العريش.. استراحة المحارب والطيور المهاجرة

تظللها شواطئ النخيل

شاطئ العريش حيث الهدوء والسكينة
TT

من بين المدن والقرى السياحية التي تحفل بها شبه جزيرة سيناء في مصر، سواء في الشمال أو الجنوب، تتمتع مدينة العريش بعبق خاص، ففيها تمتزج روح الحياة الشعبية، بإيقاع ومفردات الحياة الحديثة، وكأنهما إصبعان في كف واحدة. من هذه الروح الشعبية تبرز سياحة الصحراء وشواطئ النخيل وأزياء سيدات البدو والطيور المهاجرة، ومحمية الزرانيق، ومهرجانات الهجن العربية الأصيلة، وغيرها من المقومات التي تجتذب آلاف السائحين سنويا من العرب والأجانب. ويتقاطع مع هذه الروح الشعبية عدد من الفنادق والقرى السياحية الفخمة، ناهيك عن شواطئ العريش المشمسة الهادئة التي يظللها النخيل في حضن المتوسط.

تعد العريش من أهم مدن سيناء على البحر المتوسط ،وهي عاصمة محافظة شمال سيناء ، وأكبر مدينة صحراوية في مصر على الإطلاق. وكانت العريش ميناء مهماً منذ أقدم العصور، كما كانت موقعا استراتيجياً على الطريق الحربي الكبير (طريق حورس) وكانت دائما بمثابة استراحة للجيوش.

وفي العصور الوسطى، احتلت العريش أهمية خاصة خلال فتح العرب لمصر. وفي الوقت الحاضر فإن مدينة العريش مركز النشاط الثقافي والاجتماعي في شمال سيناء.

وتجتذب صحراء شمال سيناء سنويا عددا كبيرا من محبي سياحة الصحاري الذين يتخذون من العريش مقرا لانطلاق رحلاتهم للصيد. يقول المهندس عبد الله الحجاوي مدير إدارة البيئة بشمال سيناء: إن قوافل السياحة الصحراوية تأتي إلى المنطقة في شكل جماعي وتضم كل منها نحو 12 سيارة وتكون مزودة بوسائل اتصال وأغذية وثلاجات. مشيرا إلى أن سيناء بها العديد من الأماكن الطبيعية التي تجعلها فريدة في مجال السياحة الصحراوية خاصة الوديان التي تضم أعدادا كبيرة من النباتات الطبية والعيون المعدنية والسياحة الجبلية خاصة أن مصر يوجد بها عدد من الجبال العقائدية.

وأضاف أن بعض هواة السياحة الصحراوية يحضرون إلى مصر للقيام بعمليات الصيد الجائر مما جعل الجمعية تقوم بنشر مراقبين تابعين لها في مختلف أنحاء شمال سيناء لرصد أي تجاوزات تقوم بها قوافل الصيد خلال الموسم لمنع صيد الغزلان والأرانب البرية المهددة بالانقراض بشمال سيناء.

ويتردد على العريش أيضا خلال موسم الشتاء عدد من السائحين هواة مشاهدة الطيور المهاجرة التي تفد إلى محمية الزرانيق. ويقول مسؤول بمحمية الزرانيق بشمال سيناء ان المحمية قامت بتطوير مناطق مشاهدة الطيور المهاجرة وأن هناك ثلاث منصات لهواة مشاهدة وتصوير الطيور تمكن الزائر من التمتع بمشاهدة الطيور عن قرب دون إزعاجها، وتوفر مكانا مناسبا ومريحا لمراقبة الطيور، كما تم إقامة منطقتين للتخييم داخل المحمية تتيحان للزوار هواة الرحلات المبيت باستخدام الخيام.

