيم عربي يصل العراق منذ الاطاحة بالنظام السابق، والزعيم اللبناني سعد الحريري ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، كأول مسؤول تركي يصل العراق منذ عام 1991. وآخر هذه الزيارات كانت للرئيس الاميركي جورج بوش، الذي وصل الى بغداد في 14 ديسمبر (كانون الاول)، وربما كانت هذه الزيارة ستمر كأي حدث عابر، لكن قيام الصحافي العراقي منتظر الزيدي بالقاء حذائه على بوش في مؤتمر صحافي مشترك مع المالكي، حولها الى واحدة من ابرز الاحداث ليس في العراق فحسب، بل على الصعيد الدولي كذلك.