وطرحت محافظة شمال سيناء عدة استثمارات سياحية في المحمية شملت إقامة منصات خشبية على الشاطئ لمشاهدة الطيور عن قرب مزودة بأجهزة مراقبة بصرية وأماكن للمبيت من طابق واحد وأنشطة ترفيهية وكافيتريات جنوبي شاطئ المحمية، وتسيير مركبات نزهة داخل المحمية في محاور تحرك محددة لمشاهدة المنطقة الأثرية بالمحمية وإقامة مزارات للمنتجات البيئية التي يقبل عليها الزوار وبيع أدوات مراقبة الطيور والصور التذكارية. يتوافد على محمية الزرانيق أكثر من 270 نوعا من الطيور المهاجرة سنويا، وبها العديد من الأنظمة البيئية منها البحيرة المالحة والحشائش البحرية الشاطئية، كما يوجد بها العديد من الثدييات والزواحف، وبعض الجزر النباتية مثل جزيرة الفلوسيات وبها 76 نوعا من النباتات. وتجتذب الأزياء البدوية المطرزة يدويا والتي تشتهر بها العريش أعدادا كبيرة من المشترين الأجانب الذين يقبلون على شراء هذه الأزياء، حتى أنها أصبحت تصنع وفق موديلات وأذواق حديثة.

وتتقن المرأة البدوية فن تطريز الملابس بالفطرة ودون دراسة منذ الصغر حيث تبدأ في تطريز فستان زفافها وملابس عرسها وهي في سن التاسعة إضافة إلى اهتمامها الكبير بتطريز «القنعة»، وهو غطاء للرأس ترتديه معظم البدويات، ويدل عادة على القبيلة التي تنتمي إليها الفتاة ،حيث ان لكل قبيلة وحدات زخارفية خاصة بها تميز فتياتها عن فتيات القبائل الأخرى.

وتحرص نساء البدو على أن تدل الألوان المستخدمة في تطريز وصناعة الثوب على الحالة الاجتماعية للمرأة. فالثوب المطرز باللون الأزرق ترتديه السيدة الكبيرة في السن والسيدة الثيب، أما السيدة المتزوجة فترتدي الثوب المطرز باللون الأحمر، فيما ترتدي الفتاة الصغيرة الأثواب المطرزة بألوان فاتحة.

وتضم مدينة العريش متحف العريش القومي والذي تم افتتاحه هذا العام بتكلفة بلغت نحو 50 مليون جنيه ويضم الآثار المصرية العائدة من إسرائيل، إضافة إلى آثار تعود إلى العصرين الفرعوني واليوناني الروماني، وبه مجموعة تماثيل ضخمة وآثار الحمامات اليونانية الرومانية التي كانت موجودة بسيناء، إضافة إلى مقتنيات المتحف الإسلامي مثل ستارة الكعبة ودكة «المبلغ»، ومنظر عام من الجرافيك لطريق عمرو بن العاص أثناء فتح مصر عبر سيناء، ومنظر آخر لطريق الحج القديم، إضافة إلى الأيقونة الوحيدة في العالم للعائلة المقدسة، وشريط يوضح هروبها إلى مصر عبر سيناء.

ويقول الأثري سيد سليمان مدير المتحف إن المتحف أقيم على مساحة 16 ألف مترا مربعا منها 1600 فقط مساحة المباني والقاعات والباقي مساحات خضراء وهو مصمم لاستيعاب نحو ستة آلاف قطعة أثرية من مختلف العصور.

وأضاف أن المتحف يضم مجموعة من المقتنيات الأثرية من بداية العصور الفرعونية وحتى العصر الحديث إلى جانب مجموعة من القطع الخاصة بالتراث السيناوي، وقد اعتمدت فكرة المتحف على موقع سيناء كبوابة مصر الشرقية، وتم تصميمه على هيئة بوابات تنقل الزائر من عصر إلى آخر. وأضاف أن أهم ما يميز متحف العريش وجود قطع أثرية ترجع إلى ملوك العصر الهكسوسي مما يؤكد تأثير الحضارة المصرية على الغزاة وليس العكس حيث اتخذ ملوك الهكسوس الألقاب الفرعونية.

وقال إن المتحف يضم أيضا مجموعة الفخاريات والأواني والقطع الأثرية الممثلة لجميع العصور التاريخية إضافة إلى مختلف العملات لجميع العصور التاريخية من الماس والذهب والفضة والبرونز وهي عبارة عن سبيكة من الفضة والبرونز .كما يحتوي أيضا على مناظر للقلاع التاريخية القديمة الموجودة بسيناء على طول الطريق الحربي القديم وطريقي العائلة المقدسة والفتح الإسلامي وكذا طريق الحج القديم.

ومن أشهر معالم العريش الأثرية، قلعة العريش وتقع بجوار سوق الخميس الأسبوعي بالفواخرية، وبداخلها بئر وحديقة ومساكن الجند، وشهدت القلعة أحداثا تاريخية هامة كمعاهدة العريش 1800 ميلادية بين الأتراك والحملة الفرنسية وهي من عصر السلطان سليمان القانوني.

ومن أشهر شواطئ العريش «شاطئ النخيل» حيث تتكثف غابات أشجار النخيل على امتداد الشاطئ 10 الذي يمتد على نحو كم .ويتميز هذا الشاطئ بوجود الكورنيش الذي تتوافر فيه جميع الخدمات السياحية وتطل عليه الشاليهات وعدد من المشروعات الفندقية والسياحية، كما تتوافر في نطاقه الرمال الناعمة النظيفة والخدمات الشاطئية المتنوعة بما في ذلك الكافيتريات ومراكز الخدمة والحمامات والملاعب المفتوحة لمزاولة الأنشطة الرياضية المختلفة، كما تخدم الشاطئ وسائل مواصلات متنوعة في جميع الاتجاهات والمسارات بمدينة العريش.

تزخر أرض العريش بالعديد من النباتات والأعشاب البرية ذات الفوائد الصحية الكبيرة والتي يقبل على شرائها السياح ومنها الزعتر الذي يعالج الكحة والأمراض الصدرية، والحبج وله أثار إيجابية في علاج المغص والرطوبة، والحنضل ويفيد في علاج الروماتيزم، والسموه لعلاج مرض السكر والأمراض الجلدية. وقد رشحت هذه النباتات العريش كمكان ملائم لنوع من السياحة العلمية، حيث تشهد المدينة على مدار العام العديد من المؤتمرات والندوات العلمية.

وفي إطار المحاولات المصرية لتعزيز ودعم السياحة بمحافظة شمال سيناء دفعت مصر بمشروعات سياحية جديدة لطرحها على المستثمرين لإقامتها وضخ استثمارات جديدة في القطاع السياحي بالعريش.

وتشمل هذه المشروعات مشروعا لإقامة مدينة سياحية عالمية متكاملة على مساحة 15 كيلو مترا مربع شرقي العريش بتكلفة 2ر1 مليار جنيه بطاقة تصل إلى نحو 600 ألف ليلة سياحية في العام ومخطط لها أن تحقق إيرادات تبلغ 70 مليون دولار سنويا وتوفر نحو 15 ألف فرصة عمل جديدة.

وتبلغ المنطقة المطروحة للاستثمار مساحتها 12 كيلومترا، وبعمق كيلومتر ونصف الكيلومتر، وتم تخطيطها من جانب جامعة قناة السويس لإقامة منشآت عليها ذات طابع عالمي، حيث يشمل المخطط العام للمنطقة إقامة مارينا لليخوت السياحية ومطار وملاعب للجولف ومكاتب للتوكيلات والبنوك، بجانب 9 قرى ذات أنماط مختلفة، فرعونية وبدوية وألمانية وفرنسية وإيطالية وتاريخية لجذب السائحين من مختلف الدول الصديقة.

وتضم المنطقة المطروحة للاستثمار خليجا فريدا بتدرج رملي ونخيلي.

كما تتضمن المشروعات المطروحة أيضا إقامة مارينا لليخوت بميناء العريش البحري بتكلفة 5ر4 مليون جنيه بطاقة تصل إلى 50 يختا سنويا في المرحلة الأخيرة من المشروع ويتضمن المشروع رصيفا لليخوت ومنطقة خدمات ومن المنتظر أن يحقق المشروع إيرادات تبلغ 5ر2 مليون جنيه.

وتهتم مصر بتنمية سيناء وإمدادها بالبنية التحتية وتصل التكلفة التقديرية للمشروع القومي لتنمية سيناء إلى نحو 75 مليار جنية موزعة على 17 قطاعا تغطي الأنشطة الاقتصادية والخدمية والبنية الأساسية بدعم ومشاركة القطاع الخاص لتوفير 800 ألف فرصة عمل حتى عام 2017، كما يساهم المشروع في إعادة التوزيع السكاني بتوطين 3 ملايين على أرض سيناء من محافظات الوادي ويهدف المشروع إلى تحويل المنطقة إلى منظومة من التنمية الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية المتواصلة ليغطى إنتاجها الاحتياجات المحلية والإقليمية مع تحقيق فائض تصديري.